الوصاية وعودة الاستعمار (1-2)
د. عبد الله بجاش الحميري
د. عبد الله بجاش الحميري

ظلت أمتنا العربية والإسلامية ترزح تحت وطأة الحكم الاحتلالي الاستعماري الغربي حيناً من الدهر، وذلك بعد سقوط الخلافة الإسلامية، التي كانت أمتنا مجتمعة تحتها مع ما في تلك الخلافة من مآخذ، بيد أنها كانت باجتماعها تمثل مهابة للخصم الذي استطاع شراء بعض خونة الأمة من زعماء سياسيين وتجار فجرة، كي يقوموا بثورة لمحاربة الخلافة والدعوة إلى الانفصال عنها، تحت دعوات شعبوية يقودها خونة داخل الأمة يطمعون بالحكم والاستبداد تحت أي مبرر، رغم أنهم كانوا في ظل الخلافة في عز وكرامة، ولكنهم فقدوا الولاء للدين وسيطر عليهم الجهل السياسي، وظنوا أن الكافرين لهم مواثيق وعهود، وبعد سقوط الخلافة وزع الاحتلال الغربي بلدان وشعوب المسلمين كغنيمة بينهم وظل أولئك الحكام الخونة الذين ساعدوا على سقوط الخلافة عبيداً لسيدهم المستعمر من المغرب إلى المشرق وعاث في أراضي المسلمين فساداً ونشر الفساد الأخلاقي وعمّق الجهل وأرسى معالم الفقر والظلم للشعوب من خلال إتاوات شهرية يؤديها لأولئك الخونة، الذين نفذوا هدف المستعمر في تمزيق الخلافة، ثم إنه ربّى خونة احتياطيين ليسلم لهم البلاد حين تثور البلدان على الاستعمار، لقد قامت شعوبنا بالثورة وطالبت الاستعمار بالرحيل وبذلت ملايين الضحايا من أجل رحيل المستعمر الذي سلم بلداننا من يده الشمال ليده اليمين، كي يبقى استعماره الفكري والاقتصادي والسياسي بكل أشكاله يحكمنا بتلك المفاهيم الاستعمارية، وظل الحكام الجدد على ارتباط بالمستعمر في كل شؤون الحياة العسكرية والأمنية والاقتصادية والفكرية، وتوسعوا في دائرة فرض التخلف والفقر على الشعوب أكثر من أسيادهم ومنذ استقلال البلاد العربية ظل العسكر والأمراء والملوك الذين أرضعتهم بغال الاستعمار وربتهم مومسات الغرب كل في موقعه يحكمنا لصالح الاستعمار، الذي كان في بلده، واليوم قامت ثورات نوعية في البلاد العربية لتغيير هذا الواقع المر، فتحرك الغرب للتدخل خوفا أن تؤول القيادات لحكام لا ارتباط لهم بالغرب وحتى لا يقوم حكم مصدره الشعب فتفقد الدوائر الاستعمارية مصالحها وتفقد استراتيجياتها في تعاملها مع شعوبنا الإسلامية، ومن ثم أوعزت لمجلس الأمن للتدخل كمؤسسة دولية معترف بميثاقه الجميع، وبدأ مجلس الأمن يدب داخل شعوبنا ويرسل أبناء السي آي إيه ويتدخل في قضايا توراتنا ويصدر قرارات تعيد الوصاية الاستعمارية عليا تحت السلاح الأممي، ونحن في اليمن عندما نقرا وثيقة مجلس الأمن المصوت عليها أخيرا ندرك جليا أنها وثيقة عائمة لا يعرف أحد مصلحة الشعب، ولا يدري فيها عدوه من صديقه، وهي تفتح المجال لتدخل قوى الاستعمار متى شاءت ومتى شعر الغرب بتزلزل مصالحه، ويكفينا أن نشك بها أن صائغها المستعمر البريطاني، لم تتضمن الوثيقة الثوابت الوطنية التي يلزم المجتمع الدولي حمايتها ولم يبين صفات المعوقين لحركة الثورة ومن هم بالضبط بحيث يجعل الجميع عند اعتراضه معوقا وإرهابيا كما هو الواقع في مصر، ولم يحدد في نصوصه إجراءات التدخل، ومن هو الذي يجب منعه، وهذا يعني أن الثوار يمكن إذا ثاروا على أوضاع فاسدة، كما حصل في فبراير أن يكونوا معوقين للممارسة السياسية، فهذه الوثيقة جعلت اليمن تحت الوصاية الدولية ولا ينكر ذلك إلا أحد جهتين: جهة ليس لها فقه سياسي ممتد عبر إدراك قراءة استراتيجية المستعمر، أو جهة تنفذ مطامع المستعمر في البلد لتحل محل النظام السابق، كي تجعل اليمن رهينة تحت مصالح قوى الاستعمار العالمية، والمطامع الإقليمية التي لا تريد لشعبنا الخروج من الظلم والظلام، اقرؤوا الوثيقة وانظروا كم ذكرت فيها مبادرة دول الخليج واعتبارها خارطة طريق دائمة لليمن، وهي خارطة في أصلها سيئة لكن شعبنا بحكمته استطاع الخروج منها والمفروض أنها انتهت بانتهاء عمرها المحدد سنتين فلماذا جعلتها الوثيقة الأممية وثيقة حل دائمة من المعروف للقاصي والداني أن المبادرة كان هدفها الرئيس القضاء على الثورة، وحرمان شبابها من المشاركة الفعالة لقيادة البلاد، وتسليم الدولة لمخلفات النظام السابق ومن له به ارتباط ، ولا يغرنك زعماء الأحزاب الذين رحبوا بها فهم قد بلغوا من الكبر عتيا، ونخر فيهم الهرم، فلم يعد عندهم قدرة على الجهاد لاستقلال البلاد وحماية ثوابته واستقلاله ووحدته، وربما يخافون على قصورهم من الدمار بطائرات دون طيار، وعلى أرصدتهم من التجميد والمصادرة في البنوك هنا وهناك.


في الثلاثاء 04 مارس - آذار 2014 11:45:30 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=74840