في الاذهان لا في الجثامين !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

قبل أيام أعلن تنظيم "داعش" عن إعدامه لأربعين مسلحا من جبهة النصرة في سوريا، وقبل عملية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هذه كانت مواقع التواصل في الأنترنت قد تبادلت ما قالت إنه لأحد الفصائل الجهادية؛ إذ نشرت "يوتيوب" فظيع وشنيع لا أعلم كيف سيكون انطباع الآخرين عنا وعن ديننا الإسلامي الذي تقترف باسمه هذه الفظاعات الوحشية؟.

فهذا ضابط أسير يتم جز رأسه بمدية تقربا لله ونصرة لدينه، وذاك يُبقر بطنه وينزع فؤاده ومن ثم- وفي مشهد تراجيدي درامي سينمائي مرعب- يتطوع أحدهم لالتهامه أمام عدسة الكاميرا وكأنما فعله الوحشي البربري محاكاة لفعلة "هند" بنت عتبة بكبد الحمزة المغدور به في معركة أُحد، فلم تكتف بقتله غدرا وبنبل عبدها وحشي لا بحسام أشراف بني أمية؛ إذ زادت وبالغت في وحشيتها ولحد إخراجها لشوي جثمان وتمزيقه ولوكه في فمها ولكأنها "دراكولا" الولع بدم ضحاياه.

لم يمض على فظاعات "داعش" أيام حتى أقدمت جماعة إرهابية على ارتكاب مذبحة شنيعة بحق جنود نقطة أمنية في حضرموت محيلة المكان وفي دقائق معدودة إلى ما يشبه سلخانة بشعة ومروعة تربأ النفس السوية فعلها في سلخانات البقر والخنازير؛ فكيف بعشرين نفس آدمية تم قتلها عدوانا وغيلة فيما أصحابها سادرون نائمون أمنون عُزل؟ .

فعلى فرضية أن المهاجم عدو وخصم؛ فهل يجوز قتل الأسرى والعزل؟ أي دين وقانون وعُرف يمكنه تبرير قتل الأسير والأعزل؟ لا أعلم كيف صارت نقطة أمنية في صحارى حضرموت هدفا مثاليا لتنظيم دولي يدعي بأن معركته سامية وسماوية؟ كيف ستتقبل الإنسانية فظائع مثل هذه التي يذبح فيها الأعزل والأسير كشاة ووسط مظاهر صاخبة بآهات الضحية وبتكبيرات جماعة الرعب المهللة "الله أكبر"؟ .

كيف بات قتل العسكري النائم والأسير وكذا اقتحام مستشفى وتصفية أطبائه ومرضاه وزواره غاية مثالية تستحق الموت في سبيلها؟ فالإسلام لا يقر القتل والتفجير وقطع الرؤوس.. والجهاد إذا لم يكن مبتغاه إجلال النفس البشرية وإحلال العدل والحق وحفظ الحياة الكريمة وإشاعة قيم التسامح والتعايش والتعارف؛ فهذا ليس جهاداً بل بهتانا عظيما بحق الله ودينه ورسله.

الشيخ عبدالله المطلق.. نسبت له قناة العربية قوله: فكرة الجهاد اختلفت باختلاف واقع المجتمعات الإسلامية".. كان حرياً به وبالشيخ عبداللطيف آل الشيخ وأمثالهما من فقهاء السلطان والجهاد في السعودية واليمن ومصر والسودان وغيرها, الاعتذار للأمة الإسلامية كافة.

فالإرهاب وجماعاته ليست إلا نتيجة لفتاوى جهادية نشأت من رحم الوهابية وبدعم من أمراء النفط.. فوفقا للمفكر "فهمي هويدي" الوهابية ثلاث فئات, واحدة منها تحتكر الإسلام لمصلحتها، والثانية تختزل الإسلام في مجموعة من الطقوس والشعائر، فيما ثالثها تفصل بين العقيدة والأخلاق.

فمن الفئة الأخيرة ولد إرهاب القاعدة والشريعة وداعش وطالبان ومن احتكارها للإسلام وتكفير الآخرين نشأ العنف كبذرة في أذهان مئات المجاهدين في جبال أفغانستان واليمن وكشمير إبان حقبة الحرب المستعرة أوارها بين قطبي الشيوعية والإمبريالية.

كان ولابد من عمل مراجعة ذهنية من شأنها إعادة الكثير ممن تم التغرير بهم في كفاح ظاهره تطهير دول الإسلام من رجس الإلحاد الشيوعي فيما باطنه إضعاف وإنهاك إمبراطورية الشر "الاتحاد السوفيتي" والدول الدائرة في فلك الاشتراكية والتقدمية المناهضة للاستعمار والرأسمالية المتوحشة.

انتصرت أمريكا والغرب الرأسمالي وهزم الروس والشرق الاشتراكي؛ ومع هول ما حدث, هذه المراجعة لم تتم، وإن شئتم قولوا لم يتبناها النظام السعودي مثلما هو الآن نافض يديه من تنظيم القاعدة وفروعه، ومن داعش والنصرة، بل وأكثر من ذلك إذ كان المرسوم الملكي قد جرم الانتماء إلى الحركات الإسلامية كافة بدءا بداعش والقاعدة والنصرة مرورا بأنصار الله وحزب الله وليس انتهاء بالإخوان المسلمين.

