شوقي وشِلة المُوَدِّفين !
طارق فؤاد البنا
طارق فؤاد البنا

دائماً ما تشكل البطانة أساساً لنجاح المسؤول أو فشله ، فهذا شيء متعارف عليه ، ومن الممكن أن يكون (سنة) كونية ليست قابلة للنقاش أو الجدال .
وفي الغالب تتكاثر أعداد المطبلين والمزمرين و(حاملي المباخر) عند كل من يتولى مسؤولية، فيحاولون بكلامهم المعسول ، ومغالطاتهم السخيفة ، وألفاظهم المنتقاة بعناية الحصول على (فتات) تكبر به كروشهم ، بغض النظر عن كرامتهم التي تسقط إلى الحضيض ، فمن يهن يسهل الهوان عليه.
شوقي هائل تولى منصب محافظ تعز ، فأصبح المسؤول الأول عنها ، وتوافق عليه الجميع ، فتزاحم على بابه الكثير من أفراد الصنف الذي تحدثنا عنه آنفاً ، يطلبون رضاه ، يتمسحون به ، يطلبون بركاته ، يصورون له الأمور على غير حقيقتها ، وهذا شيء طبيعي منهم ، لكن كان الأمل – ولا زال– أن شوقي لن يقربهم ، ويدنيهم ، ويجعلهم من مسامريه وندمائه وأصدقائه الصدوقين ، وأنه لن يجعلهم من أصحاب الأمر والنهي في بلاط المحافظ ، فالتطبيل يسيء إليه من حيث لا يشعر ، ويجعله يعيش بعيداً عن الواقع معتمداً على تصويرات المطبلين وتخيلات عُشاق الفُتات!..
توالى النفاق ، وكثر التزلف ، حتى وصل الأمر حداً لا يعقل ، وكانت آخر الصرعات (النفاقية) خروج أحد أساتذة اللغة العربية في إحدى مدارس تعز باختبار تجريبي لطلاب الصف الثالث الثانوي ، وضمَّن الاختبار قطعة طلب استخراج مطلوبات نحوية منها ، أورد فيها الشيء الكثير من الكلام المعسول لشخص المحافظ وأن الأمور قد انقلبت رأساً على عقب بفعل قيادته الحكيمة ، ثم ختم كلامه بالقول .. سبحان الله الذي سخر لهذه المدينة مثل هذا الرجل ، هنيئاً لمدينة أنت فارسها !..
(فارس ومدينة) .. كان هذا هو عنوان تلك القطعة ، ولم يكن عنواناًً لفيلم تاريخي للعقاد أو مسرحية تراجيدية لمحمد صبحي أو رواية لنجيب محفوظ ، أو حتى أغنية لكاظم الساهر ، لا أدري ما هو شعور مثل هؤلاء عندما يكتبون مثل هذا الكلام ، ألا ينفرون من صورهم عند اقترابهم من أي مِرآة ؟ وهل يطيقون العيش مع ذواتهم وهم يدركون ويثقون كل الثقة أن كلامهم ما هو إلا (لكي يقربهم من شوقي زلفى) طمعاً في مصلحة ما؟.. يا هؤلاء : شوقي لا يحتاج إلى تطبيل ، بقدر ما هو بحاجة إلى تعاون من الجميع ، فنقول للصح صح ونحرص على المزيد ، ونقول للخطأ خطأ بنقدٍ ليس له من هدف سوى الوصول إلى الأفضل!.
ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو خوفي من أن تزداد نار التطبيل اشتعالاً ، ففي النهاية سنكتوي جميعاً بها إن لم نقف في وجهها بمياه النقد البناء ، فلفرط ما أقرأ في الصحف والمواقع والصفحات التي تطبل لشوقي أصبحت خائفاً من أن تصل بهم المبالغات والمجاملات إلى نقطة اللا عودة ، فيصبح شوقي هو رجل المستحيل ، الخارق ، الذي لا يعجزه شيء ، ومن باب السخرية أصبحت أخاف من أن تصل حملة التطبيل إلى القول بأن كل شيء جميل في تعز على مر الدهور لم يكن له سبب غير شوقي..فيحولون اسم شوقي إلى ورقة إعلانات كتلك التي يوزعها المعالجين بالأعشاب الطبية ، والتي تتضمن علاج كل الأمراض التي عرفتها البشرية ، فينسون فقط أن يكتبوا في نهاية الإعلان (وهو على كل شيء قدير) !!..
