مأساة تحقير المهن والحرف
أحمد محمد الحاضري
أحمد محمد الحاضري

إن ما شاع خلال العهود المظلمة من تحقير للمهن والحرف الإبداعية بمختلف أنواعها ، وأدى ذلك إلى تحقير المكانة الاجتماعية لكثير من الفنيين والمبدعين الذين أنشأوا وشيدوا الحضارة اليمنية ،ومنها المباني الصنعانية وأبدعوا فنها المميز الرفيع كأنهم ريشة رسام أتحفت الناظر بإبداعها لوحة متناسقة ألوانها ومتجانسة مكوناتها كمبنى في ذاته أو للمدينة ككل وبهندسة معمارية وإنشائية أثمرت أدق وأرقى معمار خلال آلاف السنين حتى كُتب عن صنعاء الأساطير وقد ذكر الرسول(صلى الله عليه وسلم) عند حفر الخندق قصور صنعاء .

 لقد كان لصنعاء أبلغ الأثر في إظهار الإرث الحضاري والتاريخي اليمني فقد كانت النموذج الحي لتاريخ وحضارة اليمن فلم يتناول المؤرخون دور المبدعين من المهنيين والحرفيين إلا بإشارات عابرة غالباً ما ترتبط بمآثر الحكام الذين كتب المؤرخ لهم وفي عهدهم ، وغالباً ما يكون من حاشيتهم ويقتصر على التاريخ السياسي مغفلاً إبداع اليمني على هذه الأرض الذي صنع مكانة المؤرخ ومن يؤرخ لهم ومضوا في ذكر المنشأة مقرونة بالحكام, سالبين حق المبدعين في ابتكار هذه المنشأة ولم نجد ذكراً لأي مبدع في مختلف ما كُتب عن أعلام اليمن ومبدعيها وكأن الإبداع مقصور على علوم الدين والسياسة وأحياناً بانتقاء سلالي كما في" نيل "الوطر" وكتاب "الأنباء في تاريخ دولتي بلقيس وسبأ" لزبارة، "مدينة صنعاء" للرازي الصنعاني.

وهذا سبب أساسي ورئيسي في انحدار الأمة, فلم ترقَ الأمم إلا بإبداع أفرادها في العلوم الطبيعية والهندسية والاجتماعية.

 إن البناء الصنعاني وهندسته وجماله وقدرته على التحمل والصمود عبر القرون, لمعجزة أشاد بها المبدعون من الدول المتقدمة وتجشموا الترحال لرؤية الإبداع والجمال ثم بذلوا المال لمسح غبار الزمان عن جبين صنعاء, فكانت لمساتهم مُظهرةَ سحر صنعاء لساكنيها قبل الزائرين.

 إن وصف وتصوير فن البناء الصنعاني بريشة فنان من الصعوبة بمكان لتعدد مواطن الجمال وترابط بعضه ببعض و أصالة إبداعه.

اتفقت الأجيال على الإحساس بجمالها واتفقت الأمم باختلاف أجناسها وثقافاتهم على تميز وروعة صنعاء وشدوا الرحال إليها وألسنة حالهم تقول: "لابد من صنعاء وإن طال السفر".

لقد استهدفت في كتابي فن وهندسة البناء الصنعاني أرشفة وتدوين التفاصيل الصغيرة التي تقف وراء تميز وسحر صنعاء لندرة الإشارة إليها..

وقد انعدمت المراجع التاريخية تقريباً التي اهتمت بفن وهندسة البناء الصنعاني ربما لما ساد من ثقافة مجتمعية تقوم على تحقير المهن والمهنيين؛ إذْ لم يدوّن أي شيء عن هندسة وفن البناء الصنعاني ولاعن أساليب ووسائل تشييد المبنى والوظائف التي يؤديها ولاعن مواد البناء وكيفية استخراجها وصناعتها، وقدرتها على البقاء قروناً عديدة.

ولم تدرّس علوم هندسة البناء الصنعاني ولم يدّرب الفنيون والمهنيون لاكتساب المهارات اللازمة لتشييد المبنى الصنعاني بمختلف أنواعه, بل ظلت هندسة وفن تشييد المبنى الصنعاني وترميمه تراثاً يتوارث الأجيال فنونه وأساليبه ووسائله وكانت روعة صنعاء ورقيّها هي الدافع في الحفاظ على الهندسة والمهارات اللازمة لتشييد المبنى الصنعاني، نتيجة لما فرضهُ دقة وشمول تخطيطها وجمال وعظمة مبانيها من حب على ساكنيها, الأمر الذي جعلهم يعملون على الإبقاء على روائعها المعمارية بترميمها أو بتشييد ما يشابهها في مختلف العصور.

ولعل هذا الحب والإعجاب بصنعاء هو ما حدا بزائريها وساكنيها إلى التغني بها قديماً وحديثاً، وهو- حتماً- حملني على الإسهام بمادة كتاب "فن وهندسة البناء الصنعاني" الذي أرجو الله أن يجعله أثراً ينتفع به.

في الجمعة 22 أغسطس-آب 2014 02:44:26 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=76701