لماذا علينا دعم الإخوان في كفاحهم من أجل الديمقراطية
توكل عبدالسلام كرمان
توكل عبدالسلام كرمان

بعد وقت قصير من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري/ محمد مرسي، أعلنت أنني في طريقي إلى رابعة العدوية للمشاركة في الاعتصامات المطالبة بعودة الديمقراطية.
بيتي في صنعاء، لكن كل واحد منا وضع آماله في الربيع العربي معنيٌ بما يحدث في مصر.
تمنيت أن أتظاهر ضد القمع الذي يتعرض له المعتصمون من قتل وإخفاء قسري وتكميم للأفواه وسجن للقيادات المعارضة للانقلاب وإغلاق مقرات الأحزاب، في ظل صمت رهيب وعجيب من قبل الناشطين الحقوقيين والنخب السياسية والذين عوضاً عن إدانتهم الانتهاكات والإجراءات الانقلابية ومجزرة الحقوق والحريات التي رافقتها والتضامن مع الضحايا والمطالبة بإلغاء الإجراءات الانقلابية واحترام الحقوق والحريات ذهبوا لمباركة تلك الإجراءات والتبرير لها والصمت عنها!!
أعلنتُ على الملأ أنني في طريقي إلى رابعة العدوية لمناهضة تلك الانتهاكات والدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير وأهمها حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي والتنظيم وحق الناس في اختيار الحكام، قوبل إعلاني بحملة تحريض واسعة من قبل وسائل إعلام الانقلابيين ومن يساندهم توعدوني فيها بالسحل والقتل والمحاكمة بتهمة التجسس والتدخل في شؤون مصر!!
في الـ 4 من أغسطس وصلت مطار القاهرة مع صديقتي/ بشرى الصرابي
ـ المدير التنفيذي لمنظمة صحفيات بلا قيود ـ كل السيناريوهات أمامي كانت تدعو إلى المخاطرة فإما أن يسمحوا لي بدخول مصر ويعتدون عليّ بعد مغادرتي المطار أو في الميادين، أو أن ينفذوا تهديداتهم بمحاكمتي واعتقالي أو قتلي أو أنهم يعيدونني.
كانت رحلة مثيرة رغم أن النهاية لم تكن كما أحب, وقفت في الطابور لإنهاء إجراءات الدخول، وما هي إلا دقائق قليلة حتى تعرّف عليّ أحد ضباط المطار وطلب مني التوجه لمكتب خاص بإنهاء إجراءات الدخول للأشخاص الذين يحملون الجوازات الدبلوماسية، في هذه الأثناء بدأت حركة غير طبيعية بين ضباط المطار، وسمعت أحدهم يجري اتصالات بصوت خفيض، كان يتحدث عني، وزادت الاتصالات والتحركات، كانوا مرتبكين للغاية ويرددون "توكل جت، توكل جت، مش هنخليها تدخل خالص" وكما لو أني شخص خطر للغاية!!
تم إبلاغي بقرار منعي من الدخول، ثم تم ترحيلي إلى اليمن بنفس الطائرة التي أتيت بها.
سلطات الانقلاب لم تعطني جواباً على سؤالي لماذا تم منعي، قالوا لي أنت تعرفين السبب أكثر منا، قالوا إن هناك توجيهات عليا بمنعي من دخول القاهرة وإن إسمي على قائمة الممنوعين من دخول مصر بناء على طلب جهة أمنية، هذا ما قالوه لي.
 أشعر بالحزن لأني لم أتمكن من أن أكون مع المعتصمين الذين يواجهون سلطة انقلاب ديكتاتورية ويطالبون بمطالب مشروعة، لا يجب أن نخجل من الوقوف إلى جانب المظلومين الذين ينشدون الديمقراطية والعدل والعيش بكرامة، هذا واجبنا.
إن إطاحة سلطة الانقلاب بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر، وتعليق دستور تم الاستفتاء عليه وحاز على اكثر من 60% من اصوات الناخبين، وحل أول مجلس للشورى بعد الثورة ببيان عسكري أسند مهام كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى شخص اخر، واقصاء حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين تماماً من الحياة السياسية، مثلما قطع الطريق أمام الشراكة والتوافق بين قوى الثورة، وعمق الانقسام الحاد في المجتمع المصري، فإنه يعد انقلابا كاملاً وفجاً على الديمقراطية الناشئة في مصر، مما يجعل الضمير الإنساني في مأزق حقيقي، إن الخيارات أمام كل المهتمين بشأن مصر اليوم محدودة جدا، إما ان ينحازوا الى القيم المدنية والديمقراطية.. وإما الى العسكر والاستبداد والقهر والإكراه !!
