لو القرآن مازال يتنزل...لنزلت بنا آيات تتلى إلى يوم القيامة...
شهاب محمد رسام
شهاب محمد رسام

"القوات المسلحة والأمن درع الوطن الواقي والحصين الذي تتهشم عليه جماجم الأعداء" عبارة صحيحة لا ريب فيها وغيرها من العبارات المشابهة التي تحمل أوصاف جيشنا الوطني العظيم, وفعلاً فإن قواتنا المسلحة والأمن تتصف بكل هذه الصفات الرجولية الدفاعية والذي يتمنى كل مواطن يحب وطنه أن يكون أحد منتسبي هذه المؤسسة العظيمة.

 وكلما قرأت أو رأيت أو سمعت عن منجزات هذه المؤسسة وانتصاراتها وأعمالها الدفاعية كلما زاد فخري واعتزازي وثقتي بأن هناك عيون ساهرة تحرس في سبيل الله من أجل الأمن والأمان والاطمئنان ونصرة المظلوم والتقدم بالوطن نحو العلى بكل اتجاهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.....

إن منتسبي المؤسسة العسكرية في أي دولة كانت يجب أن تنحصر على أبناء الوطن الوطنيون وأن يتجرد كل من يلتحق بها من جميع انتماءاته الحزبية والقبلية والمناطقية وغيرها ويرتدِ الوطن بدلاً عن ذلك كي تصبح هذه المؤسسة مستقلة لا تدخل في صراعات جانبية وتنحاز إلى فئة معينة أو حزب أو ما شابه ذلك وتتحول من نعمة دفاعية إلى نقمة تقتل الوطن بالمواطنين. فلو نظرنا إلى بعض الدول المتقدمة, مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة بقوتها العسكرية المنتشرة في أماكن مختلفة من العالم والتي تخوض الآن معارك في دول أغلبها عربية وإسلامية, فإننا نجد أن أغلب منتسبو جيشها هم من أصول أجنبية منها العربية والإسلامية, لكن ما يذهل هو الوطنية الحقة التي يمتاز بها هؤلاء أياً كانت جنسيته الأصل إلا أن قوته وطاقته وحبه هو وطنه الثاني.

 كل هذا يخلق استفهام غامض هو كيف تربت هذه الوطنية في قلوبهم؟ وكيف استطاعت قياداتهم تربيتها بهذا الشكل رغم الاعتداءات والحروب الظالمة التي تقوم بها أمريكا ضد الآخرين؟ وكيف أولتهم الثقة رغم معرفتها بأصولهم ودياناتهم؟ كل هذا يعتمد على بضع كلمات تنصفه وتعطه حقة غير منقوص اتخذتها السلطات في دستورها وكتبتها في سطور على أوراق وطبقتها على أرض الواقع, وفي المقابل وضعت جزاءات وقوانين صارمة تحرس تلك الكلمات ضد كل من يتساهل أو يحاول مخالفتها وعلى هذا النهج ساروا وسار خلفهم الصغير والكبير.

ليس من الضرورة أن يكون العدو أمامك صفوف وفي أرض المعركة في مواجهات ظاهرية, لأن ذلك أسلوب تقليدي قديم يبدأ بخطط قتالية وتكتيكات هجومية وينتهي في غضون أيام يفوز فيها أحد الطرفان مع سقوط قتلى وجرحى وأسرى وهدم للمنشئات والبنى التحتية وغيرها من مخلفات الحروب لكلا الطرفين, لكن العدو الحقيقي هو ذلك الذي يوجه إليك ضربات قاضية دون أن تعلم مَن وأين يكون!! معتمداً بضرباته على الجانب المعنوي والفكري قبل الضرب التقليدي بالسلاح والعتاد العسكري المعروف.

 عدوٌ تقتاده بكلتا يديك وتطلعه على جميع نقاط ضعفك, تسلمه شفرات ومفاتيح أسرارك في حفل عسكري مهيب أمام مرأى ومسمع من الجميع, تقلده الأوسمة والنياشين وتجعل بين يديه روحك يتمتع في إخراجها من جسدك بأي طريقة تحلو له وأنت تبتسم إليه ببراءة طفل بينما يبادلك هو ابتسامة بأنياب الليث.

إن القوات المسلحة والأمن هي الجهاز المناعي للدولة يقاتل كل من يحاول الاختراق والتسلل إلى جسد الوطن, ليس هذا فحسب بل وينشئ له مضادات لمنعه من المحاولات مرة أخرى ويعالج كل الأسباب والمسببات التي فتحت الطريق لها, وهكذا يضل يقظاً يحرس وطناً بأكمله ولا يحتاج لأي مساعدات خارجية والتي قد تنعكس سلباً عليه في حياته ومهماته.

إن العدو الذكي إذا أراد أن يخوض معركة مع خصمه لا يتسرع فقد يكون هو الضعيف في العتاد والعدة ولو تسرع قد يواجه ضربات مؤلمة تخمده إن لم تقضِ عليه, ولكن يستخدم قوته العقلية في اختراق صفوف الخصم ويُـثـبِّـت لنفسه قواعد وجذور من خلالها ينتشر في جسد الجيش كله ويتغلغل في الأعماق ضمن سلسلة بدايتها نقطة ضعف ونهايتها السيطرة الكاملة تحت حراسة مشددة بأرواح وأجساد الجنود الأبرياء المنفذون للأوامر فقط فيصبح العدو يسرح ويمرح, يزيح من أمامه من يريد وينصِّب من يريد ويرقي من يريد, يقتل كل قلب حي ويفتح لنفسه بوابة واسعة من خلالها يمتص قوى خصمه بكل حكمة وتأني, ويعبث بالدولة بأكملها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً بمساعدة وحماية كبار الدولة وقادات خصمه.

