مواطن أضناه البحث عن المواطنة!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

السياسة تعني فن الممكن, كما والسياسة بالمفهوم البسيط تعني إدارة شؤون المجتمعات سلباً أو إيجاباً، أما في الوقت الحاضر فالسياسة أكبر من أن تكون اقتصاداً مكثفاً أو فنا ممكناً, إذ صار معناها يتعدى التعريف القديم، إنها البدائل والخيارات والملكات والمهارات والقدرات والأدوات التي يمتلكها كل من يطلق عليه صفة سياسي وفي مختلف الظروف والأحوال.. فالسياسي ولحقبة موغلة في التاريخ ينبغي أن تتوافر فيه سمات المرونة والفطنة والذكاء والمكر والدهاء والصبر وحتى القوة والبطش إذا ما استدعت الضرورة، ففي أحايين عدة يصير السياسي أشبه بسمك قرش فتاك مفترس للكائنات الصغيرة وتارة يكون حملاً وديعاً أو ثعلباً مخادعاً أو سلحفاة مجهدة سؤومة أو أو أو من السمات المعروفة والمألوفة لدى كل من اشتغل في السياسة باحترافية ومهنية.. لكننا في زمن تبدلت فيه وتغيرت حتى المفاهيم البسيطة الشائعة عن السياسة والسياسيين، فهناك مفهوم البومة الحكيمة، مفهوم أخذت به أوروبا الحديثة كبديل حكيم لصراعاتها وحروبها المكلفة للغاية، فهذه الحكمة باتت وبمضي التجربة طريقة ناجعة في معالجة الأزمات والصراعات الناشئة بين الدول الحديثة المتطورة صناعياً واقتصادياً وديمقراطياً.. فما من مشكلة وأزمة عصية ومستفحلة إلا ويتم مواجهتها بحل مخترع مبتكر بعيداً عن الحلول الراسبة في ذهن كل طرف وبعيداً عن حسابات الاقتسام الآني المرضي المنصف في شكله، فمثل هكذا حلول ربما اعتبرت حلاً مرضياً ووقتياً للمتنازعين؛ لكنها وفي جوهرها وتفاصيلها تحمل بذور مشكلات وأزمات لاحقة. ما أشاهده الآن من خلاف وجدل بين النخب المتحاورة في مؤتمر الحوار لا يوحي بثمة تبدل في التعامل مع الخصم السياسي, إذ مازالت لغة البطش والفتك والتضليل والمداهنة والتخلف عن الركب هي اللغة السائدة والمؤثرة في مسيرة هذه البلاد الضائعة التائهة في مضمار عولمي متسارع لا يتوقف أو ينتظر أحداً. أسأل وبدهشة وحيرة: أين هي البدائل وأين هي الخيارات؟.. فإذا ما كان توحد اليمن بات قاب قوسين من تجزئة ثانية؛ فهل يعني ذلك استحالة الاتفاق على بديل آخر تستوي فيه معادلة التوحد؟.. صيغة الوحدة وفقا ومنطق سمك القرش الملتهم لكل من يقف في طريقه بكل تأكيد مثل هذا الأسلوب ربما أفلح في وقت من الأوقات في بسط نفوذه وإشاعة فزعة, لكنه اليوم لا يعني غير العبث وغير المزيد من الإهدار والإنهاك.. الأمر ذاته ينطبق هنا على تعامل الفرقاء مع قضايا تعد من صميم دولة المستقبل، فهذه قضية صعدة وقضية بناء الدولة والحكم الرشيد والعدالة الانتقالية جميعها لا ينفع معها التعامل بعقلية الثعلب المحتال أو بغباء وغلاظة الدب أو بصبر وجلد السلحفاة، فكل هذه القضايا يستلزمها عقلية وذهنية مختلفة كلياً, فواقع الحال يؤكد حقيقة واحدة وهي أن أغلب مشكلاتنا وأزماتنا تعد حصيلة لغلبة الاستئثار والهيمنة والإقصاء والبطش والحيلة والغدر والخوف والقتل, وسواها من مفردات ما قبل الدولة الديمقراطية المتحرر مجتمعها من قيود وأغلال الاضطهاد والاستبداد والظلم. أياً تكن المسألة فلم تعد مثل هذه المفاهيم القديمة ذات جدوى لمشكلات الحاضر المتخلق من روح العصر الحداثي المنحاز للحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والعلاقات المتبادلة القائمة على أساس الشراكة والندية والمنافسة، لا على التبعية والتفريط والتسول للمساعدات والهبات.. فما نحن في مسيس الحاجة إليه هو العقلية المبتكرة للحلول السياسية، فلطالما أنهكتنا العقلية المتشبعة بالأفكار التقليدية، تصوروا مثلاً: لو أن وحدة هذه البلاد لم تتم بناء على الأفكار الجاهزة التي ثبت فشلها في مواطن عدة!.. لكنها هذه الوحدة جاءت حصيلة لركام ماضوي نظري لا يستقيم مطلقاً مع متطلبات الزمن ومع المصلحة الجمعية؛ فكانت النتيجة مأساوية وكارثية ما فتأت تلقي بتبعاتها حتى اللحظة الراهنة التي مازلنا فيها في خضم جدل عقيم وسقيم وكابح لكل فكرة من شأنها معالجة الحالة؛ ولكن بأسلوب وطريقة جديدة. شخصياً لا أتحمس للحلول التقليدية الجاهزة لدى كل طرف، فمثل هذه الحلول كانت سبباً رئيساً ومباشراً في وئد التوحد ومن ثم وثيقة العهد والاتفاق وكذا التعددية السياسية، هذا إذا لم نقل أنها وراء ضياع دولة الجنوب وخلف هزيمة جمهورية الشمال.. لذا أجدني محبطاً ومتشائماً، وحين أقول محبطاً ومتشائماً؛ فلأنني لا أرى في المرحلة ثمة بدائل وخيارات مخترعة مبتكرة ملهمة دالة على دولة اتحادية مستقبلية قابلة للحياة والاستمرار.. فالتوحد بمعيار العاطفة والتاريخ التليد والرغبة الشخصية المتسلطة كان من تجلياته تمزق نسيج مجتمعي لم تنل من تماسكه قرون من التجزئة والتبعية للعثمانيين والإنجليز.. دعكم مما يقوله الزعيم الهمام الذي لولا تصرفاته الرعناء، ولولا غطرسته وفساد حكمه؛ لما احتجنا لثورة ولحوار ولوصاية دولية وإقليمية!, ليكن اهتمامكم منصباً في ماهية الدولة وفي ماهية القوة الضامنة, ليكن اهتمام الجميع في ماهية الأفكار الجيدة وفي ماهية المنافع والمصالح العائدة على كل مواطن أضناه البحث عن مواطنته المسلوبة المنتهكة المنتقصة!.
في الأربعاء 30 أكتوبر-تشرين الأول 2013 06:32:53 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=73510