شمعة ولا ظلمة!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

لا أريد المشاركة في زحام كثيف بلا منتهى، أو انه لا يفضي لشيء. أحب أن يكون كل شيء محددا ومعروفا سلفا، وأن أسمي الأمور بمسمياتها ودون خوف أو خبث أو احتقار للمسميات وأصحابها.
الإغراق في جلد الذات دلالة واضحة على عجز القوم عن مجاراة واقعهم والتعايش معه. واقع يذكرني بمأساة الديناصورات ؛ فحين أخفقت في التكيف مع محيطها الآخذ بالتبدل والتغير، نفقت وانقرضت من على ظهر اليابسة.

الجنوبيون مشكلتهم كامنة في نخبهم العتيقة، وفي كونهم قادة وزعماء ودون استثناء، لا أقول ديكة صادحة وبصوت عال فيما أرجلها في زبالة، وإنما قادة وزعماء ولا يوجد فيهم من يتقبل فكرة التراتيبية السياسية أو الثورية أو العسكرية، فكل من حمل السلاح بات قائدا وكل من اصدر بيانا أو ألقي كلمة او قصيدة في محفل صار زعيما لا يضاهيه أحد.
واقع جنوبي يذكرني بقولة الرئيس السوري شكري القوتلي حين وقع اتفاق الوحدة مع الزعيم عبد الناصر سنة ٥٨م، فما ان انهي مراسيم التوقيع حتى بادر مهنئا الرئيس جمال قائلا : هنيئا لك شعب - يقصد السوري - نصفه زعماء وقادة سياسيين ونصفه الاخر عظماء وفلاسفة وإما أنبياء ورسل، او هكذا يعتقدون ويظنون ".
نعم، الجنوبيون انتصروا في المعركة وبدعم دول التحالف عسكريا واغاثيا ولوجيستيا، لكنهم وللأسف لم يكونوا عند مستوى تلك التضحيات المحرزة للانتصار،كما ولم تكن صورتهم عند الآخرين بأفضل من المليشيات الآتية من كهوف التاريخ المستبد المتخلف.

اعتدنا أن نحمل الآخرين فشلنا، ولسنوات مضت ونحن لا نريد حمل أي إخفاق، فالبعض سيقول لك : إن ما يحدث في محافظات الجنوب هو صنيعة المخلوع واتباعه، وهذا القول فيه الكثير من الصحة. البعض الاخر سيلقي باللائمة على السلطة الشرعية ممثلة بالرئاسة والحكومة وهذا القول ايضا فيه من الصواب ولا ينكره الا زنديق ومنافق. وسيحمل ثالث دول التحالف، ورابع وخامس امريكا وروسيا.
إلَّا ان يقولون لك : إن معضلة الجنوب كامنة في نخبه السياسية التي لا تستسيغ بعضها البعض، وفي طبيعة المجتمع الجنوبي الطيب والوثوق الذي تنطلي عليه اليوم الشعارات والخطابات الثورية النزقة مثلما فعلت به شعارات وخطب الماضي.

الفارق فقط ان الذين قادوه بحماسة وثورية وعلى وقع اغاني وحدوية ناشدة صنعاء التاريخ والحضارة سلموا راية القيادة في الداخل لاتباعهم الذين لا يقلون حماسة وثورية الان لأجل العودة الى العاصمة عدن.
يعني وباختصار الرعيل الاول كرس جل خطابه وتفكيره ونهجه لأجل غاية الوحدة، فيما جيل الحاضر العكس بحيث بات هدفه الاعظم فك وثاقه وتحرير الجنوب من هيمنة الشمال. يعني بدلوا اغاني ايوب طارش وبلفقيه وامل كعدل واحمد قاسم والمرشدي وعطروش، بأغاني عبود خواجة ورفاقه ممن يصدحون اليوم في الساحات والحضر والبوادي
السؤال الذي لا يخفى على احد هو : ماذا بوسعنا ان نقدمه لأنفسنا اولا وللإقليم الذي شاركنا بالدم والسلاح والمال ثانيا ؟.

