الاتحاد الأوروبي.. أزمة اليورو وعقدة الديون السيادية
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

قبيل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة التقى الرئيس الفرنسي مع المستشارة الألمانية بهدف تجاوز خلافاتهما بشأن كيفية حل أزمة منطقة اليورو، المباحثات هدفت إلى محاولة حل الخلاف بين ألمانيا وفرنسا حول كيفية تحقيق التوازن بين مطلب ميركل المزيد من الضبط المالي في منطقة اليورو ومطلب هولاند الداعي إلى قدر أكبر من التضامن بين الاقتصاديات القوية والضعيفة.. ويطالب الرئيس الفرنسي بمشاركة ديون منطقة اليورو وعبر إصدار سندات يورو مشتركة "يوروبودر"، التحدي أمام القمة أكبر من ذي قبل وعلى القمة أن تظهر بطريقة واضحة وملموسة وبشكل أكبر.
 من المشكلات التي تواجه الاتحاد الأوروبي هي انضمام عضو جديد إلى قائمة دول منطقة اليورو المتعثرة التي تسعى للحصول على مساعدات إنقاذ مالي، أصبحت قبرص خامس دولة من دول المنطقة التي تضم 17 دولة من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تطلب رسمياً مساعدات إنقاذ مالي من الاتحاد بعد اليونان، البرتغال، إيرلندا، وأسبانيا، الأمر الذي يفرض المزيد من التمريات على قادة التكتل المشاركين في القمة.
 وفي إطار الجهود الرامية إلى وفق تصاعد الأزمة المالية الأوروبية والتي تقترب بشدة من إيطاليا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا ـ يدرس القادة الأوروبون خطة جديدة لزيادة الانفاق الاستثماري بما يعادل 1% من إجمالي النتاج المحلي لمنطقة اليورو بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، وتصل قيمة هذا الإنفاق المنتظر إلى حوالي "130" مليار يورو "162" مليار دولار.
 خبراء الاقتصاد يدعون إلى إجراءات جذرية لحل مشكلات منطقة اليورو، ومن الخيارات المطروحة إيجاد إطار للاقتراض المشترك لدول المنطقة بحيث تستطيع الدول المتعثرة مالياً الحصول على احتياجاتها من أسواق المال الدولية بأسعار فائدة محتملة إلى جانب إقامة اتحاد مصرفي على مستوى الاتحاد الأوروبي، بما يضمن قدراً أكبر من الرقابة على النظام المصرفي الأوروبي وتفادي حدوث أزمات مالية جديدة، ولكن اللاعبين الرئيسيين في منطقة اليورو مازالوا منقسمين حول الخطوات الجديدة، لمواجهة الأزمة ـ حيث تعارض ألمانيا بقوة دعوات فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، وهي الدعوات التي ردد صداها صندوق النقد الدولي إلى ضرورة دعم الدول المتعثرة مالياً في الاقتراض من أسواق المال بأسعار فائدة محتملة من خلال ما يعرف باسم سندات اليورو المشتركة..
وخطة الإنفاق الاستثماري الجديد المنتظر إقرارها خلال القمة تمثل انصاراً كبيراً للرئيس الفرنسي الذي وصل إلى الرئاسة في فرنسا متعهداً بتغيير اتجاهات السياسية الاقتصادية في منطقة اليورو ومن التركيز على التقشف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، التوقعات أشارت إلى أن القادة الأوربيين سوف يكسرون الجمود خلال قمتهم التي تستمر يومين، والجمود هو يتلخص في نظام براءات الاختراع الموحد لدول الاتحاد الأوروبي والذي يمكنه أن يعزز النمو الاقتصادي بتقديم تيسرات في تسجيل براءات الاختراع للمبتكرين.
ألمانيا ـ التي تعد الممول الرئيسي للمفوضية الأوروبية وصناديق الإنقاذ المالي الأوروبية على ضرورة إعطاء المفوضية الأوربية سلطات أوسع في مراقبة السياسات المالية والاقتصادية لدول منطقة اليورو قبل الموافقة على أي آلية للاقتراض المشترك لدول المنطقة.
منطقة اليورو في حاجة إلى خطوة نوعية نحو اتحاد مالي يفترض ضمناً تطور قدرة أقوى على المستوى الأوروبي كوجود مكتب للخزانة، وسيتعين على حكومات منطقة اليورو التخلي عن مساحات كبيرة من السياسات المالية والاقتصادية لدول منطقة اليورو قبل الموافقة على أي آلية للاقتراض المشترك لدول منطقة اليورو والتخلي عن مساحات كبيرة من السيادة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي الجديدة، وهناك حاجة أساسية لوجود آليات فعالة تمنع السياسات المالية غير المستدامة وتصحيحها رئيس المفوضية الأوروبية أشار إلى أن إصدار سندات اليورو المشتركة وعلى عكس أشكال الاقتراض المشتركة المؤقتة مثل صندوق الاقتراض المشترك يحتاج إلى تغيير معاهدات الاتحاد الأوروبي.
