رؤساء لأنظمة ورؤساء لشعوب !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

الفارق بين العرب وإسرائيل هو أن حُكَّام العرب قادوا أنظمة فأضاعوا مجتمعاتهم في لُجَّة فقرها وقهرها وإذلالها وتخلفها ، فيما حُكَّام إسرائيل قادوا شعباً فأوجدوا دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً وديمقراطيا وصناعياً ودبلوماسياً وعلمياً وخدمياً.

رؤساء الدول والحكومات وحتى الأحزاب العربية جميعهم يتشاركون سِمة البقاء في المنصب إلى أن يأتيهم عزرائيل أو دبابة انقلاب أو رصاصة اغتيال أو انتفاضة عارمة. في إسرائيل رؤساء ذهبوا إلى بيوتهم وماتوا فيها دون ضجيج أو ادعاء بطولة ، ورؤساء استقالوا إثر هزيمة انتخابية أو فضيحة ، ورؤساء حكموا وسادوا ومن ثم اختفوا فجأة وراحوا يكتبون ذكرياتهم أو يبيعون دجاجاً أو سمكاً أو "طماط" أو "حبحب".

نعم قليل ونادر جداً ما تتبدل وجوه وأسماء رؤساء مؤسسات ومصالح خدمية ؛ فكيف برؤساء دول وأحزاب وفيالق عسكرية ؟ تصوروا كيف يمكن محو صورة زعيم بلد أو حزب ظل نصف قرن أو ثلثه أو رُبعه رئيساً متسلطاً حتى على حارس مقر تنظيم أو صحيفة ؟

الحاكم العربي إذا ما أراد تبديل حكومة أو رئيس مؤسسة, فإنه لا يختار غير الضعفاء والانتهازيين والمنافقين أما الأقوياء والأكفاء والقادرين على بلوغ المستحيل فلا أحد من الحكام العرب سيطيقه أو سيمنحه ولو وظيفة هامشية شكلية في وزارة حقوق الإنسان أو شؤون المرأة أو محاربة الأمية أو سواها من الوظائف الدنيا.

رئيس الحكومة في إسرائيل مهمته الأولى أن يعثر على وزراء أقوياء معروفين بكفاءتهم وانجازاتهم العلمية والمهنية والوظيفية. رئيس الحكومة في أوطاننا يكتفي برئاسته لوزراء ضعفاء لم يختَرْهُم أو يبذل مشقة في قراءة سيرتهم الذاتية.

الحاكم العربي بطبعه مخلوق من التسلُّط المستبد المستأثر بكل شيء في الدولة . اختلفت المسميات والألقاب والنظم ؛ لكنها جميعها تبقى واحدة من جهة هيمنتها وطغيانها وفسادها. رؤساء لمنظومة كاملة من السلطات والأحزاب والمؤسسات الهرمة المتهرئة السقيمة بعضال العقلية البدوية المنتفخة وهماً وطمعاً وخوفا من فقدان مكانة ونفوذ.

هذا الحاكم العربي كان جمهورياً أو ملكيا ، غنياً أو فقيرا في المحصلة الصورة تشبه بعضها, فلا يوجد في كثرة الوجوه حاكما لا يخشى الأقوياء الأكفاء الناجحين الذين بمقدورهم تغيير وجه البلد بوطن والشعب بأمُّة والضعف بقوة. هي ذاتها قبل خمسة عقود وقبل ثلث وربع قرن ، وقبل الانتخابات وبعدها ، وقبل الثورة وبعدها ، قبل التتويج وبعده .

العالم النجيب أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء له ملاحظة مهمة أشار فيها إلى ما تبذله الحكومات الغربية لمساعدة الفاشلين؛ كي ينجحوا في حياتهم وعملهم يقابل هذا الاهتمام الحكومات العربية إذا رأت نجاحا في مؤسسة أو شركة فإن جهدها مكرس لإفشاله.