خوفي من أن يقولون أن شوقي هو من (تقاول) مشروع بناء قلعة القاهرة ، وحَسَبَ ما تحتاج من أحجار وأسمنت وغيره بدقة ، فكان التنفيذ بدقة أكبر ، وهو من علَّم المرحوم علي سعيد طريقة صنع (الهريسة) والحلاوة بامتياز مشهود ، وهو من (تحمَّل) الحجار و(الخلطة) فوق ظهره ليبني الباب الكبير وباب موسى حتى تشققت يداه وقدماه من أثر الاسمنت ، وأنه من أعطى صاحب شاي (الشُعبي) المعروف في تعز (الخلطة السرية) التي تجعل الناس يتزاحمون عليه حتى الآن ، وأنه – يوم أن كان في ريعان شبابه – ساعد معاذ بن جبل في بناء مسجد الجند الأثري ، وأنه كان خائفاً على تعز بشدة ، فذهب وبطريقته الخاصة جعل جبل صبر حاضناً لهذه المدينة المسكينة ، وإلا فإن صبر هذا كان تابعاً للمحويت مدري حجة ، لكن دهاء شوقي وحنكته أوصلاه إلى تعز ، وأنه دعا ذات مرة إلى حملة سماها (شارك في الزراعة) ونتج عن تلك الحملة زراعة وادي الضباب والبركاني ، وأن شوقي هو من حوَّل مسجد (الأشرفية) الأثري الشهير إلى مسجد ، وإلا فإنه كان في الأصل كنيسة ، لكن الفتوحات التي قام بها (الناصر شوقي الدين الأيوبي) حولته إلى مسجد للمسلمين ، وأنه بدبلوماسيته المعهودة كان السبب الأبرز في الاتفاق مع عدة دول على بناء أهم مشاريع تعز مثل مستشفيات (الثورة والجمهوري والعسكري) وعديد المدارس وحتى جامعة تعز, إضافة إلى مشاريع الطرق و...الخ ، وأنه في فترة ما اعتكف في أحد المساجد لكي (يُسَمِّع) للشيخ أحمد بن علوان ما حفظه من القرآن والأربعين النووية وغير ذلك من العلوم الشرعية ، وأنه – وبتخطيط منظم وإمكانيات عالية – استطاع تحويل مجرى مياه البحر حتى تصل إلى المخاء ، فيصبح بالتالي لتعز ميناء مهم ، وأنه – بذكاء ونباهة واستشراف للمستقبل - هو من قام بتربية أيوب طارش وعبدالله عبد الوهاب نعمان وهما لا زالا طفلين يلعبان (حجنجلي) وسط الحول ، لكن شوقي رأى فيهما ثنائياً فنياً سيشكل علامة إضافية لإبداع تعز ، فكانا ذلك عندما كبرا ، ولم يخيبا ظن شوقي فيهما ، بل والخوف الأكبر من أن يصل بهم السقوط في مزالق التزلف والنفاق إلى القول بأن (طاهش الحوبان) الذي كانت تتحدث الأساطير القديمة عن وجوده في تعز لم يكن إلا (شوقي) وهو في مرحلة المراهقة قبل تولي مسؤوليته ، فكان يحب أن يعوِّد أبناء تعز على الشجاعة والإقدام ومواجهة الأخطار ، ويريدهم أن (يشتحطوا) ويوقعوا رجال!..
أدري أن في الكلام مبالغات ساخرة ، لكن ما دفعني إلى هذه المبالغات لم يكن سوى مبالغاتهم ، لكن الفرق أن مبالغاتي هي من باب الخوف مما سيأتي ، لكن مبالغاتهم تجعل أصحابها يظنون أنها تتحقق الآن ، ويحاولون إيهام الناس بوجودها ، ومن ينكر ينصحونه بالذهاب إلى أقرب مستشفى للعيون حتى إن كان نظره (ستة على ستة) ، فهو لا يرى المنجزات الضخمة وهي ماثلة للعيان ..!
شوقي .. انتبه ، احذر ، استيقظ ، تململ ، تحرك ، اصحى ، اصرخ ، ازبط ، اردع ، اآدكم ، اخبط ، إصنع أي شيء ، لكن لا تدع هؤلاء (يودفوا) بك ويشوهون سمعتك التي يكفينا انتماؤك لآل المرحوم هائل لنعرف أنها حسنة ، المنافقون والمتزلفون آفة الحكام والمسئولين ، اللهم إني بلغت ، اللهم فاشهد!.
 
 
في الأحد 27 يناير-كانون الثاني 2013 12:46:50 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=70683