يسعى الأوروبيون إلى إحراز تقدم في إندمامحهم الاقتصادي لإنقاذ اليورو،لكن خلافاتهم تهدد مجدداً بعدم التوصل إلى الحلول العاجلة الكفيلة باحتواء الأزمة.
هذه القمة يفترض أن تبلور استراتيجية للنمو وتضع أسس اتحاد معزز لاسيما على الصعيد المصرفي، وهو مشروع يتطلب نفساً طويلاً على سنوات عديدة، وتريد فرنسا وألمانيا تعميق الوحدة الاقتصادية والنقدية ولاحقاً السياسية، لكن هذه المشاريع طويلة الأمد قد لا تكفي لإرضاء الأسواق وشركاء الأوروبين الذين ينتظرون ردوداً سريعة على الأزمة التي تنهك منطقة اليورو منذ حوالي 3 سنوات.
 وتحاوزت الأزمة عتبة جديدة عندما باتت أسبانيا وقبرص الدولتين الرابعة والخامسة في الاتحاد الأوروبي اللتين تطلبان مساعدة مالية من منطقة اليورو وبعد اليونان وإيرلندا والبرتغال.
ومن الإجراءات المطروحة تفعيل صندوق إنقاذ منطقة اليورو كي يشتري الدين السيادي، وإن تم ذلك فستكون المرة الأولى يتدخل فيها بهذه الطريقة ليحل محل البنك المركزي الأوروبي الذي يتمنع عن ذلك منذ فترة، لكن هذا الحل قد لا يربح الأسواق مطولاً نظراً إلى محدودية أموال الصندوق على عكس البنك المركزي، وهناك ميثاق من أجل النمو والتوظيف يخصص 1% من الميزانية الأوروبية ما يعادل 120" إلى "130" مليار يورو لمشاريع استثمار مستقبلية.
أقر القادة الأوروبيون في مؤتمرهم معاهدة تحفيز للنمو بقيمة "120" مليار يورو وسط مطالبة إسبانيا وإيطاليا بتحرك سريع لخفض الفوائد المفروضة على قروضهم.
هذه الحزمة أقرت بزيادة قدرة الاقتراض لدى البنك الأوروبي للاستثمار بحوالي "60" مليار يورو و"60" مليار أخرى تأتي من إعادة توزيع الأموال الهيكلية غير المستخدمة، كما سيكون هناك مشاريع سندات لتمويل البنى التحتية في مجال النقل والطاقة بقيمة "4.5" مليار يورو.
 المستشارة الألمانية أصرت فيها على أن الدول الأعضاء في منطقة اليورو بحاجة ماسة إلى أن تعمل جاهدة على التكامل الاقتصادي والسياسي أكثر قبل تراكم الديون الوطنية في كل منها.. جاء كلام المستشارة الألمانية أثناء لقائها مع الرئيس الفرنسي في باريس منتقدي يذكر هنا أن سلطات الاتحاد الأوروبي كشفت النقاب عن تصور لخلق خزينة أوروبية سيكون لها سلطة على ميزانيات الدول الأعضاء، لكن منتقدي هذا التصور يقولون إنه لن يعالج أزمة الديون الحالية.
 رئيس المفوضية الأوروبية أكد أنه سيتم إنشاء آليه واحدة لمراقبة المالية يعلب فيها البنك المركزي الأوروبي دوره بالكامل، ومنطقة اليورو للاستقرار شراء سندات دين الدول غير المستقرة مباشرة من الأسواق.
معاهدة النمو تنص على زيادة إمكانات البنك الأوروبي للاستثمار على الاقتراض بقيمة "60" مليار يورو من صنادق بنيوية تستخدم و"5" مليارات من مشاريع أطلقت سابقاً لتمويل البنى التحتية في قطاعي النقل والطاقة.. رئيس الاتحاد الأوروبي قدم تقريراً أقترح إقامة اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي في غضون عشر سنوات يقوم على أربع ركائز:
1.   اتحاد مصرفي.
2.   اتحاد موازني.
3.   اتحاد اقتصادي
4.   اتحاد سياسي.
حيث اعتبر أن العمل على الركائز الأربع يهدف إلى جعل اليورو مشروعاً غير قابل للعودة عنه وأحد أهم الإجراءات المقترحة هو أن تكون هناك رقابة مركزية على موازنات الدول الأعضاء في منطقة اليورو.
ووفقاً للبيان الختامي للقمة فقد طالب قادة دول الاتحاد الأوروبي بإتفاق سريع مع مدريد بشأن المساعدات التي تقدر بالمليارات لصالح البنوك المتعثرة، ولم يتم تحديد قيمة معينة للمساعدات التي تريد مدريد الحصول عليها.
هامش:
1.   الاتحاد الاقتصادي 28/6/2012
2.   الاتحاد الاقتصادي 29/6/2012
3.   الاتحاد الاقتصادي 30/6/2012
في الأحد 02 سبتمبر-أيلول 2012 02:54:33 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69204