فرمانات مخيبة للآمال !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
 قبل عام، وتحديداً، في لقاء حضرته في قصر المعاشيق مطلع فبراير من العام الفائت، تحدث الرئيس هادي وبكل مرارة وألم قائلاً: إنني مجبر على التسول من الدول إذا ما تعلق الأمر هنا بمرتبات أو إغاثة إنسانية أو دعم الخدمات الضرورية".
أقدر للرجل الثمانيني إصراره على فعل شيء لبلد غرق مجتمعه في أتون حرب عبثية ما فتئ نزيفها مهدرا للموارد الشحيحة ولفرصه في السلام والاستقرار والتنمية.
ومع كل ما أبداه هادي من مرونة وجلد إزاء نائبات وويلات مرحلة تاريخية استثنائية اقل ما يكتبه عنها المؤرخين أنها كانت قاسية وثقيلة ونادرة الحدوث؛ أجدني ألان أسأل: هل فعل الرئاسة والحكومة يرقى لمصاف الغاية الكبيرة التي ينشدها عوام اليمنيين؟.
وهل الأداء السياسي يتسق مع حجم المهمة الوطنية المتمثلة بعودة مؤسسات الدولة وسلطاتها الشرعية إلى كامل محافظات البلاد؟ وهل ما نراه في المحافظات المحررة، بينها طبعا عاصمة البلاد المؤقتة " عدن "، مدعاة للتفاؤل والأمل أم إنه محبط ومحل شكوى وتندر وسخط؟.
حقيقة لم أعد افهم كيف لرئاسة تدعي التسول لإعالة شعبها ومن ثم تقوم بتبديده وعلى هذا المنحى المخيف والخطير؟ وكيف لحكومة مازالت تعيش عالة وعلى معونات ومساعدات الآخرين ومن ثم يكون إنفاقها على جيش من القيادات الإدارية البيروقراطية المرهقة لكاهل سلطات دولة مازالت تتخلق وتتشكل ولو نظريا وعلى الورق؟.
نعم، المعارك على أشدها في جبهات القتال، والمنطق والعقل يقولان بأن الأولوية يجب أن تذهب للجبهات وليس في تعيينات طوابير من الموظفين الجهلة والانتهازيين المتسلقين على أكتاف وأرواح ودماء الشهداء والجرحى وعلى حساب الملايين من المتعبين المنهكين بفعل الظروف القاسية الناتجة عن الحرب وما ترتب عنها من أوضاع إنسانية صعبة. 
أي عقل يمكنه قبول الفرمانات الرئاسية المتتالية من قصر جبل المعاشيق؟ عشرات الوكلاء للوزارات والمحافظات ودونما تكون هناك وظيفة شاغرة أو مهمة حقيقة لهؤلاء الذين أغلبهم بلا شهادات أو خبرات إدارية أو مهام يمارسونها.
فالمسألة برمتها لا يمكن تفسيرها غير أنها ترتيبات وترقيات ومراضاة وموالاة ووساطات مقيتة ناسفة لكل تلك المضامين والمبادئ الوطنية التي لطالما قدم الرئيس هادي ذاته كحامل لها في مواجهة الجماعات الانقلابية الهمجية السلالية والجهوية.
وكي أكون منصفاً وغير متحامل، فهذه القرارات سلبية ومجحفة بحق الوظيفة العامة وبحق المعركة المحتدمة في كافة النواحي العسكرية والخدمية وبحق الكفاءات النزيهة والمجربة. 
فهل يعقل أن يصل عدد وكلاء محافظة عدن إلى هذا الكم الهائل من المسميات المخترعة؟ وهل وزارة الإعلام يستلزمها عودة صحف الدولة وقنواتها المرئية والمسموعة أم وكلاء بالهبل، وفوق ذلك ليست لديهم وظيفة يمارسونها في الواقع ووفقا والقوانين والنظم المنظمة لعمل السلطات المحلية أو المؤسسات الصحافية. 
