بفقدانه.. فقدت تعز خاصة واليمن عامة كتلةً من القيم والمروءة
محمد مقبل الحميري
محمد مقبل الحميري

‏يحكى أن رجلاً ثرياً كان يصفه الناس بالبخل لعدم كرمه وعطائه للآخرين، وكان يتقبل هذه الصفة بكل برود، ولا يثيره هذا النعت من قبل الآخرين.
عندما مات هذا الثري البخيل انقطعت كفالة ألف أسرة؛ كان فاعل خير يكفلهم بشكل دائم دون أن يعرفوا من فاعل الخير هذا الذي يكفلهم، وبوفاة هذا الرجل وانقطاع المدد عنهم هنا عَرف الجميع أن هذا الثري "البخيل" هو الذي كان يكفلهم، ويساهم في أعمال خيرية أخرى، ولم يأبه لكلام الناس عنه ووصفه بصفة البخل لأنه كان يعمل ذلك لمرضات الله وليس لكسب شهرة أو لان يمدحه الناس..
هذه الخاطرة ذكرتني بأحد الأثرياء فقدناه قبل شهور بانتقاله إلى جوار ربه، كثير من الناس آخذين عنه فكرة على غير حقيقته لأنه لم يكن ليعير الإعلاميين ومن لديهم وسائل الترويج للأشخاص، ولكن على الواقع انقذ كثيراً من المعسرين المسجونين وكل مدراء السجون ورؤساء النيابات في اليمن يعلمون بدوره، وانقذ الكثير من حبل المشنقة بدفع الديات عنهم وساعد كثيراً من المرضى والمصابين.. كثير من الناس لا يعلمون انه هو من تكفل بعلاج الأشخاص الذين أصيبوا بأول قنبلة ألقيت على المعتصمين بساحة الحرية بتعز ودفع خمسة ملايين ريال- عبري شخصياً- لتكريم اسر شهداء مسيرة الحياة وطلب مني عدم ذكر اسمه، بعد وفاته التقيت بكثر من البسطاء يبكون عليه وأتى بعضهم من محافظات عدة لتقديم العزاء رغم قلة الإمكانات لديهم.
حدثني احد الأخوة الأفاضل من أبناء منطقة الرمادة: انه التقى بأحد أبناء مدينة عدن من عامة الناس الفقراء واخبره انه كان يعالج أبناءه من السرطان في القاهرة، وكان قد نفدت كل ما لديه من نقود واسودت الدنيا في وجهه وفجأة التقاه هذا الرجال الذي أحدثكم عنه، وعندما عرف بحالته وما يعانيه تكفل بعلاجه مع كافة أبناءه حتى شافاهم الله من مرضهم، وأثناء لقاء في مقيل جمعني بالدكتور عبدالملك البعداني- شقيق النائب البرلماني صادق البعداني- وبالفنان الكبير محمد عطروش وعندما ذكر احد الحاضرين فقيدنا هذا؛ إذ بالفنان عطروش يحدثنا والحزن بادياً على وجهه. وعيناه تكادان أن تدمعا, فقال لقد أصبت بمرض وكذلك زوجتي وطرقت كل الأبواب الحكومية حتى وصلت رئاسة الجمهورية ولكن دون جدوى, فاستسلمت لقدري الذي كتب، فجمعني الله بهذا الرجل على غير ميعاد وسألني عن حالي وعندما علم بما أعانيه قال لي: أنا سأعالجك بإذن الله على حسابي, لم أُصدق الخبر حينها واذا به يكلف من يرتب إجراءات سفري مع أولادي, فسافرت للعلاج وكان يطمئن عليّ بنفسه بين فترة وأخرى حتى شافاني الله بعد أن كان اليأس قد بلغ بي مداه، وبقي يتعهدني بالمساعدة حتى توفاه الله، اتصلت به قبل وفاته بشهر وسألني عن صحتي وقلت له: إن شاء الله التقي به في قادم الأيام, فرد عليَّ بقوله" لا اعتقد أننا سنلتقي مرة أخرى" وكأنه كان يرى أن أجله قد أزف". انتهى كلام الأستاذ عطروش.. وتناول الحديث بعده الدكتور عبدالملك البعداني فقال: عندما كنت ملحقاً طبياً في القاهرة التقيت بالحاج الفقيد وكانت أول مرة التقي به أعطاني مبلغاً محترماً من المال وقال لي" انفق هذا المبلغ على من تراه محتاجاً من المرضى اليمنيين ومن ذمتي إلى ذمتك".. ومن أمثال ذلك الكثير.. وكان رحمه الله مجرد ما يسمع أذان الصلاة يقوم مباشرة ويلقي بالقات من فمه ويتوضأ ويؤدي الصلاة في وقتها. وشهادة لله فقد التقيت به مراراً ولم أره مرة واحدة يتقاعس عن أداء صلاة المغرب جماعة..
ذكرت بعض أعماله الخيرة باعتباره قد انتقل إلى جوار ربه ورسولنا الأعظم يقول " اذكروا محاسن موتاكم ". ولأن الكثير لديه معلومات مغلوطة عن هذا الرجل وكل من عرفه عن قرب يجده عكس ما يذكره به الذين لا يعرفونه وأنا شخصياً كانت معلوماتي قبل معرفته مستقاه ممن يشوهون صور الآخرين لسبب أو لآخر.. وصدق سيدنا عمر بن الخطاب عندما جاء احد الناس يشهد انه يعرف فلاناً من الناس, فرد عليه الفاروق بأسئلة محدده: هل سافرت معه؟. قال لا, هل تعاملت معه بالدرهم والدينا؟. قال لا, فقال له الفاروق لعلك رأيته يطيل السجود. قال: نعم, فقال له : إذن لا تعرفه.
بفقدان هذا الرجل؛ فقدنا كتلة من القيم والمروءة!.
هل علمتم من هو؟!.. إنه فقيد تعز خاصة واليمن عامة الحاج توفيق عبد الرحيم مطهر- رحمة الله عليه.. ونسأله تعالى أن يجازيه خير الجزاء ويتجاوز عن سيئاته، ويجعله ووالدينا في عليين.. انه سميع مجيب.. اللهم آمين..
 
في الثلاثاء 25 فبراير-شباط 2014 12:54:08 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=74799