نصيحة من مذنب مقصر ‏إلى الدعاة إلى الله
محمد مقبل الحميري
محمد مقبل الحميري

رغم مقامكم العالي وتواضع معارفنا إلا أني تعلمت انه ليس هناك احد أكبر من أن تقدم له النصيحة، وليس هناك أحدٌ أصغر من أن ينصح الآخرين، وعلى ضوء هذه القاعدة أقول لكم:

كونكم دعاة فأنتم قد وضعتم أنفسكم في موقع أطباء للقلوب تعملون على علاجها من الأسقام وما يصيبها من ذحل وران ومن غفلة وسهو، تعملون على صيانتها وتغذيتها لتعمل بمهارة وفقا لما خلقت له، وهذا يتطلب منكم جهداً عظيماً وصبراً أعظم ، وإخلاصاً غير مشوب بمكاسب شخصية أو حزبية ، ولين جانبٍ لكل عاصٍ أو مقصر أو تائه عن الطريق لتعيدوهم إلى الجادة، وصَدق الحق سبحانه القائل " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " .

الدعوة إلى الله أشرف وأكرم مهنة يمتهنها الإنسان عندما لا يرجو الأجر والمقابل إلا من الله وحده وصدق الحق سبحانه القائل في محكم كتابه القائل " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"

فيا أطباء القلوب كونوا عند مستوى هذه المهمة التي وضعتم أنفسكم بها، وتحملوا أذى الآخرين وكفوا آذاكم عنهم، ولا تتعالوا وتعتقدون أنكم افضل ممن تدعونهم، فإنه لا يعرف الأفضلية بين الناس إلا خالقهم سبحانه " هو أعلم بمن اتقى" فإذا اعتقد الشخص حتى وان كان داعية انه افضل من غيره فإن هذا الشعور قد يحبط عمله فيصبح من الخاسرين .

نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى دعاة ربانيين لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، فمجتمعنا يعيش فراغاً دعوياً انعكس سلباً على مختلف قيمنا وتعاملاتنا مع بعضنا.

يا دعاة الإسلام: لا تجعلوا من الخلافات الشخصية سبباً لإضفاء المعايب والسيئات على من تختلفون معهم, معللين ذلك بأنه من اجل الله، فالله سبحانه يريد منكم الصبر والمصابرة والتحمل واحتساب ذلك من اجل مرضاة الله، لا أن تغضبوا وتهدموا بغضبكم قلاع مؤسسة على التقوى مجرد خلافكم معها بدافع نزوة وانتصار للأنا الشخصية أو الحزبية أو القبلية وتُقنعون أنفسكم أنها من اجل الله ، وفي المقابل تجمّعون ركاماً من قش لان هذا الركام يطيع أنانيتكم ويوافق هواكم ويحسبون ذلك من اجل الله أيضاً.

أيها الأحباب:

إن الدعوة إلى الله حُبٌ يسع البر والفاجر ، والداعية لا يكون داعية إلا بدعوته العصاة إلى الجادة وتحمل أذاهم ، أما المهتدون فليسوا بحاجة لان يدعوهم لأنهم قد عرفوا الطريق .

يا دعاة الإسلام :

مجتمعكم اليمني خاصة والعالم عامة بحاجة إلى من يبصره الطريق ويأخذ بيده إلى الجادة ، فكونوا هذا المنقذ الذي يأخذ بيد المنحرف إلى الاستقامة والضال إلى الهداية والذي يعيش في الظلام إلى النور ، ولن تستطيعوا القيام بهذا الدور العظيم إلا اذا تخلصتم من حظ الشيطان في نفوسكم ونظرتم إلى من حولكم برحمة وحب وعدم تعالي أو غرور وإعجاب بالنفس ، وتأملوا معي الواقعة التالية التي يرويها لنا الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي- رحمة الله عليه- لتكون لنا جميعاً درساً وعظة نستفيد منها ونتعظ؛ فإلى ما رواه لنا الشيخ الغزالي:

قلت لرجل تعوّد شرب الخمر:

ألا تتوب إلى الله ؟

فنظر إلىّ بانكسار، ودمعت عيناه، وقال:

ادعِ الله لي..

تأملت في حال الرجل، ورقَّ قلبي.. إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله.. وحزنه على مخالفته، ورغبته في الاصطلاح معه، إنه مؤمن يقينا، ولكنه مبتلى.. وهو ينشد العافية ويستعين بيَ على تقريبها..

قلت لنفسي: قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ.. صحيح أنني لم أذق الخمر قط، فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها، لكنّي ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني أذهل عن ربي كثيراً وأنسى حقوقه، إنه يبكي لتقصيره، وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا، قد نكون بأنفسنا مخدوعين.

 وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر، قلت له تعال ندع لأنفسنا معا: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".. اسأل الله الهداية والتوفيق لنا جميعاً..

نصيحة العبد المقصر الذليل لله الغارق في الذنوب والآثام..

في الأربعاء 02 يوليو-تموز 2014 06:51:59 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=76238