مكسِّر غلب ألف مدَّار
محمد علي محسن
محمد علي محسن

رئيس دولة تونس د. منصف المرزوقي رغم كونه رئيساً توافقياً للأحزاب الثلاثة الفائزة بغالبية مقاعد المجلس التأسيسي ( البرلمان )؛ إلا أنه وفور توليته لمنصب الرئاسة كان قد أعلن استقالته عن رئاسة حزبه المؤتمر الوطني ودون تردد أو حسابات حزبية ضيقة، فلم يشترط المرزوقي استقالته باستقالة رئيسي البرلمان والحكومة من حزبهما مقابل تركه رئاسة حزبه الذي مازال في طور التشكل والتكون.
الرئيس/ عبد ربه يجب أن يكون رئيساً لكل اليمنيين، سواء الذين منحوه ثقتهم في استفتاء 21فبراير أو لم يمنحوه أصواتهم، اليوم أسمع من يتحدث عن تكليف الرجل برئاسة المؤتمر كالتزام تنظيمي نابع من نظام الحزب الداخلي الذي تقترن فيه رئاسة الدولة برئاسة الحزب وكذا من طبيعة المرحلة الاستثنائية التي تستدعي من الرئيس حفظ وكينونة حزب على وشك التفكك والانهيار كلياً في حال بقيت أزمته عالقة ومفتوحة دون حل ومعالجة جذرية وعميقة تستلهم واقعاً جديداً، تتعامل مع معطياته وتحدياته بشفافية وصدق وتجرد.
أياً كان منطق هؤلاء الصقور أو النسور، الليبراليون المتطلعون لهيكلة المؤتمر تحت قيادة عبد ربه أو المحافظون المتشبثون ببقاء وكينونة المؤتمر بقيادة شرفية لصالح أو من يخلفه، في الحالتين لا ينبغي للرئيس المنتخب شعبياً وتوافقياً ولمرحلة لا تزيد عن سنتين ومهام محددة ومهمة ومصيرية وتتعلق بحاضر ومستقبل شعب ووطن بات على شفى الكارثة المدمرة لكل شيء في البلد.
 ما أحوج الرئيس في هذا الوقت والتاريخ الى أناس ورجال يصدقونه الكلام والفعل ! أعلم أن الرئيس السلف كان يضيق ذرعاً بالرجال الصادقين المخلصين ؛ وإلا ما كانت نهايته مخزية ومخجلة كمهووس بجنون العظمة لا يريد ترك السلطة لخلفه، وكرئيس خرج بثورة شعبية لا بانقلاب عسكري مثلما يحاول مغالطة نفسه وأنصاره وأقربائه .
لقد جعلوا منه قربة منفوخة بالكذب والوهم، ألم يصل الأمر بأحد انتهازيه ومنافقيه الى وصفه بالخليفة السادس؟ أو ذاك المؤلف لقصة حياته في كتاب ضخم اسمه (الزعيم الأسطورة)؟ أو ذلكم الزنديق القائل في الرئيس علي عبدالله صالح "قبلك عدم وبعدك ندم"؟.
فكم هو جميل ورائع أن يستهل الرئيس عبد ربه منصور عهده الجديد بإزالة صوره من شوارع العاصمة صنعاء وكذا رفضه للفكرة الشيطانية – إن صدقت المعلومة – للاحتفاء بذكرى ميلاده الـ69 ! فلكم كانت إجابة الرئيس صائبة ومدركة حين قال : "يوم ميلادي الحقيقي هو يوم نجاحي بإخراج اليمن من محنته الحالية والوصول به إلى بر الأمان ".
إرث ثقيل يستلزمه قوة خارقة وزمن طويل ومع هذا الواقع المثقل بشتى صنوف المشكلات والأزمات؛ الرئيس الجديد ليس بحاجة لمن يرثي ويشفق عليه أو يخاطبه قائلاً: "الله يكون في عونك" إنما الرئيس يحتاج في مثل هذه الظرفية الحرجة إلى مشورة ونصح الرجال الصادقين، وإلى الأفكار الجريئة المبتكرة وللحلول الناجعة التي من شأنها معالجة كثير من القضايا والأزمات، وإلى قيادات مخلصة أمينة على البلد وشعبه وثروته ومكاسبه ومقدراته وقوته ووحدته ومستقبله.
