الأثر السلبي لإجراءات التعسف المالي على شعوب أوروبا
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

شعوب عدد من الدول الأوروبية تعاني من الضيق الناجم عن التزام الحكومات بخطط التقشف المالي، نتيجة رفض الأسواق المالية إقراضها بضعة مليارات من الدولارات بفوائد بالغة التدني 01% 0%، بينما الحكومات عند الحاجة إلى الاستندانة بمعدلات فائدة تفوق ستمائة مرة أو ثمانمائة مرة معدلات استدانة البنوك.. وقد علق أحد السياسيين أن المجتمعات الغربية أمام مفترق طرق التغيير والتحول السياسي، أي الانتقال إلى حال آخر أو الموت، لكن هل يجوز التغاضي عن المشكلة إلى حين فوات الأوان وتفكك المجتمعات؟ وما السبيل إلى إنعاش الماليات العامة الأوروبية، ودحض ما يزعمه البعض من أن أوروبا تتقوقع في شرنقة الموت وتدور في متاهات سراديبية؟ وما السبيل إلى مبادرة فعالة ونافذة من غير تعديل الاتفاقات الأوروبية؟ وهذا التعديل يفترض صرف الوقت الطويل إلى إعداده وهو متعذر التعديل في وقت يميل الأوروبيون إلى نبذ المشروع الأوروبي.
المستشارة الألمانية دعت الحكومات الأوروبية إلى مواجهة الأزمة وعدم الهروب إلى الأمام، لكن الحكومات الأوروبية تقترض مبالغ من الأسواق المالية لسداد ديون قديمة، وفي العام الحالي تبرز الحاجة إلى استدانة فرنسا (400) مليار يورو (100) مليار يورو وهي مقدار عجز الموازنة، والعجز هذا يتبدد إذا ألغيت الإعفاءات الضريبية والتخفيضات الضريبية التي أقرت في العقد الأخير و(300) مليار لخدمة ديون قديمة في مواعيد استحقاقها، لكن فرض معدلات فائدة هائلة وبالغة الضخامة على ديون متراكمة قبل خمسة أو عشرة أعوام ليس بمقدور الحكومات تحمل مسؤولياتها، بل الاحتمال الأرجح خنق الاقتصادات الأوروبية ووحدها بعض البنوك الخاصة الأوروبية ترتجي الربح من هذه الفوائد وهذه البنوك تتذرع بأنها تواجه أخطاراً كبيرة، وتفرض معدلات فائدة مرتفعة على رغم إدراكها أن الأخطار ليست فعلية وضعيفة الصلة بالواقع، لأن صندوق الاستقرار المالي الأوروبي يضمن قدرة الدول المدينة على السداد.. البنك المركزي الأوروبي لا يملك صلاحية إقراض الدول الأعضاء، لكنه مخول بمنح القروض غير المحدودة إلى مؤسسات الإقراض العامة وفق البند 213 من نظام البنوك المركزية الأوروبية الأساسي، وإلى المنظمات الدولية وبوسعه إقراض بنك الاستثمار الأوروبي بمعدلات فائدة 01/0% ولا عوائق تحول دون إنقاذ مثل هذه الاجراءات في الشهر الأول من العام الحالي ولا يسلط الضوء على مؤشرات مهمة مثل إحراز الموازنة الإيطالية فائضاً أولياً والأغلب أن يقوم خلل العجز الإيطالي إذا لم تضطر روما إلى دفع فوائد مالية يتعاظم ارتفاع معدلاتها.. وأوروبا أمام مفترق طرق ترك إيطاليا ومواجهة المصير القاتم ووقوعها في براثن الانكماش والكساد والانزلاق إلى أزمات سياسية أو لجم معدلات ريع البنوك الخاصة، ودور البنك المركزي الأوروبي هو الحفاظ على استقرار الأسعار، لكنه يبقى مكتوف اليدين أمام بلوغ سعر سندات خزينة دول أوروبية ضعفي أو ثلاثة أضعاف سعرها السابق على الأزمة في أشهر قليلة، ويفترض بالبنك أن يرعى استقرار الاقتصادات الأوروبية، لكنه لا يحرك ساكناً في وقت تتهدد معدلات الفائدة المرتفعة أوروبا بأزمة كساد رهيبة يرجح أن تكون أفدح من أزمة عام 1930م والاتفاقات الأوروبية لا تخطر على البنك المركزي الأوروبي المبادرة إلى تخفيض أسعار فوائد الدين، والظروف كلها تعطيه حق إقرار إجراءات خفض سعر الدين العام، لأن تضخم هذا الدين سوف يؤدي إلى نتائج سلبية.
هامش:
1- الاتحاد الاقتصادي 15/1/2012.
2- الاتحاد العدد (3343) 16/1/2012.
3- الحياة العدد (8/178) 16/1/2012.
4- الاتحاد الاقتصادي 23/1/2012.
في الثلاثاء 06 مارس - آذار 2012 04:38:32 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=67359