أغداً ألقاك.. يا أبين
فضل مبارك
فضل مبارك

ستة أشهر انقضت والسابع اطل بقرونه وانتصف (ويطولوك يا ليل) المعاناة ويقصروك يا أمل الانفراج على (كعكة) أبين التي نجحت وحرقت وحرق أهلها بنار الصراع الذي عجز الكل - بما فيهم المحللون والمتحلحلون- عن كشف ملابساته والإتيان بقول أو رؤية أو تحليل يشفي عطش المتابعين ويقنع الملهوفين على الديار وما حل بها.
ستة أشهر ونصف بما يعادل مائة وسبعة وتسعين يوماً والتي تساوي أربعة ألف وسبعمائة وثمانية وعشرون ساعة، بما يعني مائتين وثلاثة وثمانين ألف وستمائة وثمانين دقيقة معاناة وحرقة ألم وفاقة وحرمان ولوعة فراق وتنهيدة حسرة على بيت وضمار ومرتع صبأ وكنز حياة. 
هل يدرك الآخرون معنى ومصيبة أن تحل بك كارثة كالتي حلت بعاد وثمود، بل أسوأ وأن تبحث عن سفينة نوح وأنت تجر أذيال معاناتك، هرباً من عدو قاتم إلى مصير مجهول دون أن تتذكر انك حافي القدمين ونساءك مكشوفات الرؤوس وأطفالك عراة وصقيع المدافع يتقاذف خوفك يمنة ويسرة ويسيرك إلى هاوية, لتفاجأ بأنك نطقت الشهادتين دون وعي لمصير محتوم غدى قاب قوسين أو أدنى من حلقومك، وانك حمدت الله حين اكتشفت نفسك فجأة وقد طارت بك قدميك كورقة شجرة المريمر في فصل صيف أبيني مظلم، كثر منا ومنكم خرجوا من ديارهم برضا نفس ورغبة رحيل لفترات معينة لسبب أو لآخر وبعضنا غادرها عنوة أو غصب عنه لحين من الزمن، لكني اجزم أن شعباً قط على مستوى اليمن لم يفرض عليه أبداً منذ سيدنا ادم قد اجبر تحت لهيب مدافع قوات الجيش ورشاشات إتباع النظام من جماعات الدفع المسبق على النزوح من ديارهم وترك قوت يومهم الذي كسبوه بشق النفس فيما كانوا يتهيؤون وقد شمروا عن سواعدهم لأداء صلاة الجمعة – عيد المسلمين التي تشرع فيها أبواب السماء لتقبل ابتهالات ودعاء المتضرعين إلى المولى بحياة أمن وأمان.
وقعت الكارثة بأبين وأهلها الذين تشردوا في أصقاع البلاد طولاً وعرضاً بأوضاع تصعب على الكافر, وانتهز هذه الحالة البعض ممن يثرون على حساب ماسي المقهورين لفتح حسابات في البنوك واستئجار مستودعات، وفيما انهالت قوافل المعونات (نقداً وعيناً) ازدادت معاناة النازحين ألماً وقهراً وهم لا يرون مما يأتي باسمهم سوى أخباراً في الصحف, ومع ذلك فذاك أمر هين - ربك كفيل بعباده- مقابل ويلات الألم والمعاناة التي يعيشها عشرات الألوف من منكوبي أبين وقد حرموا من ابسط حق خلال هذه الفترة وهو معرفة أخبار ديارهم وما يجري فيها وما حل بها وقد قطعت قوات الجيش بالتعاون مع العدو المفترض بأوامر من ( شارع السبعين ) الطريق ومنعت الناس من الدخول إلى زنجبار منعاً باتاً ولو من رأس الرجاء الصالح وأحرمت بذلك عشرات الآلاف من المسافرين عبر الطريق من أبناء محافظات أبين والبيضاء وشبوة وحضرموت والمهرة وقطعت المحافظات الجنوبية عمداً وإصراراً إلى أجزاء وكأنها تقول لأبناء تلك المحافظات أنا من يلمكم وأنا من يشتت بكم.
يسألني كثير من الأصدقاء بشكل شبه يومي ماذا حل بأبين وكيف الأوضاع هناك وأعجز في كل مرة عن الإجابة.. هل ما يجري مسرحية هزلية من تأليف الصالح المطاح وإخراج "اليو اس ايه" وجماعات ملونة.. أم هي لعبة أراد بها النظام خلط الأوراق وإيجاد مناطق توتر تكون ورقة بيديه للمساومة عليها، لاسيما ورأسه قد أعلن قبل خمسة أيام من صافرة البداية عن وقوع خمس محافظات في أيدي القاعدة قريباً؟
أم أن ما يحدث في أبين صراع مراكز قوى تناثرت مصالحها وانفرط عقد تحالفها وبدأت تصفية حساباتها من الحلقة الأضعف في البلاد وهي محافظة أبين التي جرى تهيئة أرضيتها خلال السنوات الماضية منذ لجوء الجماعات التي عرفت باسم الجهاد عام 1998 والتي شاركت في حرب صيف 94م في صف القوات الشرعية وفق اتفاق نكثه النظام بعد انتصاره المزعوم باكتساح المحافظات الجنوبية عام 1994 وكان أبناء أبين متفرجين وكأن الأمر لا يعنيهم مع أنه لا يبيت لهم بليل وإنما ينفذ في وضح النهار وظلوا متعامسين عليه أن لم يكونوا يتندرون عليه في مقايلهم ويطلقون على مدينة جعار التي احتضنت طلائع الكارثة ( قندهار ) أما المسؤولون المحسوبون على أبين، فيا ليت آبائهم قد ناموا ليلتها ولم يطأوا نسائهم حتى لا يلدن مثل ما هم محسوبين على أبين اليوم.