وحدها إسرائيل اختطت لنفسها نظاما صارما وعلى نمط النظام الغربي الليبرالي المجل لمسألة التمايز والتنافس والابتكار والتفوق وسواها من السمات الفردية التي توجب على نظامها رعايته وتشجيعه وحمايته وفي نطاق ليبرالية مجتمعية ومؤسسية ونظامية مشكلة لدولتها الحديثة .

البعض يكابر ويعاند ولا يريد الاعتراف بما حققته هذه الدولة وفي ظرفية وجيزة على إعلان هذه الدولة يوم 15 مايو 1948م وعلى مساحة تم اغتصابها وبشعب تم تجميعه من مواطن وأصقاع وثقافات وأجناس وطوائف ولغات مختلفة.

نعم فُسيفساء لا جامع لها غير الامتثال لفكرة مجنونه مخترعها إدوارد هرتزل وجماعته الصهيونية المبتكرة لفكرة الأرض لشعب بلا أرض . ومع كونها كذلك قٌدّر لهذه الدولة ابتلاع أرض فلسطين كاملة وزادت فوقها مساحات مجتزأة محتلة من لبنان وسوريا والأردن ومصر قبل إعادة شبه سيناء للأخيرة بناء واتفاق السلام بين الدولتين.

كيف ولماذا ؟ الإجابة: لأن الحاكم في إسرائيل لا يتملك الدولة كاملة مثلما هو فعل الحاكم العربي ، ففي إسرائيل الدولة فوق الجميع ، السلطة في خدمة الإنسان ، الجيش ، الدبلوماسية ، الحكومة ، الكنيست ، المخابرات ،الجامعات ، المؤسسات ، الشرطة ، الوظيفة وو...الخ, فكافة هذه المسميات هي في الأساس من اجل خدمة المواطن في هذه الدولة .

في إسرائيل الوزير الفاشل لا يعين ثانية وثالثة في وزارات وسفارات أخرى مثلما هو ديدن الأنظمة العربية المتعاقبة .رؤساء حكومات وأحزاب ووزارات ومؤسسات يأتون ويذهبون ، ينجحون فيرقون ويكافئون ، يفشلون فيستقيلون ويحاسبون وهكذا دواليك .

في إسرائيل ومنذ ما قبل قرار التقسيم 29نوفمبر 1947م وحتى اللحظة الراهنة وهذه الدولة في حالة حرب دائبة عسكريا ودبلوماسيا واستخبارياً واقتصاديا ووجوديا ، وبرغم وضعيتها الجيوسياسية والديموغرافية والاحتلالية التي جعلتها في حالة استنفار عسكري دائم لم اسمع يوما بوقف انتخابات بلديات أو برلمان بدعوى مواجهة العرب المحاربين المحيطين بها إحاطة السوار بالمعصم.

كما لم أرَ يوماً إيقاف نشاط ثقافي وعلمي ورياضي أو إعلامي ولمجرد أن قناة نشرت غسيل أو أسرار لا ينبغي تسريبها . فضلا عن أنني لم اقرأ أو أسمع بقمع الحكومة لتظاهرة احتجاجية مناهضة للحرب والاحتلال ونظمها دعاة السلام أو اليسار، أو أنها أياً من هذه الحكومات حظرت نشاطَ حزبٍ معارض أو جماعة مؤيدة للفلسطينيين أو صحيفة مناوئة أو ناشر كتاب.

فعلى توافر الأسباب والمبررات لأن تقمع وتستبيح وتغلق وتصادر ؛ ولأن تؤجل الانتخابات وتُمدد الحكومة والبرلمان وبدعوى الظروف الطارئة ؛ لكن ذلك لم يحدث قط فما من معركة حقيقية تخوضها أفضل من احترامها لحق مواطنيها في التعبير عن وجودهم وآرائهم إن لم نقل ممارسة سلطتهم على الحكومات وفي مختلف الأحوال .

أول رئيس لإسرائيل " حاييم وايزمان " كان عالما نوويا 49- 52م وتلاه تسعة رؤساء تعاقبوا على رئاسة برتوكولية وليس آخرهم الرئيس الحالي رؤوفين ريفلين الذي يكاد يكون اسمه نكره ومجهولاً كخَلَف لشمعون بيريز 2007م – 2014م .

