انتصرت بريطانيا على ألمانيا ليس بكثرة جيشها وعتادها وإنما بحنكة وكفاءة ساستها بقيادة ونستون تشرشل- رئيس الحكومة- والذي نجح بالفعل في توظيف طاقات الشعب البريطاني واستغلال موارده وجهده في صد العدوان النازي وإحباط كل محاولاته الجوية والبحرية لاحتلال بريطانيا .

 بالمقابل كانت هزيمة فرنسا واحتلال القوات الألمانية لها بسبب فقدان ساستها رئاسة وحكومة لتلك الأهلية والقدرة .

فبرغم أن الجيش الفرنسي فاق نظيره الألماني بمقدار ثمانية أضعاف، وهذه القوة الفرنسية الضخمة كانت جاهزة ومدربة وقادرة على اجتياح منطقة الراين المنطقة الفاصلة وإيقاع بتلك القوات اكبر هزيمة عسكرية .

الموقف الفرنسي المضطرب والمراهن على موقف أوروبي دولي حيال أطماع وتهديدات وخروقات النظام النازي، أهدر فرصة الحسم العسكري وهزيمة القوات الألمانية وبمجرد خرقها لاتفاق بقاء منطقة الراين خالية من السلاح، خاصة في ظل اندفاع قوات هتلر ناحية النمسا ووتشكوسلوفاكيا وبولندا .

الفرنسيون آثروا الانتظار ولحين زحفت فرق القوات الألمانية إلى حدود بلادهم، وبعيد أن باتت قوات هتلر في موضع يصيب الرعب في قلوب دول أوروبا عموماً .

أيا من الساسة الفرنسيين لم ينتحر بعيد احتلال الألمان للعاصمة باريس، مثلما فعل رئيس حكومتا المجر " الكونت تيليكي " واليوناني " المسيو كوريسيس " اللذين انتحرا على اثر اجتياح بلديهما في شهر نيسان ٤١م من قبل الجيش الألماني ".

سقوط فرنسا وتنصيب الألمان لحكومة " فيشي " الموالية لهم، لم يثن من عزيمة الفرنسيين ومن كفاحهم لأجل تحرير بلادهم، ففي النهاية عثرت فرنسا على قادة ملهمين لمقاومة المحتلين، كما وعثرت على أصدقاء ساعدوها وضحوا لأجل انتصارها .

قرأت ما سطره أحدهم عن سلوك النخب المسؤولة. لا أتذكر اسمه أو كتابه للأسف، لكني ارتأيت نشر ما سطره من كلام لتعميم الفائدة .

" فالقدوة أحد المخارج المهمة من الأزمة، حيث يظل سلوك النخبة المسئولة عن إدارة المجتمع هو النموذج المحتذى سلبا أو إيجاباً". 

الفيلسوف الفرنسي هلفيتيوس القائل: " إن التفاعل بين المجتمع والسلطة ذو اتجاه واحد . فالشعب لن يؤثر في طبيعة السلطة، وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب وأخلاقه" .

 واستنتج من ذلك أن السلطة مسئولة عن مساوئ الشعب، كما أنها مسئولة عن محاسنه .

فالسلطة التي تقوم على الابتزاز، ويتمتع أقطابها بامتيازات استثنائية، لابد أن تخلق جهازاً جشعاً ومرتشياً". 

ولذلك فالسلطة التي تتعامل مع الشعب بطريقة فاشية، لابد أن يصبح جهازها فاشياً، سواء بتشكيلاته أو بالنزعة التي تسيطر على أفراده". 

" والسلطة الفاسدة أو التي تخدع الناس وتكذب عليهم، تعطي الناس دروساً يوميه في الفساد والكذب " .

ختاماً، رئيس حكومة بريطانيا أثناء الحرب الكونية الثانية "تشرشل" وصف ما حدث في مذكراته بأنه: "ضعف الفضلاء أدى بالنتيجة إلى تقوية الأشرار" .