حوار على جدار الكرامة
م/علي الكمالي
م/علي الكمالي

جِدار مرصود بِنفوسَ يملؤها الخوف.. وجِدار وضِعَ ليصُد الناس عن غايَتِهِم.. في يوم جُمعَتهُ كُنَت بِالكَرامة.. شَبيبَةٍ لم يَقِف في وَجهَهِم جِدار ولا أخافَهُم حَاجِبٍ يترَصد من خلفه, يَعتَمِر الموت في قَلب رصاصة, مُرسَلاً ليَوحي بِالموت إلى قَلب آو رأس شاب, ظَناً مِنهُ أن الموت يُطفئ نور وَطن او فِكرَةً عَنهُ, فِكرةُ وطن سُكِنَت مِن قِبل ذاك أو عَقل من بِجانبه.. يومَها ما صَمدَ الجِدار والموت القابِع فيه وقوفاً أمام بَعثُ الحياةُ المُنهَمِر بيد جَرداء ونفس ك شذرِ السَماء.. سَقَط بدنُ الجِدار وقَلب بانيه والمُحتَمي بِه.
على واقع رصاص افترش السماء يسابق الزمن ليختطف ثورةً ترعرعت في صدر شاب يهتف ويقسم باسم اليمن ليهز عرش قاتل باع بلادهُ بلا ثمن.. في عام ذكراها الثانية وعامها الثالث تستمر انتفاضة الشعب على الظلم وفاء لكل من تركونا وذهبوا بأنفسهم فداء لوطن نعيش الغد فيه بشكل أفضل وليمهدوا لجيل قادم حياة كريمة كما أرادوا لأنفسهم, يبقينا الوعد الذي قطعناه على التراب ووثق بالدم يوم بدأنا خُطانا لإصلاح عبثية الحياة ورسم الواقع بأيدينا من أجل يمن ممنون بالقانون ومقنن في أحكامه من اجل العدالة, ملئ أقاصيه حرية وأدناه عدالة اجتماعيه, حيث كل الناس سواسية لا فارق بين حاكم ومحكوم إلا في بناءه لهذه الأرض الطبية.. لنقف في وجه الجدار الفاصل بيننا وبين كرامتنا ونسحقه ونخطو فوقه لنعبر خطوات إلى المستقبل المنتظر. 
18 مارس 2011 لم يكن كأي يوم ثوري نمر فيه ببساطة, نحمل ذلك الحلم على ظهورنا ونحن نمشي في ممرات ساحة التغيير, ننتظر أن يؤذن بنا إلى الصلاة او الى الموت من قبلةً مجهولة لنختم حياة الغرباء التي استوطنت فينا مع تراكمات الواقع المختل.. لم تكن مجرد جمعة عابرة, بل جامعة جمعت الكثير من المعاني, نبتت بين شقوق الأرض وتجملت بالغبار الصاعد من بين أقدام الذاهبين لملاقاة مصيرهم خلف جدارِ فصل بين كرامة المارين ومهانة المتربصين.. قبيل خطبةٌ عصماء ستبقى للزمن معانيها وعلى طنين مروحية يمتطيها غافل خرج لينظر كم حَشد لمواجهة الحشد الأكبر, أعتَد رصاصه وتفقد قناصته وصوت هادر يلاحقه زئيراً في وجهة يلفحه بجحيم الرحيل..
في طيات الدخان ومن خلف ذلك الجدار كانوا يتربصون في خوف ورعب وصلاة الثوار يتابعون وفي قرارة أنفسهم يسكن الخوف ممن لا يخافون, يحملون بندقياتهم ورصاصهم وأوامر السفاحين.. خطبة فصلاة بينهما دعاء يتبعه هتافات الشامخات والشامخين يعلمون الموت القابع خلف ذاك الجدار المحترق, لكنهم مصرون وعازمون علي كسره وتجاوزه كما كسروا حاجز الخوف وتجاوزوا حدود الظالمين.. صاحوا صيحةً أصمت الجدران وأوقفت أنفاس الغادرين, دكوا الأرض بخطى سحقت الآلام وأرعبت المتسلحين, غاضوا السماء ووقف الموت مصفراً على نواصي الثائرين.. تقدمت الأجساد و انطفأت النار وتساقطت الأحجار تحت وطأته من هم للتغيير تواقون, حاولوا عبثاً نثر الخوف برصاصهم في قلوب الثائرين.. يومها مات الظلم وبعث الحق من أورده الشهداء ليمزق زيف كلماتهم وانبثقت الحرية لتوثق بدماء المجروحين.. ما كان منهم ألا أن امسكوا بزناد إليتهم وأسلحتهم وأغمضوا عيونهم ترجياً واملاً في ان يتراجعوا او يخافوا, لكن الخيبة كانت رفيقتهم وكان أزيز الطلقات بوصلة الثوار ليصلوا إلى أدوات الطغاة ويحطموا المخطط المحكم لردع الشعب ويقتلوا أصوات الثائرين..
ثمن الحلم في هذه البلاد باهظ منذ بدء التكوين, فيدفعه أطفال وشباب وكهول منذ الأزل وقد كتب عليه التو شح بالدماء في وسط كل السواد المحيط به كتعميد مقدس يُنزع به كهنوت الظلم وكهنته.. جمعة الكرامة هي انتفاضة الكرامة لشعب يمني حين تنفض الدولة من حوله وتنقلب عليه لتستبيح دمه وتشرعن إزهاق الروح البريئة لتعطي لنفسها شرعية البقاء بأمر الحاكم بالسلاح وزبانيته.
من يقرأ كل التقارير الدولية والمحلية التي صدرت وآخرها تقرير هيومن رايتس واتش الذي وصفها بمجزرة دون عقاب.. هرب القتلة وتفاهم المسئولون عنها وبكت أمهات ضحاياها وضاع الحق في زيف الأوراق ومصالح الجماعات.. يقولون و يؤكدون في تقاريرهم استخدام القوة المفرطة القمعية في وجه الشعب والمتظاهرين وغياب الامن عندما اجتمع المرتزقة يحومون حول الضحايا ويقتنصونهم بقبل بنادقهم قبل أن يقنصوهم بحدقات أعينهم المرتعشة في ذل مهيب وغباء محض و اللا إنسانية المطلقة التي تسمح لهم بقتل أشخاص لم يضروهم بشيء من اجل أشخاص لطالما سحقوهم بأحذيتهم.. مازال القاتل وشركائه طلقاء ويستأنسون بالسياسية وكأنهم لم يفعلوا شيئاً بتاتاً, ومن ولوا أمرنا يناظرونهم وكأن شيئاً عابراً قد حدث, أصبح اكبر همهم كم القسمة وكم النصيب..
 لم نعد نعاني من انطفاء الكهرباء وتفجير أنابيب النفط قدر ما نعاني من انطفاء الضمائر وتفجر المصالح من حولنا, حتى أصبح الدم مجرد ورقة لها قيمتها الربحية على طاولة المفاوضات, كل يحاول أن يقايضها بأكثر مما يريد أن يحصد.
في الثلاثاء 19 مارس - آذار 2013 03:59:22 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=71191