بقرة سويسرا!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
 
إذا كانت البقرة في الهند آلهة معبودة من طائفة بشرية كبيرة؛ فإن البقرة في سويسرا تحظى برعاية ومكانة تغمط عليها من ذرية آدم المضطهدة والمحتقرة في أصقاع مازالت رهن العبودية والاسترقاق الممتهن لكرامة الإنسان ولحياته.
أشكرك كثيراً احمد الشقيري، وأقدر جدا خواطرك الرمضانية المدهشة، وما تبذله من جهد وعناء كيما تقدم للمشاهد العربي طبقاً من أفكارك المستنيرة كل مساء وبالتزامن مع وجبة الإفطار ومن خلال شاشة الـ"أم بي سي", فبرغم أنني حديث المشاهدة لهذه الخواطر التي هي الآن في السنة التاسعة؛ إلا أن بضعة حلقات أعتبرها كافية كي تحدث فيّ عصفاً ذهنياً وكي توقظ فكرة خاملة.
وعودة إلى بقرة الشقيري فسويسرا هذه الدولة الصغيرة مساحة وكثافة تنعم البقرة بحياة هادئة ومرفهة وسط رغد مروج خضرة تجعلها ملكة ملوك البقر ودون منافس كما وتحظى بسكن لائق ونظيف وبنظام غذائي وصحي وإداري, لا أبالغ إذا ما قلت إنه لا يحظى به الإنسان العربي قاطبة.
 فمن الخليج الهادر إلى المحيط الثائر لا يوجد نظام إداري وصحي وتوثيقي وكمبيوتري واحد لأكثر من 300مليون إنسان مثلما هو معمول في سويسرا لقرابة 600 ألف ماشية ولدى كل رأس فيها بطاقة هوية مكتوب فيها اسمه وميلاده وجنسه ووزنه وصحته وحتى أسماء عائلته وعشيرته إن لم نقل انه ما من بقرة سويسرية خاصة أو عامة إلا وخاضعة لنظام دقيق وفريد تشرف عليه الدولة كما ولا توجد حالة تصدير أو انتقال أو ولادة إلا ويتم تدوينها وتوثيقها بدقة وبسجلات ومراسلات موضوعة لهذا الغرض.
لم أقل لكم أن سويسرا رفضت تصدير بقرها إلى بلد عربي وذلك بعد أن تأكد لها بالدليل القاطع إساءة هذه الدولة لبقرها المصدرة إليها؛ بل وقدمت احتجاجا على معاملة بقرها وبتلك الوحشية والقسوة المفرطة المنتهكة لقواعد التعامل الإنساني مع الحيوان.
خلاصة الفكرة ليست هنا وإنما بقدرة سويسرا على تصدر قائمة الدول تصديراً للحوم والألبان ومشتقاته المختلفة بدءا ببودرة الحليب المجفف والزبدة والجبنة والقشطة وليس انتهاء بعلب اللحم أو الشكولاتة، فالبقرة تعد ثروة سويسرا الأولى، فبشيء من العبقرية والعطاء والنظام قدر لهذا البلد استغلال مورده الطبيعي إيما استغلال، فيكفي القول انه ـ وبفضل الاهتمام الكبير بهذه البقرة ـ صار المواطن السويسري يصنف ضمن الأعلى دخلا على مستوى العالم.
كيف لا تكون البقرة رمزا وطنيا وقوميا في سويسرا؟ معهم كل الحق في ان يضعونها موضع اجلال واعتزاز، السؤال المُر والمستفز: ماهي ثروة هذه البلاد؟ أناسها لا أعتقد، نفطها وغازها لا يبدو أنها تضاهي ثروة البقر، في أسماك بحرها الوفيرة والسائبة والمفتوحة للاصطياد العبثي الجائر لا أعثر على هذه الثروة الغذائية والحيوية في وجوه وأبدان مجتمع يعاني من الهزال والتقزُّم.
 هل ثروة هذه البلاد في الزراعة وفي منتجاتها النادرة من الذرة والعنب والموز والقطن والبن ووالخ؟ الإجابة: قليل وضئيل مقابل سطوة شجرة القات اللعينة والمستنزفة معظم المياه, هل ثروة هذه البلاد في الصناعة أم في السياحة أم في المناطق الحرة أم في حرفها ومنسوجاتها التقليدية أم في موقعها الجغرافي الفريد؟؟.
أظن الكلام عن ثروة البقر في سويسرا أو ثروة البن في البرازيل يستلزمه عقول مستنيرة تتدبره وتستوعبه! فكم في هذه الأوطان من ثروات بشرية وطبيعية؟ وكم في هذه الأوطان من ثروات عقول وأفكار وآمال وأحلام لم تجد آذنا صاغية أو فرصة مواتية؟ نعم هناك ثمة فرق ما بين قوم نازعوا ربهم في ماهية لون بقرة نبي الله وبين قوم صنعوا من بقرتهم ثروة ورمزا، ما بين قوم تتصدر قرآنهم "البقرة" دونما يعطونها أية قيمة وأهمية وبين قوم منحوها رعايتهم واهتمامهم فكانت لهم نعمة وبركة وثروة.

في السبت 27 يوليو-تموز 2013 07:54:17 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72555