وإذا افترضنا أن ما يحدث في أبين فيه شيئاً من حقيقة ما يقوله الإعلام الرسمي من حرب بين قوات الجيش وعناصر إرهابية من تنظيم القاعدة، طيب إذا كان ذلك صحيح افتراضاً؟ كيف تكونت هذه الجماعات وكيف دخلت ولازالت تدخل جحافل المقاتلين منذ سنوات من جنسيات عربية وأسيوية وأخرى، وتجاوزاً لذلك كيف تتمون هذه الجماعات طوال كل هذه الفترة والسلطة تزعم أنهم محاصرون ومن يمدهم بالسلاح والذخيرة والأكل والشرب ووقود السيارات التي جهزت لهم في معسكرات الأمن والجيش قبل هروب جنودها, وعلى فكرة من رأى منكم قوات الأمن المركزي المجهزة وهي تنتهك حقوق المشاركين في المظاهرات والمسيرات من الحراك في أبين أو تمسح بكرامة المسافرين الأرض في نقاط التفتيش لا يصدق حقيقة أن قادتها وأفرادها هربوا مثل الجرذان مع أول طلقة رصاص لـ(أنصار الشريعة) لحظة (فتح زنجبار) فجر الجمعة وهربوا عبر الطريق الدائري، ألا يوحي ذلك بأن في الأمر "إنة" وأن الأمر معروف لديهم مسبقاً بما سيحدث.
ما علينا دعونا مما فات ونحن أولاد اليوم والمسامح كريم، يا جماعة الخير ليش معانا أكثر من ثلاثة ألوية على مشارف زنجبار وكتيبة من الحرس الجمهوري (وحدات مكافحة الإرهاب) مسلحون بآخر ما أنتجته مصانع أميركا والغرب والشرق، في مقابل عشرات طيب جينا معكم قولوا مئات من (أنصار الشريعة).. على فكرة جماعة أنصار الشريعة وزعت سيدي فيه صور فيديو لما أسمتها عملية (فتح زنجبار) تبين الصور قدوم المسلحين من جعار إلى زنجبار وهم بعدد أصابع اليدين على متن سيارتين ودراجة نارية وفي لقطات أخرى للمعركة أبانت أنهم لا يملكون سوى بنادق آلية و"آر بي جي" ومدفع واحد، ترى كيف تمكنوا من السيطرة والانتصار على القوات الحكومية التي كانت تحوز على أكثر من سبعين دبابة ومائة طقم دوشكا وخمسمائة "آر بي جي" ومعدلات ومئات المدافع الثقيلة والكاتيوشا ومخازن للذخيرة وناقلات جند محصنة وغيرها, واليوم مع تعداد هذه الألوية التي تتزاحم على مشارف المدينة لماذا لا تصدر لها الأوامر من الباب العالي باقتحام زنجبار وتمشيطها مع العلم أن قادة الألوية طلبوا ذلك وأكدوا أن الأمر لن يتعدى ساعات دون أن يأذن لهم . 
وما هي حكاية كتيبة مكافحة الإرهاب المتمركزة في استراحة المحافظ بالكورنيش التي تغادر موقعها في الصباح باعتبار أنها تدخل زنجبار وتعود المغرب منذ أكثر من شهر، ما هي حكاية الجنود الذين اكتشفوا أنهم يقاتلون في صفوف أنصار الشريعة، وما هي حكاية الأسرى الذين قبض عليهم بعض الجنود وفوجئوا بهم اليوم التالي طلقاء يقاتلونهم مجدداً, وإن افترضنا حسن النية لماذا لا تقطع طريق المدد على هؤلاء جهة جعار وعزان؟.
هل وصلت الصورة كل ذلك لم يعد ذا بال في أنفس أبناء أبين حتى وإن تجاوزنا ما كان الإعلام الرسمي قد روج له عن عدة السيطرة على زنجبار وطرد المسلحين بدعاية إعلامية بلهاء يوم 11 سبتمبر, لكن ما يعنينا اليوم هو إلى متى سيظل هذا العرض الهزلي للمسرحية، ألم تكف كل هذه الفترة لعقاب أبين وأبناءها, لأن الأمر لا يصدق أن قوات الجيش عاجزة عن فرض سيطرتها على مجريات المواجهات، وإذا كانت القوات الموجودة في ضواحي أبين غير قادرة أو عاجزة عن تحقيق الهدف لماذا لا تسند المهمة لقوات الحكومة الموجودة في محافظة تعز التي تكشف الأخبار أنها قوية وقادرة على القمع والتنكيل والقتل ولها باع من التجربة والخبرة من خلال ما تقوم به في تعز .
اليوم وقد تشكلت الحكومة وتبينت مآلات الصراع الافتراضي بين السلطة والمعارضة وقد كان هناك رأي يقول إن جناح السلطة استخدم موضوع أبين ورقة ضغط ومساومة, ترى هل في جعبة باسندوه وكذلك قيادة الدولة – نائب الرئيس وهو الرجل الأول من أبين أيضاً, ما يوحي – من باب الأمل بأن قضية أبين على جدول أعمالهم، أم أنه كتب على أبين الشقاء ودفع ضريبة مواقف أبنائها على طول.

في الأحد 18 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:21:57 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66561