مرسي ليس فقط الرئيس المنتخب في مصر، إنه يظهر الآن كما لو أنه مانديلا العرب ـ زعيم جنوب أفريقيا ـ جلب السلام والديمقراطية إلى بلده، وخلال سنة من حكم مرسي شهدت مصر حريات مطلقة وبالأخص حرية التعبير والتظاهر السلمي، لم تغلق قناة ولم يسجن معارض، وحتى حين تم عزل الرئيس مرسي بالقوة إلا أنه لم يقتل أحد ولم يسجن أحد ولم يبدي أي مقاومة عنيفة وهذه حالة ليس لها مثيل في المنطقة.
من خلال الحفاظ على النهج السلمي فإنه ينتظر الدكتور مرسي وجماعته وشركاءهم في مصر دوراً لا يقل عن دور المؤتمر الوطني ومانديلا في جنوب افريقيا، فعلى الرغم من التعرض للقتل والقمع والسجن والاقصاء لا أنهم حافظوا على سلمية احتجاجاتهم وحفظوا مصر من الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي،، وعلى العالم الحر أن يعزز هذا الدور بمساندتهم ورفض الانتهاكات التي تطال محمد مرسي وجماعته وشركاءهم وكل المؤيدين للمسار الديمقراطي.
أنا لست عمياء عن الأخطاء والقصور التي ارتكبها مرسي والحكومة قبل الانقلاب، لقد كنت مؤيدة لمطالب مظاهرات 30 يونيو المعارضة لمرسي، لكن كان أمام عيني هدف واحد وهو إنهاء الخلاف والانقسام في مصر والوصول إلى إدارة البلاد بالشراكة والتوافق بدلاً من حكم الأغلبية الضيقة، لكن الجيش استولى على السلطة وهدف إلى الإقصاء الشامل للإخوان المسلمين وشركاءهم.
ما حدث في مصر هو أنه تم استبدال الرئيس مرسي وجماعته ومن خلال القوة الغاشمة بمنافسيهم الخاسرين في الانتخابات أقصد جبهة الإنقاذ والبرادعي!!!
التاريخ يقول لنا إن الديمقراطية لا تزدهر تحت حكم العسكر، وفي مصر الدليل واضح على ذلك من خلال الانتهاكات المريعة التي طالت الحقوق والحريات الأساسية مباشرة منذ الانقلاب، لقد عادت الدولة البوليسية بل إنها اليوم أسوأ مما كانت عليه أيام مبارك!!.
إن ما يحدث في مصر مخيف للغاية: إن هذا الانقلاب قد يفقد المجتمع إيمانه بالعملية الديمقراطية مما يعطى الجماعات الإرهابية فرصه الانتعاش مره أخرى!
مما قاله أيمن الظواهري في آخر خطاب له إن مرشح الإخوان فاز في الانتخابات الرئاسة وانهم حازوا على أغلبية مجلسي الشعب والشورى ومع ذلك تم خلعهم مستنتجا من ذلك أن الديمقراطية طريق فاشل وهي حكر على الغرب وليست متاحة لمن ينتمي للتيار الإسلامي، وفي نفس الوقت جماعات القاعدة في بلاد الشام والعراق يعيرون الإخوان المسلمين بالقول أن الحل في صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع.
الانقلابيون يعززون الإرهابيين ويقدمون لهم خدمة جليلة بقدر ما يقطعون الطريق أمام التغيير السلمي يمكن القول أن إضعاف جماعات الإسلام السياسي يعني بالضرورة تقوية جماعات العنف.
إن ما يحدث في مصر سوف يتجاوز أثره إلى جميع دول الربيع العربي، ولن تكون بلدي اليمن التي تبعد أكثر من 1000 كم عن مصر في منأى عن آثار الانقلاب السلبية، أنه من الخطأ الحديث عن الربيع العربي بوصفه أحداث متفرقة, فالشعوب في دول الربيع العربي ثارت على نفس الظروف وتمتلك نفس الحلم، ثارت على الاستبداد والظلم، وحلمت بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.
الآن كل الأنظمة التي سقطت في دول الربيع العربي، وكل الأنظمة القمعية يباركون انقلاب العسكر في مصر.
وكما أن السياسات القمعية كانت تبدأ من مصر وتنتقل لبقية العالم العربي, فإن ازدهار الديمقراطية في مصر يعني ببساطة ازدهار الديمقراطية في بقية الدول العربية، ربما لهذا السبب لا يريد جهات إقليمية ودولية كثيرة أن تكون مصر دولة ديمقراطية.
إن على أولئك الذين يدعمون الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط مقاومة الاستبداد الجديد في القاهرة بعزيمة وإصرار.
*نشر في مجلة الفورن بوليسي الأمريكية

في الثلاثاء 13 أغسطس-آب 2013 01:52:20 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72673