حين تنتهي صلاحية الإنسانية
سمية الفقيه
سمية الفقيه

الشيء الوحيد الذي لا شك فيه, وفي ظل هذا الضباب الأزماتي المتصاعد يوماً بعد آخر على العالم ككل وعلى سماء وطننا الغالي بشكل خاص, أن منسوب الجانب الإنساني تناقص بشكل مخيف وبدأ يسقط تدريجياً, إن لم يكن قد سقط في يباب التوحش والتراجع للقيم الإنسانية والأخلاقية التي تنذر بقادم اشد فتكاً بكل ما يجمعنا ويدرجنا في قائمة البشرية بالمقام الأول وبقائمة اليمانيون الأرق قلوباً والألين أفئدة في المقام الثاني. وكوننا جزء من هذا العالم الذي يعيش معمعات وتجاذبات سياسية خطيرة وأزمات مفرطة في القتامة, فقد دخلنا أيضاً دائرة المعمعات هذه وزدنا فوقها أزمة أخرى أشد خطورة, وهي الأزمة الإنسانية وصار عندنا قصور شديد في فهم هذه الكلمة و مصابون بعمش إنساني مرعب ولم نعد نعرف لتطبيقها سبيلاً وتحولنا إلى صخور تقطر قسوة وسلاحاً وبنادقاً وسيطرت أحقاد السياسة والساسة على كافة المستويات العلمية والوظيفية والاجتماعية, والأسرية أيضاً وصرنا فقط نرتجي رحمة الباري في ظل هذا الوضع المشبوب بكراهية الأخر واللجوء إلى نسفه ومحوه بشتى الطرق المأساوية, سواء بالعنف والسلاح والقتل والذبح والشتائم هي اضعف الإيمان مطبقين وبشكل إجرامي مبدأ الغاية المقيتة تبرر الوسيلة الأشد شراسة وشراً. للأسف الشديد ابتعدنا مسافات كونية عن كل ما يربطنا بالألفة والرحمة والتكافل الاجتماعي فالنفور والتوجس والشك صارا اقرب إلينا من أنفاسنا وطغى هذا الشعور على الجميع حتى اصبحنا نرى بر الأمان محاطاً بعتمة أدخنة قلوبنا الحاقدة, أكثر من كونه محاطاً بأزمات معقدة تحيطنا حتى أخمص الفؤاد. لعل أكثر شيء يهدد أي بلد هو أن يفقد قاطنيه صلتهم بالأمان كلياً ويصبح كل ما يصلهم بترابه التوجس والارتعاش من قادم له أنياب وحش كاسر, وهذا بالفعل ما وصلنا إليه فلم نعد نأمن على أرواحنا من أرواحنا ويلحقنا الخوف إلى حيث ندعي النوم بينما عيوننا معلقة بين الأرض والسماء نرقب الضوء الذي مازال يدير لنا ظهره وبشدة ويرحل عنا ويخلفنا أنقاض بشر وأشباه أحياء. فكيف نأمن في واقع كهذا صار التكافل الاجتماعي أشبه بكائن مسخ شديد التوحش, فالأب يذبح ابنه؛ لأنه لم يعد قادراً أن يصبح أباً في أيام تعيسة أفقدته صلاحية الأبوة والابن ينتقم من أبيه والأم تغتال وليدها والأخ يفتك بأخيه بدم بارد, والأرواح في شقاق وافر غير مسبوق الحدوث والدماء تواصل جريانها والفتك يعبر بنا وبسرعة الضوء إلى أدغال الغابات النائية, والسياسيون أيضاً يفتك بعضهم بعضاً. أين نذهب من خيبات أملنا وانتكاساتنا في واقع يفرض علينا أن نحيا دونما ولاء لأرض بلادنا ولا إباء ولا إنسانية بيننا البين؟ كشعب مثقل بالجراح والانتكاسات وغدا الهدم يشاركنا مشوار الدقائق الفاتكة.

مؤلم جداً حينما يتحول الوطن لسلسة من الهزائم والجرائم والرعب الذي يتجدد كل يوم بتجدد الأحقاد التي غاب عنها الألفة كشعب واحد ولم يعد يميزنا سوى الاغتراب والغربة ووطن يعيش بيننا غريباً...فلماذا وكيف ولما؟ كلها أسئلة تغيبنا عن الوعي واللاإدراك ووصلنا لزمن وحشي لم تعد فيه الأجوبة شافية وكافية أو حتى واضحة المعالم, فالكل يمشي على هواه لمتاهات اكثر ضيقاً من نفوسنا المختنقة بعيداً عن كل ما يربطنا بإنسانيتنا الموءودة تحت جمر التقيحات والقباحات, تلحقنا اللعنات وتثقل كاهلنا الشرور وتغلب كفة الميزان, تلحقنا اللعنات حيثما يممنا الوجوه لنصحو على حقيقة مرعبة هي أننا محاطون بالشرور من كل اتجاه وبالتالي تضيق بقعة الضوء اكثر واكثر ومازلنا ننتحت على جدار أكلته الديدان المتوحشة ونسير بأقدام حافية فوق جمر من لهب. فما الذي كان سيحدث لو كنا جئنا في زمن آخر غير هذا الزمن القبيح المشوه المنتهي الصلاحية؟ لما كنا نسميه إنسانية.. ولك الله يا وطني النازف..

في الأحد 12 يناير-كانون الثاني 2014 09:33:53 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=74280