انتخابات هزلية ومأساوية!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

انتخابات وفق الطريقة العربية المألوفة؛ مرشح بكامل سطوة الدولة وجلالها بمقابل مرشح متواضع نكرة. لا أعلم إلى أي نوع تنتمي الانتخابات الرئاسية السورية؟ رئيس ورثَ رئاسة عن أبيه حافظ الأسد الذي كان بحق أسداً. فسوريا في ظل حكم الأب المديد لم تكن إلَّا غابةً مخيفةً خانقةً وائدةً للصوت الأخر الحر. كما وجمهورية أفلاطون يحسب للملك الراحل إحالتها إلى إقطاعية خاصة به وبعائلته من بعده.

قرابة نصف قرن وسوريا مختطفة من عائلة وطائفة وقليل ونادر الحزب القومي الحامل لراية العروبة والمقاومة. أكبر مهزلة هي تلك المأساة التي تقسرك على الضحك الوقح الموجع لفؤادك المنغمس في لجاج حزنه ومصيبته..

ما حدث في بقايا سوريا يوم الثلاثاء 3يونيو الفائت أظنه كان هزلياً ومأساوياً يستوجب منا أكثر من رثاء ديمقراطية الإغريق أو نعي صناديقها وأدواتها المنتهكة بفجور وجحود.

فما حدث جدير ببكائية بحجم الكون وإنسانيته التي مات ضميرها وتوقف لهج لسانها الخارق صوته لعنان الفضاء الفسيح وإذا به يتوارى ويلوذ في صمت رهيب, تاركاً شعب سوريا وثورته لبطش وعنجهية وهوس رئيس مازال أسيراً لسطوة القوة والإعلام .

شيء ولا في أفلام هوليود وبوليود: ملايين مشردة نازحة لاجئة, نحو مليون إنسان بين قتيل وجريح ومفقود!, محافظات تقدر مساحتها بالنصف خارج سيطرة الدولة!, والباقي من سوريا إما يسيطر عليها النظام أو أنها مسرح للحرب الدائرة رحاها مذ ثلاثة أعوام.

ومع هذه الوضعية المأساوية جرت انتخابات رئاسية تنافسية وفوق ذلك شفافة ونزيهة. لا أكترث بما حصده الطاغية بشار من أصوات تجاوزت عشرة ملايين ولا بنسبة ما ظفر به 88,7% . البعض يعد انتخابات رئاسية تعددية وفي سوريا التي لم يعرف شعبها خلال حقبة حكم العائلة بمثابة الإنجاز التاريخي.

 لكننا في الحقيقة إزاء وسيلة وغاية كلاهما فاسد وخاطئ ولا يجوز وصفه بأكثر من ذلك، ففي المحصلة هنالك شعب مشرد ومنفي وهناك بلد مدمر مثقل بالوجع والأنين وهناك ثورة شعبية كانت سلمية واضطرها عنف النظام وجبروته إلى استخدام لغة العنف دفاعاً عن ذاتها ووجودها. ولأن سوريا في وضعية كهذه فإنه لا معنى للكلام عن مرشحين منافسين وعن نسبة المشاركة ونسبة المنافسين الصوريين.  

رفضي لمهزلة الانتخابات ليس معناه انه يجب أن أكون مع جماعات داعش وجبهة النصرة أو سواها من الجماعات الإرهابية التي شوهت نضال الشعب السوري كما وبسببها تأخرت وتخلفت مسيرة الثورة السورية. اللعنة لفتاوي أشياخ " نكاح الجهاد " .

