القليل من الإنسانية لو تفضلتم!
أحلام المقالح
أحلام المقالح

لم يسمَ الإنسان إنساناً إلا لإنسانيته، وفي زمن غابت فيه الإنسانية؛ نحن بحاجة إلى استردادها لكسر قوى الشر المتوغلة أكثر فينا ولحجب كوارث إنسانية ستحل على البشرية والأرض إن لم نسعفها بالقليل من الإنسانية..
وفي حين أن المفترض أن الإنسان يبث إنسانيته لمن حوله لينعم العالم بالدفء بتنا نتسوّلها -ولا حياة لمن تنادي- فإما أنه فقدها أو أنه يُخفيها تحت قناع بات يلبسه كلما اشتدت ضراوة ظروف الحياة ومرور الأزمنة!
 فاقدو الإنسانية هم من تجدهم يتعاملون بفضاضة مع خادمة البيت وعامل النظافة والمتسوّلين وحتى مع المرضى وفي أبسط المواقف الحياتية اليومية تنكشف وجوههم الحقيقية فتتعرى، ويبقى الفارق الوحيد بينهم وبين الآخرين هي ذرة الإنسانية والتي إن وجدت سينبت للخير ألف غصن..
مازلتُ أتذكر صديقة وزميلة الجامعة العراقية (فاطمة)، كانت كلما رأتني تبتسم بعُمق حد الإشراق ولما ألح عليّ (الفضول) لسؤالها عن سبب ابتسامتها عند رؤيتي، ردت بكل صراحة وثبات:
-   تُبهجني رائحة الإنسانية في قلبك يا صديقتي!
-   وكيف وصلتك رائحة مدفونة تحت الأضلاع؟!
-   لا أتذكر ألماً إلا وكنتِ السبّاقة للتخفيف عني، الحروب مثلاً والمرض وحتى الحزن.. هنا فقط نشعر كم نحن بحاجة للإنسان مع إنسانيته أما بدونها فلا حاجة له..
-   مشاركتنا الآخرين للشعور لم تكن فضل شعور وإنما جزء من إحساس مخبوء من المفترض بثه لمن حولنا كلما تحسسنا إنسانيتنا تخفت فنراها تتكاثف كضوء شارد سقط على جدار بارد..هذا ما يحدث معي بالضبط..
قلة من الناس الذين تعنيهم مشاركة الآخرين الشعور، فتجدهم يشعرون بالآخرين قبل أنفسهم ومن هذا النوع أعرف كاتبة وشاعرة وقبل كل هذا (إنسانة) لم يجذبني للتعرف عليها سوى إنسانيتها المشعة في كل بقعة تتواجد بها، في جولة الشارع مثلاً تجدها تحتفي بشرطي المرور وعمّال النظافة والمتسوّلين وحتى الأطفال المشردين وبائعي البسطات، فكبرت كثيراً بعيني وهي تحدثهم وتسألهم عن أحوالهم خصوصاً عندما تنظر إليهم بعين تشبه عيونهم، فيتسع العالم بأعينهم حينها بعد أن ضاق تحت وطأة الحياة الصعبة، كم تمنيت أن أشبهها وهي تحدثهم بعفوية ونقاء فترسم ابتسامة لم أجدها إلا على وجوههم..
على النقيض تماماً هناك أناس ماتت الإنسانية بقلوبهم حد الوحشية، فتجد لغتهم العنف والقسوة والتصغير لكل شي من حولهم، حتى الحيوانات لم تسلم فتجدهم يتلذذون بتعذيبها أو حتى بدهسها دون ذرة رحمة أو إنسانية وهذا مؤشر واضح لإمكانية تحويل الأرض إلى كوكب وحشي يسكنه فقط الوحوش البشريين!.
" مادام باستطاعتكم تخفيف ألم الآخرين. فالحياة ليست عبثاً " كتبت هيلين كيلر.
وكتب مجدي الصايغ في إحدى كتاباته: ثمة ثلاث طرائق تجعل إحساسنا مرهفاً تجاه حاجات الآخرين ومشاعرهم: الإصغاء , الملاحظة , واستعمال الخيال.
أصغوا.. إذا أصغينا بانتباه يمكننا معرفة المشاكل التي يواجهه الآخرون، وكلما تحسن إصغاؤنا إليهم كانوا ميالين أكثر أن يفضوا إلينا بمكنونات قلبهم ويكشفوا لنا مشاعرهم.
لن يخبرنا الجميع بصراحة كيف يشعرون أو ماذا يعانون، إلا أن الشخص الشديد الملاحظة يستطيع أن يرى شخصاً مكتئباً أو يعانى مشاكل أخرى وهذه المقدرة على الإحساس بالمشكلة في مراحلها الباكرة مهمة جداً.
استعملوا خيالكم.. إن الطريقة الأكثر فعالية لتتقمصوا عاطفياً هي أن تسألوا نفسكم: لو كنت في هذا الوضع فكيف كنت سأشعر؟ كيف كنت سأتجاوب؟ إلام كنت سأحتاج؟. عند البشر الناقصين غالباً ما يكون انتقاد الآخرين بسبب أخطائهم أسهل من فهم مشاعرهم، ولكن إذا حاولنا بجهد أن نتخيل الشدة التي تعتري الشخص المتضايق، فذلك سيساعدنا على التعاطف معه عوضاً عن الحكم عليه.
قليلون بيننا يستطيعون تجاهل بلية ولد يتضور جوعاً إذا كان في متناولنا طعام نتقاسمه معه..
لذا سأصرخ هنا: قليلاً من الإنسانية لو تفضلتم!.
في الأربعاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2012 04:51:34 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=70229