سُحقاً لأحزابٍ أهلكت الحرث والنسل
شهاب محمد رسام
شهاب محمد رسام

تعدد الأحزاب السياسية في بلادنا يعتبر ظاهرة فريدة من نوعها في العالم كله – كما أعتقد – من حيث أسلوب استخدام المفهوم العام والأهداف والمبادئ السياسية.
 إن أي شعب يريد التقدم والتطور لوطنه والبحث عن الحياة الموازية لعصر التقدم والعولمة لابد عليه أن ينبذ سلطة الرأي الواحد وأن يتجه صوب مبدأ الرأي والرأي الآخر والشورى في الأمر والوصول إلى الحل الصائب واعتماده بغض النظر عن من جاء به ولأي طرف كان, ولم يكن ذلك إلا عن طريق التعددية الحزبية بمفهومها الأصلي لا بمفهومها المصلحي.
إن ظهور أي حزب معارض في أي دولة من دول العالم يعني ذلك أن الحزب الحاكم أو أحد الأحزاب الأخرى له أخطاء أو هفوات من شأنها عرقلة بناء دولتهم وتطورها, وأن ذلك الحزب الجديد ظهر معارضاً لذلك, ومفهوم معارض هنا بمعنى سنداً وعوناَ للحزب الآخر صاحب الخطأ, ليس من أجل الزج به وبالوطن إلى الحضيض بل من أجل رده عن خطأه وتنبيهه بما قد يسببه ذلك من خسارة على الوطن لا على حزبه أو جماعته.
في بلادنا والحمد لله مازال التقدم الحزبي ملحوظاً والمنافسة الشديدة بين الأحزاب مازالت مستمرة ولكن في سبيل بناء الأحزاب والعصابات لا في سبيل بناء الوطن, المنافسة في صناعة المشاكل والفخاخ والكمائن لبعضهم البعض لتشويه السمعة وإضعاف القوة وإهدار المال العام والخاص ومحاولة الظهور بجدارة لاحتكار الموارد البشرية التي تزيد من عدد منتسبي الحزب باسم الوطن, والوطن هناك وحيداً تحت حرارة معاركهم يغني بصوت حزين "لنا الله".
عندما أتكلم عن الأحزاب فإنني لا أخص حزب بذاته أو أميل إلى حزب معين فالأحزاب كلها معارضة لبعضها البعض وكلها عدوة للوطن إن استمرت بهذا الشكل, فالغريب في ذلك أن الصراعات في اليمن تعاونية وتكافلية وكل حزب يقف إلى جانب الآخر من أجل الفوضى وإفشال خطة ما أو هدم مشروع من شأنه بناء الوطن أو تهدئة الأوضاع وكل ذلك بمفهوم التعددية الحزبية والمعارضة التي كفلها لهم الدستور بمعنى وفهمها قادات حزبهم بمعنى آخر.
لقد أنتجت هذه الصراعات الحزبية تفرقة عنصرية ودينية ومناطقية وأصبحت كخلية سرطانية لا يمكن التحكم بانتشارها, فكل صاحب فكرة دينية أو عقائدية أو مناطقية أو مصلحية, لهث حثيثاً وراء الدعم المالي والبشري وانشطر هنالك عن الكيان بحزب جديد وبدأ يركل الوطن كما يركله السابقون في ميدان التعددية.
أيها العاقلون - كما يسموكم - إنكم لمجانين, فالعقل ليس بالمنصب والجاه والمال أو بالدرجة العلمية التي يمتاز بها الكثير من الناس في وقتنا الحاضر, فكل حزب من الأحزاب في اليمن يمتاز بثروة هائلة من أولو الألباب والبأس الشديد وكلاهما وما بين ذلك من الدرجات العلمية الكبيرة والخبرات والتخصصات المختلفة والأعمار المتفاوتة أغلبها إن لم يكن كلها في سن الرشد, إنما العقل في استخدام ذلك من أجل بناء الشعب والوطن, وما لديكم اليوم بالنسبة للوطن لا يسمن ولا يغني من جوع.
أهدافكم كما تدّعي بنود أحزابكم هو بناء الوطن والشعب, أخلاقكم كما يجب أن تكون هي الإخاء والتواضع, مروءتكم كما هو معروف عن أسلافكم إكرام الضيف ونصرة المظلوم, قلوبكم كما قال عنها رسول الله (ص) أرق قلوب وألين أفئدة, وكما آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار فقد آخى بين اليمنيين والإيمان والحكمة وغير ذلك من الأوصاف الكثيرة والكثيرة, وكل ذلك استخدمتموه سلباً لا إيجاباً, هدماً لا بناء وتزعمون أنكم سادات القوم وعقلائهم.
ما الذي بنته أحزابكم غير التفاهة والسفاهة والكراهية؟ أصبحت البيت الواحد تنقسم إلى عدة طوائف, وزُرعت هنالك الحماقة والعداوة بين أفراد الأسرة الواحدة بمفهوم الديموقراطية, تفرق الناس واتجه كلٌ نحو مصلحته وهدم مصالح الآخرين, فبدل أن تكون المعارضة لبناء الوطن أصبحت المعارضة للترصد وهدم الوطن, حتى وصلت معارضاتكم إلى أتفه وأحقر السبل في السب والشتم والقذف وأشياء أخرى يندى لها الجبين.
عوضاً عن الإنجازات الوطنية والخدمات الضرورية والعلاقات الصادقة لإثبات وطنيتكم وصدق معارضاتكم, استخدمتم المناصب والمال العام والدين والعواطف والمشاعر والفقراء من الناس وغيرها لبيع الوطن وخدمة الشيطان, ووصل ببعضكم الحال إلى عدم إفشاء ورد السلام وزيارة بعضكم إن لم يكونوا من نفس انتمائكم.
أيا مَن يقال عنكم عقلاء وعلماء وأكاديميين وقادة وغير ذلك, دعوا الحزبية جانباً ولو لمدة عام واحد وانسوا ما كان بالأمس واشبكوا أيديكم إلى بعض وقلوبكم إلى قلب رجل واحد وابنوا الوطن والشعب, واطردوا الشيطان من أوساطكم فالوطن يتسع لنا جميعاً.
أو ابحثوا لكم عن ملجأ بعيد عن العالم وارحلوا جميعاً وخذوا كل الأموال والثروات واتركوا لنا الوطن نحبه ويحبنا ونعيش بأمان إلى أن يشاء الله.
Shehabrasam2@yahoo.com
 
في الأربعاء 26 فبراير-شباط 2014 10:45:05 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=74802