ليس مغترباً ولا مهاجراً ولا هو مسافراً
جواهر الظاهري
جواهر الظاهري

لاجئ هو اضطر لترك وطنه والرحيل بعيداً عن مسقط رأسه و أجبرته الظروف على البعد عن مكان اعتاد عليه وترعرع فيه وألفه وله فيه أهل وأحبه، اعتاد على المشي في شوارعه وألف حاراته ولم يستسيغ طعاماً غير طعامه وحتى رائحة هواه لها نكهة مختلفة وكل شيء في الوطن له مذاق آخر لا يمكن أن تشعر به إلا في وطنك الأصل مهما رأيت من نعيم في بلد آخر
فكيف يفترض بنا أن نتعامل معه وخاصة إذا كان مسلماً وعلى ديننا يترك في الشارع بلا مأوى ولامسكن ولا أكل ولا شرب والأمر من ذلك أن ينظر إليه على انه نكرة وكأنه ارتكب جرماً وليس ضحية حكام حمقى وسياسات ظالمة ومسئوولين أغبياء ألهاهم التناحر على الملك والتنافس على الدنيا والسباق على تلك الكراسي اللعينة ونسوا أن في تلك الأوطان شعوب تريد فقط أن تحيا بشيء من الأمان وكسرة خبز وما سواها من زخارف الدنيا لا يعنيهم
تجدهم يمشون في الشارع صباحاَ ومساء على غير هدى وأحياناً كثيرة يفترشون الرصيف من تعب المشي والتنقل من محافظه إلى أخرى مشياً على الأقدام يمر من أمامهم أصحاب السيارات ولا يرونهم وان رأوهم لا يعنيهم من أمرهم شيئاً وكأنهم ليسوا بشر وهم في حال يرثى لها ترى الحزن والجوع بادي على ملامح وجوههم ولكنهم لا يسألون الناس تعففاً
يا إلهي ما ذنب هؤلاء المساكين يقتل منهم من يقتل قبل أن يصل إلينا ويموت من يموت على الحدود أو في البحر ومن يكتب له النجاة ويدخل بلادنا يلاقي الهوان والذل بدلا من أن نمد لهم يد العون والرحمة
الصوماليون وجوه سمراء حفر عليها الحزن خطوطاً عميقة وفي أعينهم ترى نظرة شاردة موجوعة ونحن في غفلة عنهم لا نسمعهم حتى كلمة طيبة تخفف عنهم معاناتهم ونشعرهم أنهم بأمان بيننا
حين هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة ومعه أصحابه رضوان الله عليهم استقبلهم أهل المدينة بترحاب ومحبة وتقاسموا معهم كل ما يملكون تخيلوا معي ذلك الموقف العظيم أن يأتي رجل اضطرته الظروف أياً كانت على ترك وطنه وماله وأصبح غريباً لا يملك شيئاً فاستقبله الأخر في بيته وأعطاه نصف ما يملك من كل شيء حتى لا يشعر بغربة ولا مهانة البعد عن الوطن
وحتى لا يقول احد أن هذا حصل لان الظروف كانت مختلفة وأولئك كانوا مهاجرين وليسوا لاجئين وكان معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد حدث نفس الشيء مع من أولئك الذين هربوا من الشمال إلى الجنوب أثناء الحرب بين ما كان يسمى الجبهة القومية والنظام في تلك الفترة، حيث كان سكان القرى الجنوبية يستقبلون اللاجئين ويسكنوهم في بيوتهم وكأنهم أهلهم وعاشوا معاً سنين طويلة في ألفة غريبة وعجيبة استغربها حتى الآن كلما تذكرت أني ولدت لاجئة وفتحت عيناي بين أناس أحببتهم وأحبوني ولم اشعر يوما أني غريبة بينهم ولم أتذوق أبداً لسعة الإحساس بكوني لاجئة بل لم نعرف انا لاجئون إلا بعد أن كبرنا وحكي لنا الأهل الحكاية
وهذا هو ما يفترض أن يكون عليه حال المسلمين في كل زمان ومكان ألم يعلمنا نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام أن المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمى، فاللهم ارحم اللاجئين في كل بقاع الأرض واشبع جوعهم وامن خوفهم وردهم إلى بلدانهم عزيزين غير مهانين ولا تلجئهم لأحد سواك يا من أنت ارحم بهم منا ..اللهم آمين
في الإثنين 12 مارس - آذار 2012 05:07:39 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=67427