الأزمات المالية المتفاقمة هل مصدرها الديون؟
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

أزمات الدين التي تعاقبت في القارات وصولاً إلى أزمة أوروبا قادت إلى حقائق ناصعة الحاجة إلى تقليص النفقات العامة بشكل ملح، ولكن ما لا غنى عنه من جهة أخرى هو استرداد القدرة على المنافسة أو التنافسية واستئناف النمو الذي يفضي إلى تذويب الدين، فالنمو هو الوسيلة الأفضل في تخفيف ثقل الدين، وهذا يحتسب على الدوام بنسبته إلى الثروة الوطنية وحصته منها.
وتردي القدرة على المنافسة ينجم عنه تعاظم الدين، لأن الحفاظ على مستوى خدمات عامة مستقر يقتضي زيادة الإنفاق على مشاكل تعويضات البطالة، بينما الموارد تتكمش وتتضاءل، واستعادة القدرة على المنافسة في الحال وممن غير إبطاء رهن تخفيض قيمة العملة إما طوعاً وإرادياً وإما نتيجة الرعب الذي تبثه الأزمة في قلوب المستثمرين ودفاترهم، فينسحب هؤلاء من سوق البلد المصاب ويهوي سعر صرف عملته في الأسواق الدولية، ويترتب على حلقات التردي تقلص القوة الشرائية في البلد المأزوم ومعه انخفاض المداخيل.. ونظير ذلك تخفض العملة الضعيفة سعر الإنتاج المحلي والسلع الوطنية، ويحفز التخفيض الصادرات في البلد إلى الأسواق المستوردة.
وعلى هذا فتخفيض العملة يقلص الطلب الداخلي والاستيراد من الخارج ويحفز الطلب الخارجي على سلع أرخص من تلك التي كانت تباع بسعر أعلى، ويقتطع التخفيض جرء من مداخيل أصحاب الريوع والمدخرين والمتقاعدين الذين يعيشون من عوائد ثابتة أو من تحويلات، وهو يوزع الثروة والعمل على العاملين توزيعاً جديداً يزيد حصتهم من الدخل ويعاقب المسنين.. ويأخذ تخفيض قيمة العملة الوطنية شطراً من نمو الخارج، أي نمو البلدان التي تشتري الصادرات المتعاظمة، ويوزعه في الداخل على صورة نمو وتحفيز الجيل الحالي في القارة العجوز استفاد من التضخم عندما كان لا يملك مدخرات في سبعينات القرن العشرين وحين تراكمت مدخراته روج للإجماع على حماية الادخار من التضخم.. هذا الجيل لم يستهلك عوائد فحسب، بل أكل موارد السنوات المقبلة بواسطة دين ضخم تحمل أجيال الشباب أثقاله وتحصل الدين الثقيل من موجبات لا تطاق: حقوق التقاعد وحظر التضخم، والتزام العملة القوية.
وإنقاذ اليورو ليس مستحيلاً، لكن الطريق إليه ضيقة ووعرة وهو يفترض التخلي عن العقيدة الاقتصادية التي أوحت بالخطط السابقة وجرت إلى الكوارث المشهودة في اليونان وأسبانيا وهولندا وإيطاليا على أضيق تقدير.. على الخطة الجديدة الإعلان الصريح عن عزمها التنصل من الديون المفرطة ورفض تسديدها والسبب الواضح هو أن التسديد يجر الدائن والمدين إلى الهاوية، وفي ضوء الإعلان يتم بلورة صيغة ميثاق جديد بين الشمال والجنوب [شمال وجنوب أوروبا] وعلى الشمال مساعدة الجنوب في مقابل الاستقرار النقدي وتولي حماية الجنوب وهيكلة دينه وتعهد الجنوب على إصلاح اقتصاده وهذا هو الضمان لبقاء اليورو.
هامش:
1.   الحياة العدد [18065] 19/9/2012م
2.   الاتحاد الاقتصادي 20/9/2012م
3.   الاتحاد الاقتصادي 24/9/2012م
 
في الإثنين 15 أكتوبر-تشرين الأول 2012 03:17:58 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69632