الكاميكاز كلمة يابانية تعني الرياح الإلهية غير أنها تحولت إلى الموت في سبيل الوطن أواخر الحرب الكونية الثانية وذلك عندما قرر الجيش الياباني استخدام جنوده الشبان في شن غارات جوية انتحارية لضرب الأسطول الأمريكي قبالة ساحل الفلبين وهي الهجمات المتعارف عليها حتى يومنا بهجمات الكاميكاز.

وإذن غسيل الدماغ بأفكار ومعتقدات أيديولوجية وقومية كان وسيلة ناجعة ثبت كفاءتها في الحروب المزهقة لملايين القرابين؛ فكيف لا يجدي نفعاً لجماعات دينية اعتقادها نابع من قدسية حربها للكفرة والمشركين والموالين لهما؟ كيف لا وهي من اختمرت في ذهنها فكرة الولاء لرب السماء ووكلائه في الأرض والبراء من سواهما ولو كان من بني جلدتهم ودينهم؟.

وكيف بأناس يستظلون براية: القرآن دستورنا– الجهاد سبيلنا– الموت في سبيل الله أسمى أمانينا– الله غايتنا– الرسول زعيمنا– الجنة مقصدنا – الشهادة أمنيتنا– الفردوس والحوريات في انتظارنا؟.

فما من شيء يأتي من الفراغ أو العدمية؛ فحتى الخرافة والأسطورة المنافية للعقلانية مضغتها ومنبتها ذهن الأنسان وخياله.. فالجنة والنار، النعيم والجحيم، الموت والحياة، المحبة والكراهية، الانفتاح والانغلاق، التطور والتخلف وسواها من المفاهيم والمفردات التي محلها العقل البشري قبل أن تصير سلوكا سلبيا أو إيجابيا.

وبما أن دماغ الإنسان مسؤول عن كامل تصرفات الجسد فليس بالضرورة هنا أن يكون الإرهابي يقاتل تحت راية سوداء كتب فيها لا اله إلا الله, كي ينسب إلى القاعدة أو انصار الشريعة أو داعش أو النصرة أو أن يحارب في سبيل الاصطفاء الإلهي المستوحى من تلمود موسى أو إنجيل المسيح.. فالإرهاب في حقيقته لا وطن له، لا جنس له، لا دين له.

إنه عبارة عن لوثة ذهنية دماغية فكرية صاحبها قد يكون جاهلاً متعصباً لتأويل خاطئ لنص في القرآن أو التوراة أو الإنجيل، وقد يكون الضحية هنا قربانا لفهمه القاصر ولتعصبه أيضا لنظريات وشعارات واعتقادات قومية ووطنية وطائفية وأيديولوجية وكفاحية وفكرية وضعية كتلك الموجودة في كتب لينين وماركس وجيفارا وميشيل عفلق وهتلر وموسو ليني وحتى صموئيل هيمنتيغون وفوكو ياما.

 فالمهم هنا كامن في الفكرة الخاطئة المستوطنة ذهن الإنسان وتحديدا الشباب المراهقين والجهلاء الذين أعدهم وقودا لهذه المعركة المهلكة المستنزفة المعطلة لنهضة وتطور وازدهار شعوب مازالت قابعة في قعر تخلفها الاقتصادي والصناعي والحضاري .

نعم.. الإرهاب يعد حصيلة تشوه وعطب ذهني عطَّل الوعي وجعله أسيرا لفكرة الموت بدلا من الحياة وصيانتها كقيمة حظَّت عليها وحفظتها كل أديان ونواميس السماء والثرى.. لذا وبدلا من البحث عن الإرهاب في بارود الأحزمة الناسفة وفي كميات الديناميت والسيارات المتفجرة وفي جماعات ضالة منحرفة جاهلة فقيرة.

 فهذه جميعها ليست إلا أدوات قتل وترهيب، فمحاربة الإرهاب لا يكون بغير إزالة الأخطاء الراسبة في أذهان ضحايا الجهل والفاقة والتنشئة الخاطئة، وفي فتاوى ومطويات وكتيبات ومكتبات الكهنة الظلاميين، وفي مناهج التعليم وخطب المنابر، وفي تراثنا المثقل بإرث هائل من الأباطيل والضلالات والانحرافات والتشوهات التي بات يستلزمها اليوم ثورة إصلاح وتصحيح وتغيير.

ثورة تنتصر للحياة والتسامح والعقلانية والمعرفة والمصالح والفلسفة والاقتصاد والحريات والحضارة الإنسانية عامة.. ثورة مستهلها تحرير عقل الإنسان من الاسترقاق والإلغاء والطاعة العمياء والجهل والانحراف والافتراء والدجل والرياء، فبوسع الإنسان أن يجعل من حياته نعيما أو جحيما، تطورا ورقيا أو تخلفا وفقرا، قرابين إرهاب وخراب أو رسُل سلام وبناء، في المحصلة كلاهما نتاج حيوية أو عطب في التفكير.

في الثلاثاء 08 إبريل-نيسان 2014 11:05:30 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=75244