لم يستوعبوا الشراكة بعد
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان

ما يؤلم في الحياة أن تجد وطنك يخسر وأنت تشاهد تجار الفتن ينخرون جسده وأقزام يتطاولون عليه وتفتح عينيك صباح يوم على خبر مجزرة بشرية ودماء تهدر على أرصفة الشارع ضحاياها بسطاء صادقون يبحثون عن لقمة عيش وأمن وأمان وانتهازيون يستغلون هذا الهم يحرضون ويتهمون ويكفرون بالدين والوطنية هم الشعب والحق لهم والباطل لغيرهم والعنف سلاحهم, خطابهم يستدعي الآخر للقتال ويهدد الموجود للرضوخ, الشراكة والمواطنة مجرد شعار والعمل على الأرض سلوك واضح لفرض الأمر الواقع. 

مع العلم أن الشراكة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ الشراكة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة..

الشراكة السياسية تعني إشراك جميع مكونات الشعب السياسية في صنع القرار بغية الوصول إلى المصلحة العامة وإلى الهدف المشترك دون استئثار أي طرف من الأطراف بالتمسك بحق النقض (الفيتو) الذي من شأنه أن يخرج الشراكة من مفهومها الحقيقي إلى مفهوم المحاصصة، مع مراعاة الأغلبية الأخذ بنظر الاعتبار وجهة نظر الأقلية كي لا يصل الأمر بالاستبداد من قبل الأكثرية أو العكس.

 المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنظمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار.. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه الصراعات المدمرة والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت.. مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.

إن مفهوم الشراكة السياسة بهذا المعنى، أي القائم على المصلحة والفائدة التي تعود لقاعدة التأييد لكل من الحكومة والحزب والحركة، هي المحرك الأساسي ربما ليس الوحيد لسلوك القوى السياسية سواء الداخلة في الشراكة أو التي خارجها.. كما انه بذات القدر الذي تجد فيه قوى الشراكة الفرصة لتحقيق مصلحتها وتجديد قواها الاجتماعية يجد المجتمع أيضاً فرصة في الشراكة لتجديد قواه باتجاه نهضته إلى الأمام.

ما يقوم به الحوثيون لا توجد فيه مؤشرات الشراكة بل نشوة نصر قام على صفقة مكشوفة للكل؛ صفقة كان الوطن بعيداً عن أولوياتها لأنها تمت مع رأس الفساد والإفساد من عبث بالوطن دهراً وخرّبه أرضاً وإنساناً.. خطابهم يقول إنهم كل الشعب وهم ثورته وسيدهم حاميها ومن مخدعه يصدر أوامره لهم.. هو رئيسهم وحكومتهم وجيشهم وأمنهم, أي هو دولتهم ولا يريدون دولة غيره.. أي شراكة يتحدثون وهم يحملون السلاح ويستولون على الأرض ويهددون بالخيارات لا يخضعون للتصويت للمكونات لان هذا لا يهمهم, ينظرون للآخر عميل للخارج وهم حمائم السلام وحماة الوطن ولا تربطهم أي علاقات خارجية.. منطق خارج عن الواقع والحقيقة التي يخفونها ولن يطول خداعهم لان الشعب يراقب والكفة بدأت تتمايل, فالمصداقية تتعثر والحقائق تتضح ولك يا شعب الاختيار ولن يعود الماضي حتى وان غير صوره وتمحور لعدة أشكال, الشعب واعٍ وحاذق ولن تخدعه مكائدكم..

منظر مخزٍ أن تجد رجل الأمن يُفتش من طفل والأمن يسلم لمليشيات مسلحة, ما هي مؤهلاتها وقدراتها ومسئوليتها؟, لان الأمن ليس بندقية بل أخلاق ومسئولية وشرف ومؤهلات وقدرات ومهارات وثقافة وسلوك ودولة التي تهان وتنتهك على الأرض من قوى العنف..

هذا الواقع الذي يصنعونه اليوم بخطابهم هو الحاضن للإرهاب والإرهابيين وكل قماماته التي تجلب إليه كل ضار وكل سيئ وكل محتال ومتآمر لم نجد يوماً واقعاً خالياً من الحب والوئام والسلام أن يجذب الخير والالتئام والتآخي والسلام..

غيروا من خطابكم وسلوككم مع الآخر إذا أردتم التعايش واستيعاب الشراكة.  
في الإثنين 20 أكتوبر-تشرين الأول 2014 11:35:41 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=77244