اللقاء المشترك وثقل الأمانة التي تحملها
محمد مقبل الحميري
محمد مقبل الحميري

تأسيس اللقاء المشترك قبل حوالي عشر سنوات كان معجزة بحد ذاته لم يتوقعها رأس النظام بأي حال من الأحوال وكان يعتقد أنه يستطيع الاستمرار بالعزف على هذا التناقض والخلاف الإيديولوجي بين أحزاب المعارضة، فعندما يختلف مع الإصلاح سيستقطب الاشتراكي والأحزاب القومية وعندما يختلف مع هذه الأحزاب يحتضن الإصلاح فهم نقائض لا تلتقي أبداً - حسب اعتقاده واعتقاد الكثير- فكانت المفاجأة تأسيس اللقاء المشترك من هذه الأحزاب خلافاً لكل التوقعات، ولكن صالح كان يشكك بصمود هذا التكتل وبأنه لا يعدو عن كونه ظاهرة صوتية وفرقعة سياسية وإعلامية، متكئاً بهذا الاعتقاد كما أسلفنا على تناقض الإيديولوجيات والخلافات السابقة بينهم على مستوى القيادات والقواعد، ولكن أثبت مهندسو هذا التحالف أنهم أعمق نظرة من صالح وكل المشككين، كون صالح دائماً يلعب على المتناقضات ويجيد العزف على زرع الفتن ولأن كل هذه القوى والأحزاب المتحالفة قد اكتوت بناره، فقد استخدمهم كروت وأوراق كل على حدة كما يدعي وصرح بذلك في أكثر من مناسبة.
وكان قادة المشترك حريصين كل الحرص على استمرار تحالفهم، مستشعرين مخاطر فشل هذا التحالف، ساعد على ذلك سلوكيات صالح التي لم تصدق مع أي طرف مهما كانت وعوده وعهوده له وشيئاً فشيئاً انعكس ذلك على قواعد المشترك وانفتحوا على بعض وتهيأت نفسية كل منهم لتقبل الآخر فأنتج ذلك تآلفاً في أوساط قواعد هذه الأحزاب الذي انعكس على وعي مجتمعي غير مسبوق وكان انتخاب الرئاسة عام ٢٠٠٦م اختباراً حقيقياً للقاء المشترك، فاجتاز هذا الاختبار بنجاح كبير وقد اجمعوا على ترشيح المهندس فيصل بن شملان - رحمه الله- وكانت مهرجانات بن شملان عبارة عن توعية شاملة لكل أبناء المجتمع بمختلف أطيافه نظراً للأطروحات الشجاعة التي كانت تتناول كل قضايا وهموم اليمن بدون تحفظ، فأوجد ذلك وعياً مجتمعياً حتى في أوساط المؤتمرين أنفسهم.
والنظام بعد انتخابات ٢٠٠٦ فبدلاً من أن يراجع نفسه ازداد صلفاً وحماقة، اعتقاداً منه أنهم تطاولوا عليه، خاصة أن قضية توريث الحكم كانت هي المسيطرة على تفكيره وأبعد كل صاحب رأي صادق ممن حوله واستبدلهم بمن لا رأي سديد لهم ممن يزينون له الأمور وفقاً لأهوائه ونزواته حتى وصل بهم الأمر إلى العمل على قلع عداد فترات الرئاسة الذي كان الشرارة الأولي لقلع النظام ومع تنامي الفجوة بين اللقاء المشترك والنظام الحاكم كان يتنامى الوعي الشعبي بشكل عام، مستشعرين ما سيؤول له وضع البلد وفق هذه السياسات الغير مسئولة مع ازدياد حالة الفقر ليشمل معظم أفراد الشعب، بينما هناك فئة صغيرة جداً من الحاشية والمقربين تعيش بذخاً وثراءً فاحشاًً يتجاوز ثراءهم ثراء المسئولين بالدول الغنية في ظل فساد مستشرٍ في كل المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية وكل مناحي الحياة دون حسيب ولا رقيب وعمت المحسوبية وتنامى الغضب والشعور بالظلم والقهر في ربوع الوطن وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية التي اعتبرها النظام فيداً يقطعها من يشاء وهو بذلك كان يدق آسفين النهاية لنظامه وتسلطه دون أن يشعر، بل اعتقاداً منه بهذه المظالم والتمايزات وشراء الذمم انه يضمن استمراره وتوريث الحكم وتأسيس الدولة الصالحية وعندما اشتد الظلام وانسد الأفق وتوفرت كل عوامل ومبررات الثورة جعل الله إحراق محمد بوعزيزي بتونس لنفسه عبارة عن إيقاد شعلة ثورات الربيع العربي، فكتب لثورة تونس النجاح بأقل من شهر تبعتها ثورة مصر واستغرقت نفس المدة تقريباً ثم انطلقت ثورة الشباب باليمن يوم سقوط طاغية مصر حسني مبارك في ١١فبراير٢٠١١وكذلك انطلقت ثورة ليبيا ولأن الطغاة لا يعتبرون بغيرهم كان الرئيس اليمني بكل خطاباته يقول اليمن ليست مصر ولا تونس ولم ينحن للعاصفة اعتقاداً منه انه سيحتال عليها، فتعامل مع الشباب المعتصمين بقسوة وقمع شديد فازدادت الجموع والتأييد لها تباعاً، فقد لحق بالشباب المعتصمين بالساحات والذين هم مستقلون