الأزمة الاقتصادية الأوروبية عزَّزت قوة ألمانيا
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

جدار برلين اُستُحدِث بعد تقسيم ألمانيا, فبعد مرور 25 سنة على سقوط هذا الجدار باتت سلطة القرار في أوروبا بيد برلين وليس بروكسيل أو باريس أو لندن وما يعزِّز هذا الحال هو الأزمة المستمرة في منطقة اليورو.

بعد سقوط الجدار في عام 1989م قالت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارجريت تاتشر: لقد هزمنا الألمان مرتين وها هم يعودون, معربة عن تخوفها من أن تؤدي إعادة توحيد ألمانيا إلى الهيمنة على أوروبا.

مدير مركز الدارسات السياسية الأوروبية في بروكسيل لخَّص الوضع بقوله: قبل سقوط جدار برلين كانت ألمانيا على هامش أوروبا بعض الشيء أما اليوم فهي في صلب أوروبا من وجهة نظر جغرافية واقتصادية وسياسية وباتت قلب محرك أوروبا, وخلال الأزمة المالية اتضح أن برلين أصبحت المكان الأهم في أوروبا وليس بروكسيل.

وفي الواقع فرضت ألمانيا الموحدة نفسها كعملاق الاتحاد الأوروبي مع مساهمتها بأكثر من 27% من إنتاج منطقة اليورو.. ونظراً إلى وزنها الاقتصادي طلبت المساعدة منها أكثر من أي شريك آخر لتعويض البلدان الرازحة تحت ثقل الديون وبالتالي تفادي انهيار أوروبا.

وتخوفاً من غضب ناخبيها أبدت المستشارة الألمانية في البداية تحفُّظها في استخدام أموال دافعي الضرائب لتغذية صندوق تعويم بهدف إعادة الثقة في العملة الأوروبية الموحدة ما أكسبها لقب السيدة "لا". ولكن المستشارة تراجعت في نهاية المطاف عن موقفها واعدةً بدعم ألماني لإرساء واقع مالي بهدف حماية الدول الأكثر ضعفاً. وتولت في الوقت نفسه رئاسة مجموعة صغيرة من الدول خصوصاً أوروبا الشمالية لفرض رقابة أكثر تشدُّداً وتدابير تقشفية لا تحظى بالتأييد الشعبي. فمنذ بدء الأزمة في منطقة اليورو وما تبع ذلك من جدل حول قوة ألمانيا في أوروبا تظهر نتائج سقوط برلين بوجه آخر مخالف عمَّا كان عليه أثناء الذكرى العشرين لهذا الحدث التاريخي في عام 2009.

المحللون أشاروا إلى أن قوة ألمانيا الحالية ناتجة من نجاحاتها الاقتصادية الأخيرة بينما كانت قبل بضع سنوات فقط في مطلع الألفية الثانية توصف بالرجل المريض في أوروبا, لكن البعض اعتبر أن قوة ألمانيا يمكن أن تكون مؤقتة على الأرجح مشيرين إلى مشكلات اقتصادية طويلة الأمد في ألمانيا خصوصاً الانخفاض الديموغرافي لضعف نسبة الولادات. والتراجع الاقتصادي الحالي في فرنسا حول الثنائي الفرنسي الألماني المعروف تقليدياً بأنه محرك أوروبا إلى ثنائي غير متوازن إلى حدٍ كبير.

لكن في الوقت الذي عززت الأزمة الاقتصادية في أوروبا دور ألمانيا علت أصوات عدة لتعبِّر عن أسفها لتردد برلين في الاضطلاع بدور قيادي على الساحة الدولية. ففي السياسة الخارجية تعتبر ألمانيا خارج أوروبا كقوة اقتصادية مهيمنة, وعلى سبيل المثال تناقشت المستشارة الألمانية مع الرئيس الروسي بوتين منذ بدء الأزمة الأوكرانية أكثر من أي زعيم أوروبي آخر. وداخل الاتحاد الأوروبي تواجه المستشارة انتقادات بسبب موقفها الخجول أحياناً, فيما كانت فرنسا إحدى أوائل الدول التي أرسلت طائرات للمشاركة في الضربات الجوية الموجهة إلى "داعش" في إطار تحالف بقيادة الولايات المتحدة جددت ألمانيا التزامها بتدريب المقاتلين الأكراد على استخدام السلاح. وألمانيا كما هو معروف ترفض لعب دور مهيمن على الساحة الدولية وذلك يمنع أوروبا من القيام بذلك إن لم تكن ألمانيا موافقة.

ـــــــــــــــــــــــــ

*هامش:

الحياة العدد "1884" 4/11/2014

في السبت 13 ديسمبر-كانون الأول 2014 03:23:44 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=77704