انتفاضة جياع أم حرس قديم؟!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

انتفاضة جياع في ميدان السبعين بالتزامن مع نقل مباشر عبر أثير قناة "اليمن اليوم" وأخواتها المغردات للشتاء والخريف، انتفاضة لعشرات الجُند من الحرس الخاص والأمن المركزي والشرطة العسكرية للمطالبة بصرف إكرامية شهر رمضان، ومن ساحة السبعين ودون سواها من الساحات والمعسكرات.
لا أعتقد أن المسألة تتعلق هنا بإكرامية أو علاوة أو زيادة مقررة ولم يتم صرفها؛ وإنما انتفاضة عسكر الجيش والأمن وفي مكان وتوقيت واحد يمكن فهمها على أنها محاولة بائسة لتثوير المعسكرات على الرئاسة والحكومة وبقصد إرباك العملية السياسية وخلق مناخ من الفوضى العارمة.
وإذا ما تحققت وسادت الفوضى العارمة؛ فإنها ستكون بمصلحة القوى القديمة القبلية والعسكرية فسوى تلك المنضوية للواء الثورة ورأت في العملية الانتقالية ضرراً محدقاً بمركزها ونفوذها ومصالحها، أو تلك التي ناهضت ثورة الشباب ومازالت مجهدة ذاتها ونفوذها وسطوتها وعلاقاتها.
 فكل هذه الأشياء يتم توظيفها وبشكل وقح وفاضح لإفشال الرئاسة المؤقتة وحكومة التوافق واللتين يتم تشويه صورتهما والاساءة لهما في وسائل الاعلام وتحميلهما تبعات المشكلات الحياتية التي هي مشكلات ليست وليدة المرحلة القائمة بقدر ما هي نتاج حقبة سياسية ماضوية لعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا بانها سببا رئيسا في ثورة اليمنيين على الحكم العائلي القبلي العسكري الفاسد واتباعه ومواليه المنتفعين والمستفيدين المنافحين الآن لتأزيم الحالة المتوترة والحرجة بالمزيد من المشكلات والاعباء المرهقة لكاهل النظام الهش وغير محتمل لأزمات إضافية.
نعم؛ فكلما قلنا بتجاوز الدولة اليمنية لخطر الوقوع في أتون فوضى اللا دولة؛ عادت القوى القديمة منتفضة على الرئيس هادي تارة أو ثائرة على باسندوة وحكومته تارة أخرى، فعلى رغم أن هنالك ثمة أشياء محققة يلمسها المواطن البسيط مثل استقرار الأسعار والتموين للسلع الأساسية والمشتقات النفطية؛ بل وهنالك تراجع في سعر بعض السلع، ومع هذه الأشياء الملموسة وفي ظرفية شديدة الحرج كهذه التي اوشكت فيها البلاد إلى حافة السقوط والانهيار.
ومع أن رمضان الحالي أفضل بكثير من رمضان الفارط، وكذا الرئاسة والحكومة والدولة والجيش وعملية الانتقال جميعها تبدو في حالة أحسن نسبيا مقارنة بالأمس؛ إلا أن ذلك ليس كافيا ليحول دون اختلاق المشكلات الخدمية والامنية والعسكرية والاعلامية والدينية والمعيشية والحوارية والدبلوماسية والوظيفية والقبلية وسواها من المشكلات التي تنتجها ماكينة القوى الأوليغارية الانتهازية العسكرية القبلية.
فما من شك أن مشكلة النظام الوريث للثورة لم يستطع حتى اللحظة كي يكون نظاما منحازا كليا لمبادئ وأهداف ثورة اليمنيين، مرد ذلك ربما صيغة النظام المتشكل في الاغلب من العهد القديم ! وربما قد تكون مشكلته كامنة بانفصامه ما بين عهدين ! عهد مضى لا ينفك ان يلقي بظلاله القاتمة المخيفة، وعهد يرجى لا يتورع عن ابتكار المثبطات والمشكلات اليومية.
أنها ذات القوى القديمة الحائلة دون إنجاز الدولة اليمنية الحديثة، نعم هي نفسها القوى القبلية والعسكرية والدينية التي يحسب لها افراغ ثورة سبتمبر من مضامينها الوطنية والحداثية، كما وهي ذاتها الوائدة للدولة الواحدة، وقبلها بالطبع للجمهورية ونظامها المنتصرين في مأثرة السبعين يوما، ولا أظنها الآن ستقف متفرجة إزاء واقع جديد أفرزته ثورة الشباب، هذا المخاض وإن لم يتساوق مع طموح الثائرين، لكنه وبالنسبة للكثير من الفئات القديمة يمثل ناقوس خطر وينبغي مواجهته وبكل السبل والإمكانيات.
خلاصة الكلام المسألة لا تتعلق بمساعد اول يستولي وجماعته القبلية على لواء بكامل عتاده وقوته، أو أنها مقتصرة على انتفاضة عشرات الجنود في ميدان السبعين، فالواقع أننا حيال محاولة من محاولات لا تتوقف لاستعادة نفوذ وسطوة قبل ان يشتد عضد النظام الجديد الذي كلما تغلغل واستحكم بمقاليد السلطة والقوة ؛ كان على حساب القوى السابقة المستميتة اليوم في مناهضة الرئاسة والحكومة وكل ما له صلة بالعهد الناشئ لتوه.
فهذه القوى التقليدية ومنذ الاطاحة بالرئيس السابق وبحكومته واقربائه وبعض من رموز نظامه لا تكف لحظة عن افتعال الأزمات والمشكلات المختلفة، فتارة تلوح بعصى مشاركتها في الحكومة، وأخرى تنقل المعركة إلى ساحة البرلمان، وثالثة إلى ردهات وفرق الحوار الوطني، ورابعة إلى معسكرات الجيش والأمن، والى اغتيالات وتهديدات القاعدة، إما وإذا نفدت الوسائل فبانتفاضة في معسكر او حادثة خطف او تقطع لناقلات النفط والغاز وهكذا دواليك. 

في الإثنين 05 أغسطس-آب 2013 02:28:51 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72624