ومن الأحزاب ومن مختلف فئات الشعب لحق بهم المشترك وقيادات من أحرار المؤتمر ولكن كل ذلك لم يكبح جماح شهوة النظام في التسلط ويعيده إلى رشده بل إنه ازداد بطشاً وتنكيلاً بالمعتصمين، فسقط الشهداء تباعاً في عدن وتعز وصنعاء حتى وصل الأمر ذروته في جمعة الكرامة١٨مارس٢٠١١م بارتكاب تلك المجزرة البشعة التي شهدها العالم كله ضد المعتصمين بساحة التغير بصنعاء في سابقة لم يشهدها المجتمع اليمني إلا في محرقة الأخدود التي حدثنا عنها القرآن الكريم وبهذه الجريمة التي كشفت عن فضاعة وجه هذا النظام الإجرامي وضع الكثير من أركانه أمام موقف صعب وخيار عصيب أمام الله والتاريخ وضيق عليهم الخيار بفعلته هذه إما أن يستمروا مع هذا النظام وإجرامه ويتحملون تبعاته في الدنيا والآخرة وأما أن يحددوا موقفاً واضحاً يبرئ ذممهم من هذه الجرائم أمام الله والتاريخ فهم بين هذين الخيارين ولا ثالث لهما، فتحركت ضمائر الكثير منهم واستشعروا مسئوليتهم وعظم الجرم الذي حصل وما سيحصل إذا استمروا مع نظام لم يرقب في شعبه إلا ولا ذمة فخرجوا بموقف واضح وصريح وانحازوا لإرادة الشعب وعلى رأس هُؤلاء جميعاً اللواء الركن/ علي محسن صالح - قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع- ومعه الكثير من القيادات العسكرية والمدنية والدبلوماسيين وشيوخ القبائل وكانت هذه قاصمة الظهر لهذا النظام وأيقن بالرحيل، فبدأ بالمناورات بالمبادرات وكتب مبادرة رحيله بنفسه فرحل ورحل معه الكثير من عصابته وستلحق البقية تباعاً.
واللقاء المشترك صاحب الدور الفاعل في هذه الثورة الشعبية المباركة وهذا لا يتناقض ولا يلغي الدور الفاعل والأساسي للشباب المستقلين والحزبيين، فهي ثورة شعب بكامله والمشوار لا زال طويلاً وطموحات الشعب وفي مقدمتهم طموحات الشباب لم يحقق منها إلا القليل، فالهدف الاسمى وهو تأسيس الدولة المدنية القائمة على العدل والقانون والمواطنة المتساوية لم يحقق بعد وهو حلم الأجيال بينما نجد من يحاول من بقايا النظام ومن أصحاب المشاريع السلالية الضيقة أن يشيع الخلافات في أوساط اللقاء المشترك وفي أوساط كل الثوار والثائرات بحجج واهية ودسائس رخيصة، مستخدمين كل الوسائل اللاأخلاقية والإمكانيات الهائلة التي هي من أموال الشعب ومن أموال دنسة تضخ من دول إقليمية طامعة تريد تعويض هزائمها التي ستفقدها حلفاء استراتيجيين في بلدان أخرى وكذلك عبر استقطاب عناصر تدعي الثورية وتنشد التغيير زوراً وبهتاناً ليعيدونا إلى ما قبل ثورة ٢٦سبتمبر ١٩٦٢م.
إن اللقاء المشترك الذي كان تأسيسه معجزة وتخطى كل الصعاب نثق كل الثقة أنه متيقظ لمثل هذه الخطط الخبيثة وهو يتحمل مسئولية تاريخية وأمانة عظيمة لقيادة التحول المنشود إلى بر الأمان وفقاً لطموحات وأهداف الشباب الذين سالت دماؤهم وأزهقت أرواحهم لأجلها، فهذه المرحلة مرحلة عبور لتأسيس الدولة المنشودة وليست مرحلة تقاسم ونذكرهم بأن أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم- عندما فكروا بالغنائم في غزوة أحد ونسوا المهمة التي أوكلت إليهم، فبعد أن كانوا منتصرين في بداية المعركة دفعوا ثمن مخالفتهم غالياً وكانت هزيمتهم الثقيلة واستشهد منهم أكثر من سبعين بطلاً من الصحابة الكرام وعلى رأسهم حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله، فليحذروا كيد الكائدين ومكر الماكرين، وليكن الهم الوطني لديهم أكبر من أي تنافس أو مكسب حزبي، فالمرحلة تتطلب تماهي الأحزاب وكل أحرار وحرائر الوطن في بوتقة واحدة وهدف واحد هو الهم الوطني، يحشدون له كل الطاقات ويبذلون في سبيل تحقيقه كل الغالي والنفيس ومن تحده نفسه بغير ذلك، فلن يخسر إلا نفسه، أما عجلة التغيير فقد دارت وأجل الله قد حان بإنصاف هذا الشعب الذي ظًلم كثيراً وآن الأوان لأن يعيش على أرضه حراً أبياً مثل بقية شعوب العالم الحر(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
× عضو مجلس النواب

في الجمعة 05 أكتوبر-تشرين الأول 2012 02:02:43 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69534