لم يذهب اليمنيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس عبد ربه كربان لقيادة البلاد فحسب وإنما بكونه سفينة نجاة يرى فيها عموم الشعب الغارق في الفوضى أمله في الحياة ووسيلة واقعية ومنطقية للعبور باليمنيين إلى شاطئ السلامة والأمان.
على هذا الأساس الرئيس المنتخب لسنتين فقط ينتظر منه تحقيق وانجاز ما أخفق فيه وفشل رؤساء قبله حكموا اليمن عقوداً، نعم ومثلما قال مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر: (آن الأوان لليمنيين لأن ينتقلوا ببلادهم إلى المرحلة الثانية،إذ ينتظرهم إنهاء انقسام الجيش والأمن من خلال إعادة هيكلتهما وفق أسس وطنية، فالهيكلة والحوار الوطني في رأس القضايا المطلوب انجازها في قادم الأيام، ندعم الرئيس عبد ربه ونؤيد قراراته وإجراءاته وسنقف خلفه إلى أن يتحقق لليمنيين عملية الانتقال).
الرئيس ينتظر منه فعل الكثير وفي وقت قصير ومأزوم، لتكن الشجاعة والجرأة أداته الأمضى والنافعة إذا ما أراد تجاوز حالة المراوحة والجمود والعبث والفوضى، في ظرفية كهذه يجب أن لا يتردد أو يتوقف في منطقة الوسط ؛ بل مطلوب من رئيس البلاد أن يمسك العصا من طرفه لا من وسطه .
نعم الواقع مرير وقاهر لأية عملية يراد بها تغيير وجه البلاد، فكما يقال: (مكسِّر غَلَب ألف مدار) لكننا مع ذلك نقف معه كي يعبر بنا من عاصفة عمرها قروناً، لا مناص من اقتحام وكسر كل ما هو محظور وقديم وخارج سياق الدولة والنظام.. الذين يقولون للرئيس بأنه لا يستطيع قيادة البلاد دونهم ودون إشراكهم ووجودهم ونفوذهم؛ يكذبون عليه!، أنهم يغفلون حقيقة قوته المستمدة من كونه يمثل شعبه الثائر والداعم والمناهض لكل أشكال التطبيع والاستمرار للنظام العائلي القبلي العسكري، ناهيك عن دول العالم الحر التي هي في الأغلب تشد من عضده وأزره كلما وهن وضعف ؛ فماذا ينتظر كي ينهي ما بقي فينا من فساد وانقسام ونفاق وكذب وعبث وفوضى ونهب وعنت ووالخ؟.
لا جدوى من الانتظار.. لا نفع من الترقيع والإصلاح للأشياء المكسورة.. لا هيكلة أو حوار أو دستور جديد أو انتقال.. ففي جميع الحالات المرحلة قصيرة والمهام كبيرة وعظيمة وبين الزمن والمهمة هنالك سلطة وشعب يجب أن لا يتردد لحظة في اتخاذ الموقف المناسب حيال مسألة اليمن الجديد الذي لا يكون سوى بالتغيير والتجديد لكل شيء فيه.
نعم لابد من تغيير القيادات الإدارية والسياسية والعسكرية والقضائية والإعلامية والتربوية والعلمية الفاسدة والعابثة، فالنظام السابق أجده يماثل طوفان تسونامي المدمر، فما من وظيفة وجهة إلا وطالها الخراب والدمار والفساد.. من يظن بأن الرئيس سيمضي بدفة الدولة الجديدة بذات القيادات القديمة؛ فإنه أشبه بمن يجهد ذاته بإصلاح زجاج مهشم لا ينفع معه غير التغيير أو أنه يسابق الوقت بسيارة متهالكة كل ما فيها مهلهل ومعطل وعتيق لا يطمئن لبلوغ منتهى قصير ولو دهفة.
في الإثنين 07 مايو 2012 04:29:21 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=68081