السياسي المثقف
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
يسأل الكثير من جيلنا عن فترة حركات التحرر الوطني، هل هي كذبة عشناها ونفاق جماعي رددنا فيها شعارات عن السيادة والاستقلال ولازالت إلى اليوم مجرد شعارات، حتى تهيأ لنا أننا لازلنا نعيش في وهم قائم على الشعارات البراقة، ما أجملها،وما أبعدها، حلم كالسراب .
مهارتنا في التنظير والتخطيط، ونفشل في التطبيق، نفشل في اختيار السلطة التنفيذية، الحاكم نفسه وطبقته السياسية ومنهجه في التدبير والحكم، نختاره محمي بقبيلة هي بطانته وهي سنده، يوظفها في صراعاته و بها يهدد سلمنا، لا يأتي ليحكم بل يأتي ليتسيد ويتسلط ويستبد، ويبدأ يحبك خيوطه ويغرس مخالبه ليثبت حكمه ومن الصعب أذا تغييره، تكرر لنفس تجاربنا الفاشلة، و أهم أسباب هذا الفشل في بلدي أن الحاكم والمتصدر للقرار السياسي يأتي من خارج الوسط الثقافي، لهذا عانى المثقف على مدى عقود من الزمن تسلط السياسي على الشأن الثقافي، وأصبحت السياسة هي المحددة للتوجهات الثقافية مع أن السياسة هي أحد أنماط الثقافة. ولجأ السياسي إلى محاولة أدلجة الثقافة لتتلاءم ومقاسه، لأجل السيطرة على المثقفين وإجبارهم للعمل لحساب توجهاته الفكرية، فافسد السياسة وفسدت الحياة .
الحديث عن الدولة المدنية والضامنة للحريات والمواطنة عبث، دون وعي فردي واجتماعي بالهدف المراد الوصول ليه، دون قائد من الوسط الثقافي يؤمن إيمان قاطع بالهدف، ويملك من الوعي ما يمكنه من رسم مسار الوصول، يختار الأدوات الصحيحة الداعمة للهدف، يضمن رسوخ القيم والمبادئ أساس ذلك الهدف،محمي جماهيريا، حتى لا يكون مصيره كغيره من حكام مثقفين متعلمين كانت لهم القوى التقليدية والقبيلة في المرصاد، رحمهم الله .
 لا شك أننا وفي المجال السياسي والسلطوي محتاجون جداً إلى التغبير في العقليات والثقافة وأنماط التفكير، والتجديد والتعديل لا في الدستور والأنظمة فقط، ولكن في اختيار من يقود سفينتنا ومسئول عن تنفيذ تلك النصوص، من الوسط الثقافي، لنتجنب القرارات المصيرية الطفيلية المزاجية في السياسة والاقتصاد، وفي كل القضايا الكبرى المكونة والضامنة لوجود الدولة والحافظة لبقاء ووجود الأمة وأصول وقواعد التعايش السلمي لمكونات الشعب .
صار المثقف يعيش أزمة مع الحاكم، عندما يطلب القائد الهمام الجاهل والمتخلف اللقاء بالمثقفين أكاديميين أدباء وكتاب وباحثين، يتكلم ويردد كثيرا من الشعارات والوعود وينتظر التصفيق، وان أتاح فرصة للآراء يهز رأسه دون أن يفهم المعنى الصحيح للطرح، هو يجس نبض استخباراتي، تلك هي الموهبة الوحيدة التي يملكها استشعار بوليسي تأمري عليه وعلى سلطته، الجاهل يرتكز خوفه من المثقف والواعي لمصالحه التي بالضرورة تتناقض ومصالح المستبد .
هل صعب أو مستحيل اختيار قائد لمسيرة امة من الوسط الثقافي، لا يحتمي بقبيلة ولا عشيرة، مقيد بنظام وقانون ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكوم، مثقف يستوعب مصالح الأمة وأحلامها وطموحاتها، ويملك من العلم والثقافة الغنية بالقيم والمبادئ والأخلاقيات التي تجعله قادر على قيادة السفينة لبر الأمان ونهضة أمه لمواكبة تطورات العصر .


في الأربعاء 02 أغسطس-آب 2017 06:01:16 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80253