واقع وثورة واحدة لا تكفي!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

ثورات الشباب العرب بقدر ما كشفت لنا وللعالم طبيعة النظام العربي القمعي والمستبد وعقليته وفعله في إدارة المشكلات والأزمات؛ بذات القدر كانت هذه الثورات قد أماطت اللثام عن سوءة الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن ناهيك عن محكمة الجنايات ومجلس حقوق الإنسان والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وغيرها من المؤسسات والهيئات الدولية التي يحسب لثورات الربيع العربي تعريتها من رداء طالما لبسته وتزينت به خلال حقبة دامت لأكثر من نصف قرن.
وإذا المؤسسة الدولية ظهرت بهذا الوهن والضعف غير قادر على وقف نزيف الدم في سوريا نتيجة للفيتو الروسي الصيني المزدوج؛ فإن الثورات أيضا كشفت حقيقة البيت العربي الهش والمتصدع الذي بدت سوءته أكثر من أية سوءة أخرى، فهذه جامعة الأنظمة العربية المستبدة أثبتت وبرهنت أنها اعجز من أن تكون كياناً حاضناً للمجتمعات العربية ولقضاياها ومشكلاتها السياسية والاقتصادية، فما يحسب لثورات الشباب العربي هو إزاحتها للغشاوة المشوهة والمشوشة لرؤية المواطن العربي العادي .
كما ويحسب لهذه الثورات – وهي في الأغلب شبابية – هو إنها وبتضحياتها واستبسالها وجرأة أفكارها كانت قد أسقطت ليس فقط مسألتي الاحتكار الفردي والعائلي للسلطة والثروة وكذا التمديد والتوريث للجمهوريات؛ إنما - ومن حيث لا يعلم أو يخطط له الثائرين – كانت قد بلورة لفكرة الاصطفاف المجتمعي وهي الفكرة التي طالما اعتقدنا بكونها ميؤوس منها وإذا بثورة الشباب تبث الروح في شرايينها وكيانها ثانية وثالثة .
فبرغم كل ما نشاهده اليوم من دعوات وأفعال ممزقة؛ إلا أنها تكاد نتيجة موضوعية لتعثر الحسم الثوري وولوج الثورة في مجاهيل الجدل السفسطائي العبثي الأناني الذاتي، لكن وبعيد تعثر ما حسبناه حسما ثوريا في تونس وليبيا ومصر وحتى سوريا ؛ أفقنا على مشاهد مروعة، وعلى انتفاضات موجهة اختلط فيها الحق بالباطل، الداخل بالخارج، النظام البوليسي القديم بالثورة والثائرين، الرجعية بالتقدمية، الدنيا بالآخرة، وهكذا دواليك .
 وبما أن الثورات في الغالب مستهلها فكرة مثالية ملهمة ومستقطبة لأفئدة وعقول الجماهير فيما تكون نهايتها كما قيل كقطة جائعة آكلة لأولادها ؛ فإن ثورة الأحلام لم تدم طويلا حتى تاهت في غياهب الفوضى والغوغاء والأفكار الجامدة البالية الرتيبة وغيرها من المثالب العتيقة التي جاء بها من ركبوا الثورة من القيادات والدعاة والمشايخ والضباط والتجار .
الثورة في اليمن تماثل سحابة بيضاء شفافة سابحة في لج السماء، لكن الغيمة ليست كافية لغيث الودق، لذا كان ولابد من تفاعل عوامل فيزيائية وكيميائية عدة كيما تصير السحابة مطرا هاطلا يروي يباب ارض عطشى أضناها الانتظار، كذلك هي ثورة الشباب التي لم تكن سوى فكرة نقية صافية في بيئة ملبدة ملوثة بكثير من العوامل السلبية الحائلة دون مضي الثورة لنهاية طريقها .
 لهذا السبب محصلة الثورة كان خليطا عجيبا من البارود والدم والحلم والأمل، ولربما قلنا وبحماسة : نصف ثورة أو ربعها خير من هذا النزيف الدامي في مصر، وافضل بكثير من هذا الخراب والدمار المشاهد في سوريا، ومن هذا الصراع المحموم على السلطة في ليبيا، ومن هذا الخوف والوجل من فوضى غير خلاقة في تونس ولبنان والعراق .
نعم أفقنا الآن ولكن على واقع مأساوي يستلزمه ثورات لا تتوقف عند رحيل حاكم مستبد وصعود حاكم بانتخاب، فكل هذه الأشياء لم تجد نفعا في ظل غلبة أسلوب الهيمنة والاستئثار القبلي المناطقي الطائفي العسكري، ففي أوطان كهذه لا معنى لصندوق الانتخاب إذا ما كانت النتيجة غير عادلة أو منصفة لمن ضحى وثار كي يحقق التغيير المنشود الذي غايته الأسمى الإنسان حياة وكرامة وحرية ومعيشة ومكانة ووجود وفعالية وتأثير.

في السبت 24 أغسطس-آب 2013 04:59:27 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72801