 سأربط هذا بواقع تشهده قواتنا المسلحة والأمن في وقتنا الحاضر, إن أبطال قواتنا المسلحة والأمن تخوض معارك شرسة ضد عناصر تخريبية خارجة عن القانون تريد تدمير الوطن عن بكرة أبيه يروح ضحيتها شهداء مظلومون يقاتِلون معصوبو الأعين لا يعرفون حقيقة ما سيصلون إليه ومن الذي اقتادهم إلى هذه الطريق الوعر التي تقدمهم لقمة سائغة إلى فم العدو جماعات وأفراد دون أن ينتاب قلوبهم أدنى شك من قاداتهم.

 والغريب في هذا أن المعارك التي أقصدها تدور في الوسط البيئي بين الأهل والمساكن والمنشئات والمرافق, فكلاهما يستخدم السلاح نفسه من ذات المبادئ والمخازن وكأن القاعدة جيش نظامي لدولة أخرى وليسوا من أبناء هذا الوطن.

يواجه الجيش مفاجئات مرعبة حين يدرك أن العدو يعرف أسراره وتحركاته, يقع ضحية الغدر والخيانة كلما حاول التقدم, يستقبل الضربات من الخلف والوسط دون أن يرى للقاعدة وعناصرها وجود بينما يشبك يداه بأيديهم ويقتادهم نحو موته, يمدهم بالسلاح كلما نقصوه دون أن يعلم, تدمع قلوب الحماة كلما تلقوا أوامر من شأنها تخدم العدو الخفي, يرى الحماة قبورهم بقلوبهم قبل أعينهم كلما وجدوا العدو يستخدم السلاح والعتاد الخاص بهم, تنهار معنوياتهم شيئاً فشيئاً حتى يجدون أنفسهم بساحة ضيقة يحيط بها العدو من كل الاتجاهات, وفي مثل هذه المواقف فلا يسعهم إلا أن يقاتلوا ويكافحوا من أجل حياتهم وحياة إخوانهم, ومن هنا تنشأ القوة الحقيقية في قلوبهم ويقذف الله في قلوبهم الصبر والثبات فيحققون انتصارات عظيمة ويدحرون الخائنين لله والوطن, وتبقى المشكلة العظمى بعدم معرفتهم بالخائن المندس بين صفوفهم وتظل المعركة قائمة يروح ضحيتها الشرفاء والوطنيون, وفي المقابل تُحصَّن دماء الخونة والمندسون ومعادلة عكسية تعبث بالوطن.

إن مثل هذا العدو الجبان لا يجرؤ على المواجهة في أرض المعركة فيسلك أحقر السبل في الانتقام الجبان كأن يقوم بالاغتيالات والتصفيات الجسدية لكل بطل وطني شريف وكل من حاول الاقتراب من كشف حقيقتهم وحقائقهم, وكلما أحسوا بالضعف استخدموا العنف كما حدث في مجزرة السبعين وكلية الشرطة ومجمع الدفاع وغيرها.

 إن دل هذا على شيء فإنما يدل على حنكة العدو القذرة التي استطاع بها اختراق الجيش والعبث بمصادر قوته, فقد فقصت بويضات الخائنون في كل الدوائر العسكرية والمدنية وبكثافة, كان سببها الجهل والتخلف وحب الأموال والدماء, فاستخدم العدو الأماكن الحساسة في الجيش استخداماً همجياً من شأنه خدمته وإرضاء قبيلة أو عصابة أو حزب دون الرجوع واختيار أصحاب العقول السليمة, واستخدم القوة والعنف لفرض مثل هؤلاء الأشخاص فكانت تلك هي الطريق السليم للقاعدة في الاختراق والتشعب والاستيطان.

 ودخل أعضاء القاعدة رافعي رؤوسهم وبأموالهم واعتلوا المناصب العليا فأمورهم مطاعة وأوامرهم تُـنـَفّذ وتقاريرهم يُعمل بها وأصبحوا مصادر موثوقة يعتمد عليها في الحرب والسلم في التخطيط والتكتيك, ومن هذا المنطلق بدأوا باستخدام الحرب المعنوية على المقاتل, صادروا مستحقاته, أجبروه على المواصلة بالأجر الضئيل, فمن أجل حياة أسرته حرموه السعادة في حياته, استخدموه خيلاً يجر عرباتهم في حر الشمس وظلمة الليالي, أيقضوه كي يناموا وولوا عليه أبنائهم وأقاربهم وجهزوه وأرسلوه فريسة سهلة إلى زبانيتهم في الميادين.

 فكانت الحرب الطاحنة الصامتة, فقُتل ويُقتل فيها المتعلمون والوطنيون والأبرياء ويرتقِ فيها الجهلة والمخربون ويداس الوطن تحت الأقدام بقوة السلطة ويشَيَّع فيها أشلاء الوطن في مواكب جنائزية مهيبة يتخللها موسيقى وطنية حزينة تنتهي ببرقية عزاء ومواساة مفادها (إنا لله وإنا إليه راجعون).

في الجمعة 21 فبراير-شباط 2014 10:15:28 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=74750