لمال والسلاح ورئيس فخري
محمد علي محسن
محمد علي محسن
الدولة في ذهن الرئيس صالح وسلوكه لم تكن يوماً إلا سلطة، وهذه السلطة ليست سوى أوراق بنكنوت وقوة عسكرية، فالمال وفق تعبير "تشرشل" يمثل عصب الحروب، القوة أيضاً بالنسبة للحاكم الديكتاتور تعد أداة لحماية طغيانه وسلطانه لا قوة مسلحة لحماية الشعب ووطنه وسيادته.
إذا سألتم: كيف حكم وكيف قدر له البقاء هذه المدة الطويلة؟ الإجابة: بمال البنك المركزي السائب حكم البلاد والعباد واستمال ورغب خصومه والأضداد وبالقوة العنجهية قهر الشعب وأرهب كل من يتطلع إلى كرسيه وقصره، فالحاكم بتعبير بلوتارك بمقدوره تدمير حريات شعبه بكل سهولة ومن خلال الهبات والعطايا والمنح.
 وإذا ما أضفنا لهذه المكرمات الرئاسية ترهيب وتنكيل وهيمنة ونفوذ وسطوة الترسانة الحربية والأمنية المسلطة على رؤوس اليمنيين وعلى أنفاسهم وحياتهم؛ فإن المسالة لم تعد تقتصر على تكميم وتدمير الحريات، بل وصلت لقتل الأمل والتفاؤل والحلم بداخل الإنسان ذاته باعتباره محور وأصل أية دولة وتنمية ومشروعية!.
المال والقوة هما إذن المشكلة والحل، على هاتين القاعدتين قدر للرئيس صالح المكوث في السلطة أكثر من أي حاكم آخر في تاريخ اليمن، وإذا كان كذلك فإنه ومن هاتين الناحيتين سيكون زواله واقتلاعه كلياً لا كما يظن الكثير من المتفائلين بأن السلطة انتقلت فعلياً لنائبه وبمجرد توقيع الأول لمبادرة الخليج وبدعوة عبدربه لانتخابات مبكرة وتكليفه لحكومة وفاق.
الواقع يؤكد أن الرئيس المخلوع مجتمعياً وأخلاقياً وسياسياً لم يكن رئيساً لدولة أو لسلطة سياسية وتنفيذية، فكونه يصدر ويمضي ويوجه ويكلف الحكومات أو يشارك ويعامل كرئيس دولة وفق القوانين والأعراف والتقاليد الدبلوماسية، فلا يعني أنه كان بالفعل رئيساً لبلد وشعب وأنه قام بكل مسئوليته وواجبه إزاء الدولة وشعبها وسيادتها واستقلالها ودستورها.
 ففي الحالتين يحسب له سرقة رمزية الدولة بما تعني دولياً وسياسياً ودبلوماسياً ونظامياً وكذا قضائه وطنياً ومؤسسياً وموضوعياً وذهنياً وسلوكياً لكل سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فهذه الرئاسة تم اختزالها بسلطة شخص الرئيس والذي بدوره جعلها أقل وأضيق من ذلك، إذ حصرها بخزينة الزلط بدرجة رئيسية ومن ثم أحاطها بمعسكرات وجُند وترسانة سلاح.
ربما اعتقد البعض بأن ما نكتبه هنا فيه تجنياً وإساءة لرئيس حكم ثلاثة عقود ونيف، بمعنى آخر أننا عندما نقول بأنه لم يكن رئيساً، فذاك أننا نقدح ونهين ذاتنا كشعب، ولكن ما هو جلي ومشاهد اليوم يشير إلى هذه الحقيقة المرة، فبعد سنة تقريباً ومؤسسات الدولة وسلطاتها تكاد معطلة ومفقودة.
 فلو أن هناك ثمة دولة وسلطات من أية نوع لما عاد الرئيس إلى مزاولة مهامه من معسكر الحرس! لو أن صالح كان بحق رئيساً لما تم في عهده نهب وتبديد المليارات ولما وصل الحال إلى نهب مجلس الوزراء وكذا الوزارات، فمثل هذه الأفعال لا تمت بصلة للرؤساء المحترمين بقدر ما هي أعمال يقوم بها اللصوص.
من يعتقد أن السلطة بيد النائب أو الحكومة أو المؤتمر؛ فهذه السلطة انتقلت إلى هذه المسميات وبموجب اتفاق دولي، اسأل لماذا الاختلاف احتدم مؤخراً حول لجنة الشؤون العسكرية أكثر من كونه حول ماهية الحكومة؟ المسألة واضحة كشمس النهار، فلولا سطوة النهب المنظم للمال ولولا اعتماده على قوات الحرس والطيران والأمن المركزي وغيرها من المسميات العسكرية التي تم إعدادها وتدريبها على أساس حماية الكرسي لا الحدود ومكتسبات الشعب كمهمة وعقيدة للجيوش الوطنية؟.
 إنني أرثى لحالنا اليوم إزاء وضع كهذا، فبعد توقيع الرئيس على المبادرة ظن الناس البسطاء أن زمام القرار بيد الرئيس المؤقت وبمتناول حكومة المشترك والمؤتمر، فكيف لرئيس بات بلا سلطة أو مشروعية أن يظل رئيساً؟.. اليوم يتكشف للجميع أن لا قيمة لرئاسة أو حكومة من دون قطع حبل المال والسلاح اللذين يمنحان نظام صالح المزيد من الحياة لكي يواصل عبثه وفساده.
فالحاصل أن نظام صالح ومنذ يوليو 78م وجهده وتفكيره منصباً في هد وتخريب وتمييع كل ما له صلة بالدولة وسلطاتها ومؤسساتها، اليوم فقط تبدو الصورة كارثية ومأساوية، لم يرجع للمؤتمر الشعبي كونه يدرك أكثر من غيره بأن ملايينه الثلاثة ليست إلا واجهة سياسية لا يمكن الوثوق بها حين الضرورة، لقد انتهى به المطاف حيث كان مستهله، الجُند والعتاد وزلط وزارة المالية والمؤسسة الاقتصادية وكذب وتضليل إعلام الفرد والقائد الضرورة. 


في الأربعاء 07 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:27:05 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66473