الإصلاح مسؤولية الريادة ومتطلبات القيادة
رفيقة الكهالي
رفيقة الكهالي

ببزوغ شمس الأمس تشرق على بلادنا شمس التجمع اليمني للإصلاح - أكثر الأحزاب حجماً وقاعدة وأكبرها تنظيماً وأسماها رؤية وأهدافاً وأخلاقاً وأعظمها وطنية ومدنية - تهل علينا الذكرى 23 لتأسيسه في الثالث عشر من سبتمبر عام 1990م ، بتلك الشمس التي أشرقت حينها، متواكبة مع المهرجانات والاحتفالات الشعبية المبتهجة بالحدث التاريخي المتمثل بقيام الوحدة اليمنية وإقرار نظام التعددية الحزبية, عوضا عن النظام الشمولي الذي كان سائداً في الشطرين الشمالي والجنوبي, ومتزامنة مع الامتداد الطبيعي للحركة الإسلامية المعاصرة والتوسع المنظم لأذرع ما يطلق عليه الاسلام السياسي الذي تبنى قضية تحرير الأوطان العربية والإسلامية من براثن التبعية للاستعمار وأذيالهم وقضية إيجاد الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنهوض به وتنميته بما يؤدي إلي استقلال إرادة الأمة وتعزيز كرامتها واستقرارها وعزتها ومكانتها الحضارية بين الأمم..  وها نحن اليوم نحتفل بذكرى الشروق الغالي المتجدد، وقد يكون من الأهمية في مرحلتنا الحالية التغني بالإصلاح وأهميته ودوره الريادي، والتوعية بأهدافه ونظمه ولوائحه، والتذكير بالمنعطفات والتحولات التاريخية التي رافقت مسيرته، وتسليط الأضواء على إنجازاته الوطنية ومواقفه البطولية ورجالاته ونجاحاته المتواصلة في علاقاته الداخلية والخارجية، والاستعراض لدوره الأساسي في تأسيس العملية السياسية والتحول الديمقراطي ورعايته وتبنيه للمسيرة الثورية التغييرية السلمية وغيرها من المنجزات التي تحتاج إلي إعادة نشرها والتوعية بها وبآثارها.. 
 ولكن ليس ذلك فقط هو المهم على أهميته، وإنما الأهم منه برأيي هو المراجعة الدقيقة والتقييم الحقيقي للأداء السياسي والدعوي والحركي بقصد وضع المعالجات الناجعة لمواطن الخلل والقصور، والتنبه والحذر للأخطار والمكايدات والمؤامرات المحدقة به من كل حدب وصوب، ودراسة المتطلبات والاحتياجات الرئيسية للغد القادم والتي ستسهم بفاعلية في الارتقاء بالحزب وتصدره لمكانته الطبيعية في قيادة اليمن وصناعة مستقبلها الزاهر الواعد بالتعاون مع كل أحرار وشرفاء هذا الوطن وهم كثير..
العبرة من التجربة ولا بأس ونحن نبحث ونراجع أن نستعين بالتجارب السياسية من حولنا ونأخذ منها العبرة والموعظة والاستفادة منها، ومنها النقلة العملاقة التي قدمتها تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر والأحداث المأساوية التي أعقبت انقضاض العسكر على الشرعية واغتصاب السلطة وما رافقها من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ومن فضح لكافة أوجه التآمر العلماني الناصري الإسلامي من حزب النور وحزب مصر القوية وغيرها من الأوجه التي دعمتها أمريكا وإسرائيل وإيران والخليج..
وفي الواقع دراسة ما حدث يمثل أهمية قصوى بالنسبة لحزب الإصلاح من ناحيتين: الأولى لتنمية الوعي السياسي لدى أفراده واستيعابهم لحجم المؤامرات والدسائس التي تدبر وتحاك، والثانية للبناء على نتائجه، فقد قدم الانقلاب العسكري الدموي خدمة جليلة للإسلاميين من حيث لا يشعر، فلقد أحرق على أحزاب الحركة الاسلامية ومنها الإصلاح الكثير من المراحل التي كانت ستستغرق سنين طويلة, لنيل ثقة الشعوب وإقناع الأمة بالنموذج الإسلامي الحضاري الديمقراطي السلمي المعتدل الذي يهفو إليه دعاة الحرية والديمقراطية والسلام، وهو ما تمثله دعوتنا.
إضافة إلى أن كسر الشعب المصري لحاجز العنف والإرهاب الفكري، قدم على الهواء مباشرة دروساً عملية عظيمة في التربية الإيمانية والنضالية والقيمية، استفدنا منها حيث ساهمت في نشر الدعوة ومبادئ الحركة حتى أصبحت مدرسة رابعة العدوية وشعارها رمزاً للوطنية والصمود والثبات على منازعة الطغيان ومكافحته بالسلمية التي حطمت بها الجماهير المحتشدة كل القيود التي تحاول أن تعيدها إلى مربعات الاستبداد والخنوع والقبول بالقمع والحكم بالحديد والنار من قبل العسكر..
