الجنوب.. الشعب في مواجهة الإلغاء.!!
نجيب أحمد المظفر
نجيب أحمد المظفر

كلنا يعي جيداً أن شعبنا في الجنوب تعرض طيلة سنوات مضت لمسلسلات القهر والمصادرة والإذلال، كان أشدها مرارة حينما كوفئ الشعب الذي بادر مندفعاً نحو الوحدة مسلما دولة بكاملها بالإقصاء والاستباحة والتهميش، وكأن قدر هذا الشعب أن يبقي تحت آلة أصحاب مشاريع التركيع والتقزيم والإذلال، ناضل ويناضل أبناء الجنوب في سبيل استعادة مجدهم الذي جسدته ملاحم التحرير في أكتوبر ونوفمبر الرافضة لكل أشكال النفوذ والوصاية، وكل مشاريع التقسيم القائمة على سياسة فرق تُسد المستندة على بث روح الكراهية والفرقة والاختلاف بين أبناء الجنوب يومها، فكان لذلك النضال ثماره اليانعة التي لم تنتهي بالوحدة بين الشمال والجنوب، بل كُللت تلك النضالات بثورة الشعب الشبابية السلمية التي انطلقت في الحادي عشر من فبراير 2011م، فكانت بمثابة اعتراف واعتذار شعبي لأهلنا في الجنوب عن الظلم الذي طالهم طيلة السنوات الماضية، لتكن ثورة فبراير على إثر هذا مفتاح حل القضية الجنوبية حلا عادلا وشاملاً، وهو الأمر الذي لمسناه عقب التوقيع على المبادرة الخليجية التي أثمرت رئيسا جنوبيا ورئيس وزراء ووزراء غالبيتهم جنوبيون، ثم هاهي الثورة اليوم بلجان المظالم التي تشكلت وبدأت تمارس مهامها ناظرة في مظالم الجنوبيين دون سواهم تفتح الباب لأبناء الجنوب على مصراعيه لاسترداد حقوقهم المسلوبة، هذا بالإضافة إلى أن الثورة السلمية التي ارتضت الحوار منهجا لحل كافة القضايا الوطنية قد جعلت من القضية الجنوبية مرتكزاً رئيسياً لمؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في مارس القادم ليقرر على إثره أبناء الجنوب لأنفسهم الحلول التي يرونها مناسبة لقضيتهم، خصوصا ومؤتمر الحوار سيكون نصف قوام المتحاورين فيه من الجنوب، ولن تكن قراراته أغلبية بل توافقية، بصورة تجسد مصداقية التوجه نحو حل القضية الجنوبية وكافة القضايا الوطنية حلا جذريا ومرضياً للجميع، وهنا لن يكون من مصلحة الجنوب والجنوبيون حتى من كان منهم يري في الانفصال حلاً أن يرفض الحوار الذي يعد اليوم الصوت الحضاري المسموع عالميا، والذي عبره يمكن لدعاة ما يسمي بفك الارتباط أو التحرر من الاحتلال أن يقيموا الحجة بمشروعية مطالبهم لا على اليمنيين فحسب بل على المجتمع الدولي والعالم أجمع، ليكونوا عندها قد أعذروا من أنفسهم، وهذا في اعتقادي واعتقاد كل عاقل هو المسلك الصحيح الذي ينبغي أن يخوضه الإخوة في الجنوب، فالناس اليوم وهم يتنفسون نسائم الربيع العربي لا يقبلون بكائن من كان أن يمارس عليهم وصاية ويفرض عليهم أطروحاته ويرغمهم على الرضي به ممثلا شرعيا ووحيداً لهم وهم الذين قدموا التضحيات تلو التضحيات في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس يتاجرون بقضايا الناس في مختلف المحافل.
 إن من يرفض الحوار اليوم ويلجأ لخيار القوة والعنف في زمن السلمية ونبذ العنف، وفي زمن مواجهة الرصاص بالصدور العارية، مفلس حقا من كنوز الحرية والعدل والمساواة، التي تنادي الناس لإقامتها وضحوا بدمائهم في سبيلها، وخائن حقاً للقضية التي يدعي نصرتها، فالقضية العادلة قوتها في عدالتها وفي وجود محام نزيه وشريف يمثلها وفي قاض عادل لا بما لديه من علم بالقانون فحسب بل وما يملك من رصيد العدل في نفسه، وهنا مادامت القضية الجنوبية عادلة بإجماع فيجب أن لا يرضي أبناء الجنوب بمحام فاشل يفتقر لأدني مقومات الشرف والنزاهة يحمل قضيته، ممن ثبت أنهم لا يريدون للقضية الجنوبية أن تحل حلا عادلا، بل يريدون للجنوب أن يصير بالدولة التي ينشدونها مزرعة لهم يتاجرون بخيراتها، وإلا كيف لهم أن يطالبوا غيرهم بالاعتراف لهم بحقهم في الانفصال ويرفضون هم الاعتراف لأهل حضرموت بحقهم التاريخي في دولة حضرمية لا شمالية ولا جنوبية، بل كيف يلجئون إلى القوة والعنف التي يحرمونها على غيرهم تجاههم في مواجهة أبناء عدن حينما خرجوا محتفين بثورة فبراير، ألا يسمي هذا استبداداً في قاموس الإنسانية وفي زمن التحرر والحرية ؟! ألا يعد هذا مصادرة وإلغاء للقضية الجنوبية لتختزل في أشخاص وفصائل حراكية؟!.. إنني لا أستطيع تفسير تصرفات هؤلاء الحمقى إلا على أنها عنوان ثقافتهم التي لا ترضي بالأخر ولا تقبل التعايش معه، فلا تقبل بالناس إلا أن يعيشوا عبيداً لهم بكرامة مستلبة، الثقافة التي عفي عليها الزمن ورماها أبناء اليمن خصوصا الجنوبيون في مزبلة التاريخ يوم الثاني والعشرين من مايو1990م، وداسوها بأقدامهم يوم الحادي عشر من فبراير 2011م مستعلين عليها وعلى حملتها ودعاتها رافضين لها ولأهلها أن يطلوا عليهم من جديد.
 
 
في الأحد 17 فبراير-شباط 2013 03:13:32 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=70884