لَيتَنا نعْود صِغاراً!!..
إيمان القاضي
إيمان القاضي

ما أشد براءتي حين توهمت أنني حين أكبر سأصبحُ ملكة!.. كُنت أظن أن الكبار وحدهم من يستمتعون بالحرية المطلقة..
وكم كنت أتوَهمُ بأنهم أسعد من غيرهم.. وما أشقانا يوم كبرنا حين فهمنا ماهي الحياة حقاً!.. حين أدركنا أين نحن وصوب أي منعطف نتجه.. و ما أسعدنا يوم كُنا صغاراً أطفالاً لا نعي من الوجود شيئاً سوى كيفية عد العملات المعدنية.. وكم سعر تلك الحلوى.. و أيهما أطيب "نكهة العنب أم التفاح"؟!
نكون صغاراً و نتمنى لو نكبر ..ونكبر ونتمنى لو نعود صغاراً ,و أكبر خطأ اقترفناه أننا تمنينا النضوج.. ومن غير وعي منا كنا لا ندرك أن النضوج مغامرة يخوضها المرء في حياته.. "يحزنْ.. يبكيْ.. يقلقْ ويهتم.. "وبين كل هذا يُعانيْ..
كان الحزن ايام الطفولة أن نكسر قلم تلوين عن غير قصد!!أو أن نفقد إحدى السكاكر على إحدى طرقات الملاهي.. وكان الحزن والوجع الأكبر الذي يُبكينا ونذرف دموعاً غزيرة لأجله.. حين نوبَّخ من عزيز أو أن نُمنَع من الخروج للعب تحت المطر.. و ما أحوجنا اليوم للتوبيخ حيث أن الموبخين شاخوا.. ونحن كبرنا لنوبخ الصغار الذين يحلمون بأن يكبروا وما أشد براءتهم!!
جميلة هي حياة الأطفال "شقاوة.. براءة.. مرح ولا مبالاة" و كم هي رائعة حياة اولئك الصغار قلوب بيضاء ونوايا صافية.. لا يشوبها خبث ولا كُره ولا معنى للحقد في أنفسهم ..أي حماقة منا تلك التي كُنَّا لا ندركها حينها حين كنا نطلق لأمنياتنا وأحلامنا العنان دون أن نفكر فيها بعقلانية ووعي وإنما كنا نفكر فيها بعقلانية بريئة كبراءة عيون الاطفال.. وأي سذاجة تلك التي كانت تفوح منا وقتها؟!!

أن تكبر معناة أن تراقب ضميرك ويراقبك في كل مكان.. أن تكبر, معناه أن تجرح وتكذب وتكون أكثر حقدا و أوسع خبثاً.. أن تكبر معناه أن تحمل بيدك ممحاة عند اٍلسن الذي قد كنت تحلم به و أن تمحو كل ما سطرته طفولتك على سبورة أيامها من سلام و نقاء وود جميل."..
كبرنا يا أمي كما كنت تحلمين , ويا ليتك لم تحلمي فقد رأيت العجب حين كبرت!! ..رأيت "الأسوَد و الأزرق" رأيت الحزن و القلق.. ورأيت ما كنت أشاهده على قنوات التلفزيون على أرض الواقع.. تلك الأفلام التي كنت اشاهدها في صغري و تلك المخلوقات الزرقاء المخيفة من كوكب آخر جميعها يا أمي.. جميعها لامستها في الواقع بعد أن لا مَسَتها مخيلتي في الصغر.. لقد أدهشتني حقاً براعة ذلك المخرج السينمائي الذي كان يصور تلك الكرتونيات محاولاً ترويضنا على الواقع الى أن نكبر..
كبرنا.. وعانينا من أجل الوطن.. بكينا من أجل الوطن.. تألمنا من أجل الوطن.. وتحملنا, وتحملنا ما لا يطاق من أجل الوطن.. سهرنا الليالي وشخنا قبل شيخوختنا من أجل الوطن.. أنفقنا جهداً وبذلنا تعباً مريراً فقط من أجل الوطن,ذلك الوطن الذي لم نكن ندرك منه في طفولتنا غير اسمه وتلك الراية التي كانت هي المثل الأعلى لنا ..نرسمها في كل مكان, و نخضب بألوانها كل ورقة, كل دفتر, كل حائط يصادفنا في الطريق..
"نعمْ مَا أشّدَ بَرَاءَتِيْ حِينَ تمنَيْت لَو أكْبُرْ.. وَ مَا أشدَ رجَائِي ورغبتِي لَوْ أعُودُ صَغيرةً.."

في الأربعاء 04 فبراير-شباط 2015 06:17:42 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=78157