سوريا والثورة الضائعة في دهاليز السياسة العالمية
فواز العبدلي
فواز العبدلي

إن التصعيد الأمريكي والتلويح بضربة عسكرية على النظام السوري تحت مبرر استخدام السلاح الكيميائي في مدينة الغوطة رغم استخدامه في السابق اكثر من مرة وفي مدن عدة, إلا أن هذه المرة كان الموقف الأمريكي اكثر امتعاضا لما جرى ليس تعاطفا مع الشعب السوري وإنما استجابة لما تقتضيه الحالة الراهنة بان يكون للإدارة الأمريكية موقف صريح كالعادة إزاء ما يحدث لان الصمت في هذا الوقت بالذات قد يقلل من شأنها الريادي بين شعوب العالم بعد تجاربها المتعددة في خوض الكثير من الحروب المبهمة والتدخلات العسكرية والحرب المصطنعة ضد ما يسمى بالإرهاب تزعمتها بعد أن جعلت من المجتمع الأوروبي تابعاً لها فضلاً عن مجلس الأمن الذي حولته إلى ملحق تديره كما تشاء, لاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي على أيدي حلفائها الاستراتيجيين وفي السياق ذاته باتت السياسة العالمية تدار عن طريق ما تسمى بسياسة القطب الواحد بمساعدة الأنظمة الأوروبية باعتبارها تابعة لها حتى غرقت في مستنقع الحروب الاستعمارية وأغرقت من معها.
 اليوم تريد أن تكرر السيناريو ذاته بعد أن شعرت أن الظرف مناسبا لاحتلال سوريا في ظل صراع دموي انهك كل الأطراف وجعلها مذعنة لأي تدخل خارجي بأي صورة كانت, لكنها تناست هذه المرة أن هناك تحدٍ كبيراً لا يمكن تجاوزه باي حال من الأحوال, ألا وهو رفض بعض الأنظمة الأوروبية فكرة المشاركة في هذه الحرب في الوقت الذي يشهد المحور الشرقي تصعيدا غير مسبوق في مواقفه السياسية والعسكرية وهذا بحد ذاته شكل ضربة موجعة للإدارة الأمريكية وجعلها تتخبط بمفردها, الأمر الذي جعل من تناول فكرة ضرب النظام السوري يبدو مستحيلا إن لم تكن هناك حماقة مرتكبة قد تجر العالم نحو الانتحار المتوقع في حالة الإقدام على ضرب سوريا, لاسيما بعد أن أكدت روسيا اكثر من مرة أنها على كامل الاستعداد للسير في هذه المعركة حتى النهاية مهما كانت النتائج وهذا ما أثبتته المواقف المتكررة في استخدام حق الفيتو بشكل غير مسبوق في تاريخ الإدارة الروسية..
وبما أن ما يدور في سوريا من حرب دامية في صمت رهيب من العالم لم يكن بمنأى عن المجتمع الدولي الذي لم يكتف بهذا العدد المذهل من الضحايا والجرحى والمشردين في الوقت الذي توقف فقط عند التصريحات المناوراتية ذات الطابع التنديدي منعدم الفائدة.. تجدر الإشارة بنا إلى القول بأن ما يحدث في سوريا ليس اقل من مجرد حرب بالوكالة بين محوريين يترأس الأول الولايات المتحدة الأمريكية ويترأس الثاني روسيا وبالتالي فالوضع الحالي شبيه ببالونة منفوخة وابسط وخزة اعتقد أنها ستكون كفيلة بتفجيرها وإشعال حرب ضروس ربما تجر المنطقة بكاملها نحو حرب نووية, وهذا ليس ببعيد في ظل واقع مليء بالمكايدات السياسية والمكابرات التي لاشك أنها قللت من فرص الحلول سياسية وجعلتها ضئيلة ونظرا للتطورات المتسارعة فيما يتعلق بعودة الإمبراطورية الروسية للواقع السياسي والعسكري كقوة لا يمكن تجاهلها بالتزامن مع تراجع واضح في السياسة الأمريكية وفشلها الذريع في التعاطي مع الأحداث بممارستها لسياسة الابتزاز وافتعال الأزمات وتنفير الشعوب وانتهاك سيادتها والتدخل الغير مرغوب في خصوصيات الأمم الفقيرة, أضف إلى ذلك خرقها للقوانين الأممية وتوظيف المنظمات الحقوقية والمدنية لخدمة مصالحها, كل ذلك جعلها تفشل سياسيا واقتصاديا حتى لو كانت متفوقة عسكريا وقد ادركت الإدارة الأمريكية مؤخرا ما يوكد ذلك, لاسيما بعد محاولتها تمرير قرار ضرب سوريا بعد أن طرحته على اكثر من جهة غير انه قوبل بالرفض التام لما قد يترتب عليه من مخاطر جسيمة وبالتالي فالولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة لا تحبذ خوض مغامرة من هذا النوع بمفردها, لكنها ترى أن التراجع عن قراراتها قد يفقد من هيبتها أمام شعبها وشعوب العالم عموما فالتخبط الواضح في عدم القدرة على حسم الموقف في البيت الأبيض يعد فشل ذريعا في السياسة الأمريكية بكل المستويات, أما بالنسبة للجانب الروسي ترى روسيا أن تخليها عن حليفتها سوريا ليس بالأمر السهل قد يشعر الشعب الروسي أن النظام بات متهاونا وقد اثبت فشله في التعاطي مع الحرب الباردة القائمة حتى اللحظة وهذا ما شدد من أجله السيد بوتين بعد أن تصدر المشهد كرئيس للإمبراطورية الروسية تاركا خلفه الكثير من الوعود على رأسها انتهاء عهد الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة على العالم.
على العموم إن توجيه ضربة عسكرية على النظام السوري لا يعني استهدافاً للنظام السوري فحسب, بل استهداف للمحور الشرقي عموما وهذا ما يخشاه العالم باسره لما قد ينتج عن هذه العملية من حرب ضروس قد تحرق الأخضر واليابس, لاسيما في ظل احتدام حقيقي وصل إلى ذروته, وبالتالي فالإدارة الأمريكية في حيرة من الأمر بعد أن أثبتت عجزها في التعاطي مع الأزمة بشكل جيد, فقد لجأت إلى التلويح بشدة بتوجيه ضربة مباشرة للنظام السوري, ليس رغبة في ذلك وإنما من اجل البحث عن مخرج سياسي يخلصها من المأزق التي وقعت فيه ويحفظ من شأنها ومكانتها الدولية, وهذا ما تحاول الوصول إليه.

في الخميس 12 سبتمبر-أيلول 2013 05:42:58 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72997