مسيرة الخلود التاريخية
محمد مقبل الحميري
محمد مقبل الحميري

‏مسيره الحياة الراجلة التي انطلقت من ساحة الحرية بمحافظة تعز في ٢٠/ ١٢/ ٢٠١١ م ونعيش هذه الأيام الذكرى الأولى لانطلاق هذه المسيرة معجزة الثورة اليمنية السلمية التي أبهرت العالم وزادت الثورة إحياءً ووهجاً واشتعالاً..
منذ عدة أيام وأنا أحاول أن أكتب عنها وتخونني العبارات وأتهيب أن أمسك بالقلم للكتابة عنها, متخوفاً من أن لا تسعفني الجمل والعبارات اللائقة بها وبعظمتها, فهي ابتكار ثوري يمني بامتياز لم يسبق له مثيل في عالمنا العربي أجمع إن لم أقل في العالم كله..
انطلقت من تعز بإرادة فولاذية لا تلين ولا تعرف المستحيل, فرغم الظروف التي كان يعيشها الوطن أثناء انطلاقتها, فقد كان الواحد لا يأمن على نفسه وهو في منطقته بين أهله وذويه من طلقات وقذائف الموت التي تصل إلى المنازل, فضلاً عن الشوارع والأسواق, فما بالك بمسيرة تتكون من عشرات الآلاف من أحرار وحرائر تعز تنطلق عبر عدة محافظات وكان الشباب الثائر يدركون هذه المخاطر التي تحدق بمسيرتهم وما قد يتعرضون له من بطش وقتل أثناء المسيرة ولكنهم عقدوا العزم أن يبلغوا هدفهم مهما كان الثمن من دمائهم وأرواحهم ورفعوا شعاراً على بعض لوحاتهم المرفوعة فوق الرؤوس ( نبلغ القصد أو نموت كراماً) وكل واحد منهم كتب وصيته واعتبر نفسه مشروع شهيد وأثبتوا ذلك بصمودهم الذي سنراه لاحقاً بثبات سيخلده التاريخ..
وكانت أول المحطات التي وصلوا إليها مدينة القاعدة بمحافظة إب وهناك وجدوا الترحاب والاستقبال الحار والضيافة الكريمة, ثم انطلقوا إلى مدينة إب الجميلة, فكان الاستقبال الرائع بالشموع والحفاوة والإكرام الذي أنساهم تعب الطريق ومشاقه, فتزودوا طاقة جديدة إلى طاقتهم وانضم إليهم مجموعة من إب, حيث انطلقوا في اليوم التالي بموكب مهيب كل من يراه يوقن أن شعباً بهذه الإرادة والتصميم لن يهزم أبداً.. وفي اليوم التالي عند وصولهم إلى مدينه يريم وفي ليلة من ليالي الشتاء شديدة البرودة كان الاستقبال العظيم من قبل أحرار وحرائر يريم, أنسوا الشباب العناء الذي كان قد بلغ بهم جراء السير ورفعت درجة الحرارة في نفوسهم, مما جعلهم لا يشعرون ببرودة الجو وسط البرع والزغاريد والاستقبال ودموع الفرح والحفاوة والإكرام الذي عكس مدى حب هذه المناطق لكل أحرار اليمن وان الحرية تجري في دمائهم لا مساومة عليها.. فما أعظم هؤلاء الكرام من أحرار وحرائر يريم وعندما عزم الضيوف معاودة المسير صباح اليوم التالي هبت قبائل يريم والمنطقة الوسطى بكل عزة ورجولة وشموخ, متوشحين أسلحتهم يرافقون المسيرة ليحموها من أي غادر تسول له نفسه المساس بالثوار وأمنهم وأحاطوا المسيرة من كل جانب ليكونوا لها الدرع الواقي من أي خطر, حتى وصلوا إلى حدود محافظه ذمار العز والأصالة, فوجدوا قبائل ذمار الأحرار يستقبلونهم وهم مستعدون بأسلحتهم ليتسلموا أمانة حمايتهم من أحرار يريم والمنطقة الوسطى وكما كان الترحاب في يريم كان كذلك في ذمار من قبل رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها في جو مهيب يعكس أصالة اليمني الحر وعراقته.
 وبعد الإكرام والقيام بواجب الضيافة أبى أسود ذمار الأحرار, إلا أن يصاحبوا هذه المسيرة التاريخية لحمايتها من صغار النفوس وعديمي الضمائر وأرسلوا رسالتهم إلى كل قبائل ذمار ومناطقها, معلنين تعهدهم بحماية المسيرة وبإعلانهم هذا وتصدرهم للمسير أمام المسيرة أدرك المجرمون الذين كانت تحدثهم أنفسهم بالشر, أن لا مجال لتنفيذ غدرهم, لأنهم يعلمون بأس هؤلاء الرجال الذين أقسموا على أنفسهم أن يحموها بدمائهم وكل ما يملكون, حتى وصلت المسيرة بداية نقيل يسلح وجاءت أطقم الأمن المركزي التي تعهدت لدى قبائل ذمار بأنها ستحمي المسيرة, فكان ما كان في خدار بلاد الروس والمعاناة التي لاقاها أبطال المسيرة من الحرائر والأحرار في ليلة كانت هي الأسوأ في مسيرتهم من برد شديد وجوع وخوف يحدق بهم من كل مكان وما علم هؤلاء المجرمون أن أسود المسيرة قد قتلوا الخوف في أنفسهم وهيئوها على تحمل الأسوأ ومن يهيئ يتهيأ للجود بنفسه في سبيل هدفه المنشود, فكل معاناة أمامه تهون ويراها صغيرة.
