الخلل في التصميم المؤسسي لمشروع التكامل الأوروبي
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

كثر الحديث في أوروبا عن اليورو ويناقش عدد من الخبراء الاقتصاديين ما إذا كانت العملة الموحدة قادرة على البقاء أم لا، خصوصاً وأنهم يرون أن العالم يترنح على شفير هاوية أزمة قد تكون أكثر عمقاً من الأزمة الحالية.
منطقة اليورو تواجه مشكلات مالية واقتصادية ومصرفية خطيرة، الأزمة الأولى ضربت اليونان بشكل أساسي ولكنها تخللت الجزء الجنوبي من منطقة اليورو وامتدت إلى ايرلندا.. الأزمة الثانية تمثلت في عجوزات الحساب الجاري في عدد من الدول وعدم توازن مثل هذه الحسابات بين دول المنطقة.. أما الأزمة الثالثة، فهي أزمة مصرفية ظهرت مقدماتها في إيرلندا ثم استحكمت بعد ذلك في إسبانيا.
يرى محلل اقتصادي أن التنبؤات المتشائمة المتعلقة بعدم قدرة بعض الدول على سداد الديوان المستحقة عليها أو انهيار منظومة العملة الموحدة، مبالغ فيها لحد كبير، وهذا التفاؤل بشأن مستقبل المنطقة ينبع من أن دولها قد أظهرت قدرتها وإرادتها على حل كل مرحلة من مراحل الأزمة المتعاقبة من خلال التعاون والمشاركة في مسؤوليات اتخاذ القرار وتفعيل عدد من المؤسسات المتخصصة في مختلف أنحاء القارة وإقامة عدد من الجدران النارية المالية للحيلولة دون انتشار مشكلة الديون وقطع شوط كبير على طريق إنشاء اتحاد مصرفي واتحاد مالي جزئي.
ترجع الأزمة الأوروبية في الأساس إلى خلل في التصميم المؤسسي، فالاتحاد الاقتصادي والنقدي الذي تبنته أوروبا في التسعينات اشتمل على اتحاد نقدي موسع، وإن لم يكن كاملاً، يقوم على دعامتين أساسيتين هما اليورو والبنك المركزي ولكنه لم يشتمل في الواقع على اتحاد اقتصادي، أي أنه لم يكن هناك اتحاد مالي ولا اتحاد مصرفي ومؤسسي وحوكمة اقتصادية مشتركة ولا تنسيق ذو معنى للسياسات الاقتصادية البنيوية وعندما حلت الأزمة فإن غياب أدوات فعالة للسياسات شل قدرة أوروبا على الوصول لحل سريع، الأمر الذي أثار عدداً من ردود الأفعال السوقية العصبية التي مازالت مستمرة حتى الآن.
وأمام أوروبا الآن خياران لا ثالث لهما: إما التخلي عن الاتحاد النقدي أو تبني اتحاد اقتصادي مكمل، وكل صناع القرار السياسي الكبار في أوروبا وهم البنك المركزي الأوروبي وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، بل وحتى اليونان، لا يساورهم أدنى وهم بشأن الآثار الكارثية التي يمكن أن تترتب على سقوط نظام العملة الموحدة.
العودة مجدداً إلى النمو في هذه المنطقة سوف يتطلب ثلاث خطوات رئيسية:
الأولى: قيام الدول المقترضة، بالإضافة إلى التحكم في عجوزاتها، بإجراء إصلاحات هيكلية مقنعة.
الثانية: قيام الاقتصادات القوية، وعلى وجه الخصوص اقتصاد ألمانيا، بالتوقف عن التركيز على موضوع تقليص العجز لفترة من الوقت وتبني سياسات تقوم على رفع مستويات الإنفاق والاستثمار.
الثالثة: مواصلة الاشتغال على انجاز برنامج تحفيز شامل للقارة بأسرها، ويتعين على دول منطقة اليورو وهي تتلمس خطواتها للأمام أن تعمل على دمج الهندسة المالية المطلوبة للتغلب على الأزمة العاجلة مع إستراتيجية نمو لإعادة المنطقة إلى دائرة الحيوية الاقتصادية.
يتوجب على أوروبا أن تنتهز الفرصة التي وفرتها من أجل إصلاح أحوال مؤسساتها الاقتصادية التأسيسية واستكمال بناء بيت اليورو الذي لم يكتمل سوى نصفه عن طريق إجراء التعديلات والمراجعات اللازمة على المعاهدة المنظمة لذلك وإصلاح المؤسسات الفاشلة.
هامش:
1.   الاتحاد العدد "13576" 5/9/2012م
2.   الاتحاد الاقتصادي 5/9/2012
3.   الاتحاد الاقتصادي 2/9/2012.
في الأحد 14 أكتوبر-تشرين الأول 2012 03:12:09 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69615