ثورة وزعيم من ورق !!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

ثورة اليمن تذكرني بأمنية البخيل المستحيلة (أشتي لحمة من كبشي وأريد كبشي يمشي )، واقع الحال يشير إلى أننا نتحدث عن ثورة شعبية أطاحت برأس النظام وأسقطت التمديد والتوريث، لكنها ـ ومن الناحية العملية ـ هذه الثورة أبقت النظام القديم – رأسه ورموزه وإدارته – أحرار ـ طلقاء يعبثون ويعرقلون؛ بل وصلت بهم الجرأة إلى التهديد والوعيد وكيل التهم والكلام القاذع النابي نحو أي فعل من شأنه الانتصار للثورة ولمبادئها وأهدافها .
الأسبوع الفائت رأينا العجب العجاب، فالرئيس السابق - المفترض أن يكون مصيره أسوة بالرؤساء المخلوعين مبارك وبن علي والقذافي- يظهر هذه المرة كزعيم سياسي وتاريخي وشعبوي ووحدوي لا نظير له مطلقاً، وكرئيس تنظيم من العيار النوعي والثقيل الذي يستحيل أن تؤثر فيه الثورات الشعبية أو المؤامرات الخارجية أو الأمم المتحدة وممثلها المستفز أحياناً السيد/جمال بن عمر .
إنها ذات المسرحية السخيفة المكررة التي سئمها الناس وملوها طوال ثلث قرن ونيف من حكم القائد الرمز، لا شيء تبدل سوى أن المتحدث البطل لم تعد صورته وخطبه تتصدر نشرة أخبار الرابعة والتاسعة مثلما هو معتاد مذ ثلث قرن ويزيد، كما أن المؤتمر الشعبي العام بات أشبه بقميص عثمان الذي ظاهره الثأر والانتقام من قتلته فيما باطنه يخفي كوامن ونزعات شخصية وعصبوية هدفها الحكم .
تصوروا تنظيماً عمره ثلاثين سنة وقضاها كلها في السلطة ومع هذه السنون تحت إمرة زعيمه المؤسس؛ مازال تنظيماً هشاً وضعيفاً لا يرتقي لمصاف حزب تحت التأسيس ، إنني أعجب وأسأل: كيف لرئيس حكم ثلاثة عقود وأتيحت من الفرص والإمكانيات والسلطات ما لم تسنح لواحد قبله أو بعده من الحكام؛ ومن ثم وبعد أن خلعه شعبه بثورة غير مسبوقة في التاريخ يصير منقذاً لوطنه وشعبه وتنظيمه العتيق والمهلهل؟ .
ربما غفل الرئيس صالح حقيقة أن الزعامة لا تشترى بأوراق بنكنوت وهيلمة وصولجان؛ بل الزعامة تأتي من نضال وتضحية وصدق وتواضع وجلد وصبر ونزاهة، وقبل كل هذه الأشياء احترام للذات ورغبة في التاريخ المشرف، ما أعلمه هو أن معارضة أي نظام لا تكون برئيس فاشل وفاسد وقاتل ومخلوع – أيضا – فهل قدر لكم رؤية رئيس خلعه شعبه بثورة ودم وقرابين مزهقة ومن ثم يصير معارضا قوياً وملهماً حاملاً على عاتقه راية الخلاص والتغيير؟
لم أسمع أو أقرأ بأن رئيسا متسلطاً وعابثاً ظل في الرئاسة أكثر من ثلث قرن ويحسب له تدمير وتفكيك وإنهاك الدولة والوحدة والشعب وحتى تنظيمه الذي ذبحه قرباناً لسلطانه الأبدي والأسري؛ ومن ثم يصير زعيما تاريخياً يمكن الاعتداد والزهو به اليوم وبعيد أن تم خلعه وعزله سياسياً وشعبياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً؟؟ .
 فمن عجائب ثورة اليمنيين أنها أشبه بثور ضخم تمخض فولد نعامة، نعم؛ نعامة لا هي بجمل فتحمل على ظهرها أو أنها طائر فتطير في السماء، فالرئيس المفترض أنه في عداد الرؤساء المخلوعين بات زعيم لا يضاهيه أحد في حنكته ودهائه وزهده – أيضاً – في السلطة .
 كذلك هو حال المؤتمر الشعبي العام الذي يصعب مقارنته بالحزب الوطني أو التجمع الدستوري الحاكمين في مصر وتونس؛ ومع كونه تنظيماً هلامياً وهشاً لا يرتقي لمصاف الحزب والتجمع إلا أنه مازال كائناً عبثياً مقوضاً لعملية الانتقال، إنه المال المسروق من قوت المواطن ودوائه وحياته، إنها الملايين والمليارات المنهوبة من ثروة وكرامة وتنمية هذا البلد الفقير المتسول، فحين يتكلم المال يصمت الصدق ويتغطرس الكذب والنفاق .
 القبيلة والطائفة والجهة – أيضاً – كان حضورها لافتاً وقوياً في ثورة اليمنيين، فبدلاً من أن تكون الثورة بداية ومستهل لدولة يمنية ديمقراطية اتحادية قوية ومستقرة؛ رأينا القبيلة والطائفة والجهة حاضرة وبقوة ولكأن ثورة اليمنيين ليس إلا ترقية وترفيعاً لهذه الثلاثة المكونات القديمة – القبيلة الطائفة الجهة – فجميع هذه الأشياء باتت واحدة من تجليات الواقع البائس الذي ربما غفلناه وأهملناه فيما نحن منهمكون في زخم ثوري طامح لتغيير وجه العالم .
الثورة في اليمن يجب أن تقتحم الأماكن الممنوعة والمحظورة وإلا صارت ملهاة هزلية وتراجيدية، لا أعلم لماذا البعض ينتابه شعور بالغيرة والحنق إزاء أصوات مطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة لماذا تأخذنا الحمية على الثورة فيما الصورة المشاهدة ملتبسة ومشوهة ويستلزمها فعل الكثير كي تكون الصورة واضحة ومستوفاة؟ .
لماذا نجهد أنفسنا في إقناع اليائسين والمحبطين والقانطين بجدوى التوحد والحوار والانتقال السلمي المدني؟ فالمهم باعتقادي هو ما تجسده الممارسة العملية والموضوعية من أفعال تليق بالثورة؛ بكونها فعلا تغييرياً وجذرياً ينبغي أن يكون محسوساً وملموساً لدى عامة الناس، البعض تجده حائراً مما يراه جنوباً من مظاهر كثيفة مخيبة ومحبطة، لكن هؤلاء هم في الواقع نتاج انتهاك فج وصارخ مازال قائماً ومهيمناً، ولا يبدو أنه سيغادر ويتوارى على المدى القريب !
 
 
في الأربعاء 05 ديسمبر-كانون الأول 2012 03:48:19 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=70156