كنا في الماضي نردد قولة عبد القادر با جمال رئيس الحكومة الأسبق في عهد الرئيس المخلوع:" الذي لا يغنى في حكم صالح عمره ما غني ". 
يبدو أن هادي وإذا ما نهج درب سلفه سيجعلنا نطلق قولة مماثلة وهي:" الذي لا يصعد في عهد هادي وبسرعة الصاروخ من موظف مستجد وبلا شهادة أو خبرة وإلى منصب وزير أو وكيل أو رئيس هيئة ومؤسسة ليس عليه إلا انتظار ملك الموت عزرائيل ".
الناس تنتظر قرارات رئاسية تعالج قضايا وطنية وخدمية وتستعجل تحقيق الحسم العسكري، وهادي ودائرته في معاشيق وكأنهم في كوكب آخر وليس في هذه البلاد التي تطحنها المعاناة الناتجة عن حرمانهم من المرتبات الشهرية ولعدة أشهر، بل وصل حال المتقاعدين والعسكريين إنهم لم يستلموا معاشهم الشهري ولأربعة أو خمسة أشهر.
فكيف إذا ما قلنا بأن أزمة الكهرباء والمشتقات النفطية والمستشفيات الحكومية والجامعات والمدارس والنازحين والشهداء والجرحى وأوضاع المؤسسات في المحافظات المحررة وسواها من القضايا المؤرقة للسكان، فهذه وعلى أهميتها وأولويتها كأنها ليست من مسؤوليات السلطات الشرعية المنشغلة الآن بترتيبات ضيقة فاسدة تزكم الأنوف.
فواحد كان عسكرياً عادياً في الجيش أو موظف في مرفق، أو حارس بمزرعة أو عمارة أو نقطة أو قولوا قريبا من البلاد أو الحاشية، بمرسوم بات نائباً لوزير أو وكيلاً أو ملحقاً أو رئيساً لمؤسسة. 
يا الله هل هي ليلة القدر تجلت كاشفة خيرها فجأة على هؤلاء أم إنهم أذكياء وشطاراً أم أنهم عرفوا الطريق المفضي إلى مكارم وهبات وعطايا السلطان؟.
البعض ربما قد يزايد ويقول: ولكن مثل هذه الترتيبات يقوم بها أي حاكم جديد فكيف ببلاد مازالت تحكمها جحافل الكهوف المظلمة؟. أياً يكن الأمر فما أعلمه أن الرئيس هادي أخذ على عاتقه مهمة انجاز الدولة الفيدرالية الاتحادية العادلة المنصفة لكل اليمنيين الذين وضعوا آمالهم وتطلعاتهم بوجوده على رأس السلطة.
وعندما تتصرف هذه السلطة وعلى طريقة الدولة الريعية الإقطاعية التي كانت سائدة في القرون الوسطى فماذا أبقت للخلفاء العباسيين والأمويين الفاسدين؟ وماذا أبقت من مذمة للعهد السالف الذي نلعنه ليل ونهار؟ فالمقدمات الخاطئة بكل تأكيد نتائجها كارثية.
فمثلما يقال البيضة الرديئة من الغراب الرديء، وأخشى إذا ما سارت البلاد على هذه الوتيرة فإننا لا نعثر على مبرر وطني وأخلاقي وسياسي يبرر مآسي وويلات الحرب المكلفة للغاية.
وإذا كان الرئيس هادي لا يعلم ما يتداوله عامة الناس في مجالسهم وفي هواتفهم فيجب إبلاغه بالمهم، وهو أن في صنعاء عصابة تسرق وتنهب لكنها تجهد ذاتها لإقناع أتباعها بأن فعلها يدخل في نطاق واجبها لبناء الدولة فيما السلطات الشرعية في عدن تسرق وتنهب كل فرصة ومورد يدخر في حساب الدولة ولمصلحة عصابات وما فيات تكبر وتتضخم ماليا وتجاريا وعقاريا واستثماريا ووظيفيا.


في الأربعاء 01 فبراير-شباط 2017 07:47:36 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=79255