وليست هذه كل ثمار التجربة، ولعل الثمرة الأبرز تمثلت باستعداد الجماهير لتسليم زمام قيادتها للإسلاميين عن ثقة وانضباط والتزام بالمواصلة لاسترداد حقوق الشعب المنهوبة، وهذا التعاطف اللامحدود كما قلنا انعكس بدوره بالإيجاب، وهذا ما سيحصده الإصلاح في قابل الأيام نجاحاً منقطع النظير وليس كما يتصوره البعض مما لا يرون أبعد من أنوفهم.
متطلبات القيادة
 حقيقة الحديث عن المتطلبات الأساسية التي يحتاج إليها الإصلاح لإكمال مسيرته النضالية الثورية وللمحافظة على دوره الريادي حديث ذو شجون وقد يطول، ولذا سنركز في حديثنا على بعض الأمور التي نرى أنها الأكثر إلحاحاً، ومنها ما يلي:
أولويات ترتيب البيت الإصلاحي بالضرورة يحتاج إلى إعادة النظر في التنظيم من الداخل، والتعامل معه على أساس قابليته للتطوير وبالتالي فتحديث نظامه الأساسي ولوائحه الداخلية وبرنامجه السياسي بما يتواكب وروح العصر من الأولويات، مع الاهتمام بالتأطير وحجمه وبطرق جديدة كالتأطير عن بعد وخصوصاً إذا علمنا أن هناك الكثير من الفاعلين خارج الإطار التنظيمي من مثقفين وسياسيين وإعلاميين وأكاديميين وغيرهم من الكفاءات التي سترفد الحزب بمزيد من الحيوية والتنوع والقوة، ولا تخفى السلبيات العديدة "لتسييب" هؤلاء والتي تصب في مصلحة الآخر المتربص وقد يسقط البعض ضحية للتشكيك والشائعات والهمس والدسائس التي تكال للحزب ليلاً ونهارا.
 إعادة صياغة الخطاب الدعوي والسياسي والإعلامي والحقوقي وتطويره بما يؤدي إلى الارتقاء بأداء الحزب أثناء تنفيذه لمهامه، أيضا من القضايا المستعجلة مع إيجاد برنامج شامل لتطوير الوعي السياسي لدى القيادات والقواعد على حد سواء، يتخلص فيه من المفاهيم والأفكار التي تنتمي للقرون الوسطى ومازالت مسيطرة على عقلية بعض القيادات والتي لا تنسجم بتاتاً مع الدور الريادي للحزب تجاه المجتمع بكل فئاته وتياراته وتوجهاته وتشكيلاته المتعددة.
بناء منظومة إعلامية متكاملة باسم الحزب يأتي أيضا على قائمة الأولويات الهامة، خصوصا أن الإعلام والإعلام البديل هو من يقود معركة الحق والباطل في الحاضر، وينبغي أن تشمل هذه المنظومة قناة فضائية خاصة متحدثة باسم الحزب بشكل صريح وواضح، مع تطوير وتحديث صحيفة الصحوة والصحف الأخرى المساندة، والمواقع الإلكترونية وأنشاء صفحات رسمية للحزب على الفيس بوك والتويتر واليوتيوب والجوجل بلس والاسكايب وغيرها من الشبكات الجماهيرية الفاعلة والمؤثرة في صناعة الرأي العام، يرافق ذلك تشجيع للكتابات والآداب والشعر والإنتاج الفني الغنائي والتمثيلي والوثائقي بأشكاله المختلفة، وإفساح المجال أمام كل القدرات والطاقات الإبداعية، ومع تطوير النظام المعلوماتي والمادة الاعلامية حتى تسهل مهمة الحصول على المعلومة عند طلبها من الناشطين وبالذات على الشبكة العنكبوتية ، مع الاهتمام بتجهيز فريق إعلامي ضخم مهدف ومدرب ونشط على مستوى كل دائرة ومركز ومربع وحارة، ويشترك به الناشطون على النت وغيره، يعمل على التوعية والكسب والتفنيد للشائعات بالإقناع العقلي المرتكز على الحقائق وليس الخطب المنبرية أو إثارة العواطف والحماس فقط، مع الاستفادة من كمية التداول المعرفي والثقافي الذي حدث في وسائل الإعلام بين كبار المثقفين والدعاة والمحللين السياسيين والبناء عليه بنشره بوسائل شائقة وجذابة ستساهم في تقوية أواصر بناء الثقة وتنميتها نحو تحقيق الهدف الأسمى في قيادة الشعب نحو بر الأمان.
ينبغي على قيادة الإصلاح التخلص من الخطاب النخبوي والنزول بالخطاب إلى أقصى درجات القاع الشعبوي وإلى الطبقات البسيطة الكادحة وفي كل مكان في القرى والمدن في البوادي والحضر، مع مزيد من التبني لقضايا كافة فئات المجتمع وتفعيلها على كل المستويات.