أشعر بالخجل والعار نحو تلكم الفتيات اللائي سُلبن براءة طفولتهن وهن يمتثلن لطاعة مفتٍ شاذ ومنحرف، وكذا تجاه النسوة العائدات إلى موطنهن وفي أحشائهن أجنة ومن نكاح أشبه بسفاح حيواني. عذراً للأمهات اللائي صرن أرامل وثكالى وفي ظرفية أيام وأسابيع!. عذراً لرجال ونساء وشيوخ وأطفال الشعب السوري المنكوب بنظامه وأزلامه وأتباعه.. المغدور بثورته وكفاحه ودمه وقرابينه .. المنفي والمشرد في خيام وأوطان الشتات .. الغائب الأوحد في الانتخابات الهزلية وفي المعادلة الدولية.

لماذا على الإنسان إما أن يكون نصيراً متعصباً لنظام عائلي فج ومستبد وإما أن العكس بحيث يكون مؤيداً للإرهاب وجماعاته المناوئة للنظام؟, أي منطق سمج وسخيف هذا الذي يجبرك على اختيار إحدى الرذيلتين؟, كلاهما" النظام أو جبهة النصرة وداعش" لا يتسقان مطلقاً مع ثورة هدفها الحرية والعيش الكريم في كنف دولة يسودها العدل والمساواة والتعايش والحريات.

مثلما لا أؤيد حركة طالبان وان بدلت عمائم رجالها أو توشحوا بلبوس الدفاع عن حياض الأمة المنتهك دينها ووجودها فإن موقفي هذا من المُلا محمد عمر وطلبته المخدوعين الضالين لا يعني أنني مع احتلال أمريكا أو الغرب أو روسيا لأفغانستان, الأمر كذلك عندما يتعلق بسوريا وثورتها وانتخاباتها، فهذا الشعب العزيز ثار على النظام البوليسي العائلي الطائفي، وهذا الشعب أكبر من بشار وعائلته وطائفته وحزبه وصناديقه المحمولة على متن مصفحات جيشه.

أعجب كيف للإنسان أن يطلق قهقهةً ممزوجة بنشيج البكاء؟!.

 أحد الصحافيين كتب متسائلاً: كيف لهذا التناقض الصارخ أن يجتمع في بقعة واحدة بين طوابير الانتظار أمام مراكز الاقتراع وحلقات الرقص والغناء في الشوارع تأييداً للأسد وبين أصوات انفجارات القذائف التي لم تسلم منها شوارع العاصمة دمشق فضلاً عن قصف مدفعي كثيف في محيطها وتحليق للطيران الحربي في أجواءها؟!".

نعم هذه الثورة لم تحسم أمرها وتسقط نظام الحكم ؛ لكن ذلك لا يعني ان النظام قوة وشعبيته كاسحة!. بقاء الحكم ورئيسه مرجعه عوامل عدة من بينها القبضة الأمنية المهيمنة مذ أكثر من أربعة عقود على المواطن السوري الذي لم يتوفر له ولو القليل مما توافر في الديمقراطيات العربية.

المسألة الأخرى طغيان الحكم العسكري الذي دام بمبرر المواجهة لإسرائيل فضلاً عن تعقيدات وتحالفات طائفية وعسكرية ودولية ودبلوماسية وهذه التعقيدات كان أثرها كبيراً على مسيرة الثورة السورية وعلى وجه الدقة علاقة النظام وتحالفه مع أنظمة مجاورة وكذا إيران وروسيا والصين، ضف لهذه الأسباب كان لتأخر الثورة السورية عن سواها من ثورات الربيع العربي سبباً كافياً لحدوث هذا الانقسام العربي والدولي الذي بدوره جعل ثورة الشعب السوري حيال مواجهة أخرى تتعدى النظام إلى دول الجوار والأقاليم والعالم.

 بإيجاز كان لنتائج الثورات التونسية والمصرية واليمنية والليبية تأثيرها سلباً أكثر من كونه إيجاباً؛ فبقدر ما استلهمت ثورة السوريين من الثورات العربية بذات القدر كان لإفرازات تلكم الثورات تبعاتها السلبية على الثورة السورية.

في الثلاثاء 10 يونيو-حزيران 2014 08:34:29 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=75993