وفي دار سلم على مشارف أمانة العاصمة كانت الجريمة النكراء تنتظرهم وأراد المجرمون حرف مسيرتهم ليتجهوا إلى شارع خولان وربما كان مبيتاً لهم إجرام بعيداً عن الأعين وتمزيقاً للمسيرة, بإضافة عشرات الكيلومترات بإدخالهم هذا الطريق الدائري البعيد عن الأنظار, فإذا دخلوه لن تشعر صنعاء بهذه المسيرة ولن تؤدي رسالتها التي أرادت إيصالها ولكن هيهات لهذه المخططات الشيطانية أن تمر وهؤلاء الأبطال من الرجال والنساء يدركون هدفهم الذي أرخصوا أنفسهم في سبيل تحقيقه!, فسقط منهم الشهداء والجرحى وتنكر لهم من كان يحميهم من الأطقم العسكرية وغدروا بهم واستخدموا كل آلات البطش والإجرام, فما نفع هذا الإجرام لإثنائهم عن غايتهم وعبروا جولة دار سلم مقتحمين الترسانة العسكرية وأجسادهم مضرجة بدمائهم وهم يحملون شهدائهم وجرحاهم على أعناقهم وخرجت صنعاء العز والشموخ تستقبل هذه المسيرة التي أحيت الروح الثورية في كل شوارع وأحياء مدينة صنعاء التي كانت محرمة على الثوار, ففتحها أبطال مسيرة الحياة عنوة وعبروا شارع تعز حتى وصلوا إلى باب اليمن ومن ثم شارع الزبيري, هذه الشوارع التي كانت محظورة ومحرمة منذ انطلاق الثورة وكان الاستقبال المليوني من أحرار وحرائر صنعاء والشعراء يرددون اللحن والحرائر تجلل بزغاريدها.. وصلت إلى صنعاء هذه المسيرة القادمة من محافظة تعز حاضنة الثورة ورائدة التغيير وقد التحق بها الكثير من أحرار إب ويريم والضالع والبيضاء وذمار ورسموا جميعاً لوحة وطنية خالدة لم يسبق لها مثيل في تاريخ يمننا العظيم.
هذه المسيرة جسدت الوحدة الوطنية في أوج صورها وأظهرت أصالة هذا الشعب العريق وكشفت زيف ما كان يراد تصويره من مناطقية وطائفية وقروية وأثبت أحرار وحرائر اليمن أنهم جسد واحد وروح واحدة عند الشدائد.  
وبالأمس الأول بثت قناة سهيل الثورة فيلماً وثائقياً لهذه المسيرة التي مهما نتحدث عنها فلن نوفيها جزءاً يسيراً مما تستحق ولسان حال كل من لم يشارك فيها, كما قال الشاعر اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح في وصفه للعبور في حرب أكتوبر٧٣ :
وددت لو كنت يوماً في مواكبهم              أو كنت جسراً حينما عبروا
الدروس العظيمة التي تستفاد من هذه المسيرة الخالدة كثيرة ويجب أن تدرس للأبناء وللأجيال المتعاقبة ولا أعتقد أن أي حاكم لليمن بعد هذه المسيرة وثبات تلك الجماهير التي نفذتها سيفكر بعد اليوم أن يطغى ويتجبر على هذا الشعب المجاهد العظيم, لأنه سيعلم سلفاً أن نهايته ستكون وخيمة.
ويكفي أن أحد شهداء هذه المسيرة ممن تفطرت أقدامهم بلغ قيمة حذائه ثلاثة ملايين ريال وكان لي شرف ابتكار الفكرة والتدشين لقيمة هذا الحذاء الطاهر, بينما قيمة البلطجي المجرم لا تزيد عن ألفي ريال مقابل ما يقوم به في اليوم الواحد من جرم يفقده سعادة الدنيا والآخرة ويقعده في الجحيم..
فتحية لكل الأحرار والحرائر الذين سطروا لنا تاريخاً مجيداً بأقدامهم مداده دماؤهم الزكية الطاهرة.. وتحية لكل القبائل الأبية من أبناء اليمن في محافظات إب وذمار وصنعاء ولكل الأحرار والحرائر في ربوع الوطن والخلود والرحمة للشهداء الأبرار ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
                                                                   *رئيس التكتل الوطني لأعيان تعز الأحرار
 
في الخميس 27 ديسمبر-كانون الأول 2012 08:45:40 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=70394