ومزيد من الاهتمام بقضايا المرأة والشباب والطلاب والمنظمات والنقابات والاتحادات والمساجد بنفس مستوى تواجدها الفعلي وأثرها على أرض الواقع، وهو تواجد كبير وعميق ومؤثر, والتركيز على التربية الايمانية والروحية والأخلاقية للأعضاء وإصلاح ذات البين، حتى يكون الجميع عند مستوى المسؤولية الكبيرة في حمل أمانة الحفاظ على إرادة الشعب وثورته ووحدته ومكتسباته وثرواته.
وعلى مستوى البيت اليماني
تقف أمامنا تحديات كبيرة ومتطلبات كثيرة أهمها إعادة ترتيب اللقاء المشترك وقد تطرقنا إلى هذا الموضوع بتوسع في مقالنا السابق بعنوان "اللقاء المشترك ومستقبل اليمن"، وما يهمني هنا في هذه العجالة هو تذكير حزب الإصلاح ـ كونه الحزب الأكثر تنظيماً والأوسع قاعدة, والأقدر مالياً وتربوياً وإعلامياً ـ بالمسؤولية التاريخية الكبيرة الملقاة على عاتقه تجاه هذا التكتل السياسي من حيث التصدي الجاد لمحاولات تفكيكه حتى من بعض المنتمين إليه، وتحويله إلى تجربة شراكة وطنية مثمرة وخلاقة تقود البلد حتى تحقيق كافة أهداف ثورة فبراير باعتبار المشترك الحامل الرئيسي لها, مع التيقظ لمخاطر المشاريع الصغيرة - لرموز نظام المخلوع والحوثيين والمشروع الانفصالي للبيض وزمرته - التي تسعى إلى أن تعصف باليمن ووحدتها ومشروعها التغييري السلمي، وتتآمر على الاصلاح وجوداً ودوراً وريادة, خصوصاً وهناك بعض العلمانيين من الاشتراكيين والقوميين ممن انضم إلى جوقة من يشن حربا ضد الاصلاح ويريد ببلادة وسذاجة إسقاط ما حدث في مصر على بلادنا رغم الاختلاف الكبير والجوهري..
أما على المستوى الدولي فلم يعد خافياً حجم التآمر الدولي وخطره الذي يقوده البيت الأبيض ومن خلفه اللوبي الصهيوني على الحركة الإسلامية وعلى فكرها الوسطي المعتدل الأكثر صموداً والأشرس مقاومة والأعنف عن المتاجرة بالأوطان وإرادة الشعوب.
 ومع أهمية الإلمام بأبجديات الخطة التآمرية وأدواتها التنفيذية في بلدنا، أجد أنه من الواجب الاهتمام بالجيش اليمني ومعرفة حجم نفوذ تلك الأدوات الخاضعة للأطماع الداخلية أو الخارجية من القيادات والجنود مع مواصلة العمل على الهيكلة الصحيحة وبناء العقيدة القتالية للجيش على الولاء لله وللوطن وللشعب وليس سواهم, السعي الحثيث للتوغل الناعم في مؤسسات الدولة العامة بالوزارات والسفارات والأجهزة والهيئات والقضاء والإعلام والجيش لتطهير تلك المؤسسات من رموز الفساد وبائعي الضمير، مع مواصلة الجهود لإحداث نهضة اقتصادية وخدمية شاملة يستفيد منها كل المواطنين..
وعندها نستطيع القول إن الحزب استطاع بجدارة النجاح في إنجاز المشروع الثوري التغييري وقيادة الشعب نحو التقدم والرقي والعدل والحرية والديمقراطية والأمن والاستقرار والتنمية.. وكل عام والوطن وإصلاحنا بخير.
إضاءة إصلاحية
لمؤسس الحركة الإسلامية في اليمن الشاعر المرحوم/ محمد محمود الزبيري
 أيها الغاضبون من ثقة الشعب بنا والمؤلبون علينا
 أيها المرهقون يأساً وغماً وانهماكاً في هدم ما قد بنينا
 أيها الحاسدون من أجل عبء قد ونينا من ثقله وأنحنينا
 لو حملتم من أمره ما حملنا لاشتكيتم من الأسى ما اشتكينا
أيها الزاعمون انا احتكرنا دعوة الحق وحدنا وانزوينا
 ما احتكرنا نضالنا بل دعونا فرفضتم أن تفهموا ما عنينا
 هالكم صبرنا على كل خطب فوقفتم من ذعركم...! ومضينا
 ساءكم أننا انفردنا بعزمٍ وصمود... وأننا ما انثنينا
 انتموا ... ليس نحن...غبتم ليبقى شرف الحق كله في يدينا
 يعلم الله أننا نتمنى لو رجعتم بعد العقوق إلينا
 بل وندعو أن تسبقونا وتجنوا ثمرات الختام مما ابتدينا
في السبت 14 سبتمبر-أيلول 2013 05:46:24 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=73018