 

أما وإذا تطرقنا لأسماء رؤساء الحكومات بدءا بأول رئيس وزارة " داوود بن جور يون " الذي لا يتذكر أحد وفاته في هزيع سنة عبور المصريين إلى الضفة الأخرى, فبكل تأكيد القائمة يلزمها بحثٌ وتنقيب, كي تُستوفى هذه الأسماء.

وأياً كانت ذاكرة الشخص تضاهي ذاكرة الجمل إلا أن ثمانية عشر رئاسة حكومة يصعب الإلمام برؤسائها؛ خاصةً وأن البعض منهم لم يكمل العام الواحد ناهيك عن أن غالبيتهم لم يَطُل بقاؤه لأكثر من ثلاثة وأربعة أعوام باستثناء ديفيد بن جوريون48- 54م للحكومة الأولى و55- 63م للحكومة الثالثة .

رئيس إسرائيل للفترة 2000- 2007م " موشيه كوتساف " يقضي عقوبة السجن دونما اعتبار لمنصبه المقال منه اثر دعوى اتهم فيها بتحرشه بموظفة عادية في الرئاسة . أيهود أولمرت 2006- 2009م تم إقالته وحكومته اثر فضيحة فساد وتلقيه رشوه قدرها 200ألف دولار أثناء حملته الانتخابية البلدية .

إيريل شارون القائد الأسطورة في تاريخ إسرائيل ورئيس وزرائها الأسبق لم تشفع له أيٌ من معاركه المُخاضة في سيناء وغزة وجنوب لبنان مات الرجل إكلينيكيا وظل في سريره الإنعاشي سنوات دون رحمة أو تقدير من النائبة العامة التي ظلت تلاحقه بتهمة استغلال منصبة وفي مشروع سياحي في قبرص واستفاد منه نجله ودون أن يكلف خزينة الدولة "شيكل" واحدا.

في بلاد العُرب أوطاني الحاكم يأتي بانقلاب دموي ولن يرحل إلا إلى القبر أو السجن أو المنفى – الرئيس صالح استثناء لهذه الثلاثية المعتادة قرونا – في أوطاننا البائسة الوزير يبقى وزيرا والغفير يبقي غفيرا ، المسؤول الفاشل الفاسد في زمن النظام البائد يرقى إلى درجة سفير أو وزير في عهد الثورة ؛ فحتى الثورات هنا لا ينبغي لها تغير نظاما او تستبدل حاكما مهما كان فساده واستبداده وخيانته لواجبه ووطنه.

ختاما .. رفضي للاحتلال الإسرائيلي ولممارساته وصلفه وجرائمه المقترفة بحق الشعب الفلسطيني لا يعني بحال من الأحوال جحودي واقعاً مثيراً للإعجاب والدهشة.

نعم فبقدر إيماننا العميق بواجب نصرة نضال إخوتنا الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض وفي وطنهم المحتل وفي السجون . واجب أخلاقي وديني وقومي وإنساني وليس منّةً منّا والى أن يقيم هذا الشعب دولته على تراب أرضه ؛ لكن موقفنا المنحاز للحق لا يعني تجاهل وإغفال ما حققته هذه الدولة المحتلة من منجزات عملاقة .

ومن قوة نووية وتكنولوجية ، ومن نهضة صناعية وعلمية ، ومن ديمقراطية وحريات وخدمات ، ومن أفضلية في جامعاتها ومراكزها العلمية والبحثية, كما وفي هذه الدولة اللعينة خيرة العقول والمؤسسات والصناعات والتقنيات والمستشفيات والكفاءات والتشريعات ناهيكم عن قضاء عادل ونزيه لا يتدخل في إحكامه رئيساً أو نافذاً أو قائدا عسكريا أو كاهناً لاهوتيا.

في الأربعاء 25 يونيو-حزيران 2014 07:08:05 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=76172