فإذا كانت الإجابة دولة جنوبية مستقلة ؛ فذاك يعني جنوبا مغردا بعيدا عن سرب السلطة الشرعية، ومبادرة الخليج، ومقررات الحوار، وقرارات الشرعية الدولية، وهذا ووفقا ومعطيات الواقع اعتبره تهورا وانسياقا وراء فكرة متطرفة كارثية، وفوق ذلك تفتقر لا بسط الممكنات السياسية.
 فالحال أن الحرب وما تلاها أثبتت حقيقة انه لا الشرط الذاتي توافر أو العامل الموضوعي اكتمل ونضج، فكلاهما لا يبدو أنهما متوافران او سيتوفران ولو على المدى القريب.
وعلى هذا، ففكرة التغريد بعيدا عن سرب العملية السياسية المتكئة على مضامين وطنية مسنودة بدعم إقليمي ودولي، حتما ستصطدم بممانعة وطنية وإقليمية ودولية. هذا اذا لم نقل بتصادمها مع سلطة شرعية التي لها أتباع وموالين – أيضا- ما يمكَّنها الحضور للدفاع عن وجودها في الساحة الجنوبية تحديدا.
أما وإذا ما قلنا جنوبا خلف السلطة الشرعية فذاك معناه جنوب في سياق دولة اتحادية فيدرالية، ولا ضير بعدئذ في الاختلاف حول صيغة تلك الدولة الفيدرالية، هل ستكون متعددة الأقاليم أم ثنائية ؟!
وعندما نقول جنوب ضمن سياق خيار ثالث لا يماثل الوحدة الفاشلة او يكون نسخة من جنوب يراد استدعائه، فهذا خيار حتما سيصطدم بممانعة شريحة مجتمعية واسعة، لكنها وبرغم حجمها تعد نتاج مرحلة قاسية محبطة، فقدت فيها الدولة احترامها لوظيفتها في ان تكون ملهمة وهادية وعادلة، بل واكثر من ذلك إذ تغولت سلطة الحاكم المستبد الفاسد فالتهمت الاثنين الدولة والمجتمع.
والسؤال الذي لا يود الكثير من الجنوبيين طرحه : ماذا بعد ؟ وهل من خيار وسط يفضي لمعادلة جديدة تؤسس لجنوب اخر يطمئن الداخل والخارج ؟ رجاء دعونا نتحدث بمنطق الواقع الذي نعيشه وندرك تعقيداته بدلا من التجديف في وهم التحرير والاستقلال.
نعم، وفرت احداث السنوات الخمس الاخيرة وآخرها الحرب فرصا عدة لدعاة التحرير والاستقلال كيما يبرهنون ويجسدون شعاراتهم وأدبياتهم وحتى مليونياتهم المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية، ومع توافر تلك الفرص لم يتحقق شيئا.

أتدرون لماذا لم نتحرر ولم نستقل ؟ الاجابة : لأننا لا نستطيع فعل ذلك، فلا نخبنا السياسية قادرة او ان الجنوبيون قادرين او ان دول الإقليم والعالم بمقدورها استساغة خيار الدولتين، لا سيما في ظرفية شائكة ومعقدة وخطرة كهذه، ولا يبدو أن هناك حلا سياسيا يمكنه وقف الحرب واستعادة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها إلى العاصمة صنعاء.
قولوا ما شئتم : السلطة الشرعية، ضعيفة، فاسدة، بلا حياء ولا تخجل حين تهرب مرات الى الرياض تاركة مواطنيها يواجهون مصيرهم مع القتل والتنكيل والعبث اليومي جراء الارهاب وغياب الخدمات وفقدان الأمان والعمل.
ومع سخطنا وغضبنا من الرئاسة والحكومة، تبقيان خيارنا الوحيد لمغادرة الاوضاع الحالية، فعلى ﺍﻻﻗﻞ هناك خارطة ستفضي بنا الى دولة اتحادية فيدرالية وعلينا ان نتشارك معها المهمة بدلا من زيادة المشكلات والعراقيل في طريقها.

لست بحاجة لتذكير عديد من الأصوات الطائشة المراهقة ان مضامين مؤتمر الحوار ومبادرة الخليج وقرارات مجلس الامن افضل للجنوبيين من فقدها في حال بقي المخلوع والحوثي وفي حال سيطرة قواتهما على البلاد والعباد.
الذي عنده خيار اخر غير الدولة الاتحادية الفيدرالية، فرجاء لا يبخل علينا وليقول لنا كيف ومتى واين ؟ قولوا ذلك صراحة واقنعونا بخيار فك الارتباط او التحرير والاستقلال مثلما يحبذ البعض، فالمسالة يجب ان تطرح للنقاش العام ودون تحفظ، فلا نريد منكم إلا اقناعنا بان المضي خلف البيض والجفري وشكري وسواهم من دعاة الجنوب العربي، فكرة قابلة للنجاح والتحقق.
وإما أن تسمعون منا اذا ما قلنا ان الرئيس هادي وحكومته افضل وانجع للجنوب وشعبه من الرهان على المجهول، ولدينا من المبررات والافكار التي نراها واقعية وممكنة ومقنعة للأخر الذي لديه استعداد ان يصغي ويقبل بالراي المعارض أيا كان صاحبه.
وختاما.. ومثلما تقول الحكمة الصينية الشهيرة :" ان توقد شمعة خير من تلعن الظلام " حتما لا اريد لعن الظلام واريد شمعة مضيئة وان كانت خافتة باهتة، فعلى الاقل تدلني الى منتهى لهذا التيه والضياع. باللهجة الدارجة " كزازي ولا الغدرة ".
في الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2016 03:59:32 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=78852