استعادة وطن
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
استعادة وطن، حلم يسكن فينا وكل الغيورين والمناضلين لتحريره من هيمنة الاستبداد والظلم والفساد، من القوى التقليدية المتخلفة المستبدة سياسيا ودينيا معا، من فكر الطائفة والمنطقة، من رفض الآخر والإقصاء والتهميش، من ماضيه العفن بكل مآسيه ومظالمه وأحقاده وضغائنه، استعادة وطن معافى من التخوين والاتهام جزافا والتكفير، وطن يستوعب الجميع بكل أطيافهم السياسية والفكرية والثقافية، بكل أعراقهم وطوائفهم ومناطقهم، وطن سليم خالٍ من العنف والعنف المضاد من مسلسل إراقة الدماء والانتصار والهزيمة والانتقام والتشفي .
الوطن ليس أرضاً تسكنه جماعات فحسب، الوطن مبادئ وقيم وتاريخ وعهود وذكريات وطموحات مشتركة يقيم أصحابها في بقعة جغرافية واحدة، يتفقون على حمايته وسيادته وكرامته، ولا سيادة لوطن دون توافق على وحدة الهدف والمصير والمشروع، والمصلحة العامة والحفاظ على ما تبقى من روابط وعلاقات .
ما يهدد الوطن ويعيق هدف استعادته، أقزام طفيليات المراحل وما يفرزونه من مصائب التي تصب في هدم الجانب المعنوي فيه، بتفتيت وحدته الداخلية وقتل المعاني التي تجعل منه وطناً يشرف المرء بالانتماء إليه، من يحقنه بالأمراض الاجتماعية ويشحنه بالصراعات المناطقية والطائفية، ويصور للناس وهم العدو القادم من جلباب الآخر المختلف عنه ومعه، يقتل فيهم قبول ذلك الآخر، يخلق الرعب فيهم من التنوع والتعايش مع الآخر، يمزق النسيج الاجتماعي والوطني معا، يصنع هشاشة مجتمع ليسهل تغريره، ويُسهل من قدرته البسط على الأرض ونهب خيراتها والعبث في السيادة بارتهان والسقوط في مربع العمالة و كسر إرادة الشعوب.
كل واحد منا يعيش الواقع ويقرأ أحداثة ويحس بإيقاعاته التي تمسه كل لحظة، هل فعلا تشعر بالرضا؟، هل واقع اليوم يلبي قناعاتك وأحلام وطموحات الغد المشرق، مجرد استعراض للحياة اليومية وما يحدث، ستكتشف أننا نفرط بوطن، فكيف إذاً نرفع شعار استعادته؟
اليوم الموطن يئن من الوباء والغلاء والفوضى، من الارتهان واستلاب السيادة، أرضنا مسلوبة خيراتها منهوبة، محاصرون بمنافذ البلد، نموت على أرصفة المطارات في انتظار تصريح دخول أو خروج، حياتنا أسيرة وكل ما يخصنا محتكر ومعكر، نعيش سلطة أمر واقع أكثر وطأة من سلطة الماضي، اليوم الواقع مشحون والعسكرة هي عنونه البارز، الموت هي نتيجة التناقضات والمشاريع الخفية، مهددين برصاصة معتوه واشتباك جماعات لا تعرف ولاءها، مهددون جوعا و وباء، في وطن لا نحميه ولا نحافظ على تبقى فيه كيف إذاً سنستعيده .
اليوم سعر السمك في أعلى مستوى له في تاريخنا، والسبب أننا فرطنا بسيادة بحرنا وسواحلنا وثرواتنا، تجوب الأساطيل التي تعبث بالشعاب البحرية وحواضن التفريخ و التفقيس على مرأى ومسمع من يدعون حراسة البحر والشواطئ التي ترسى فيها سيارات نقل الأسماك للناهبين الجدد وتهريبها لمناطق الجوار، كل شيء في مدينتنا كما هو تحت سيطرتهم، بحلفائهم الأولين حلفائنا اليوم، نحن مجرد قطيع نناطح بعض لأجل أجنداتهم وأوهامهم، والبسطاء هم الذي يعانون، ارتفاع الخضروات والفواكه، والمواد الاستهلاكية، بسبب ما يفرض من إتاوات وإيرادات تذهب لجيوب لصوص وحرميه الطرقات والنقاط العسكرية وحراس الأسواق والميناء، أي أننا ضحايا هذا العبث منهكين، ليس صدفة بل مبرمج،تحت شعار استعادة وطن، شعار للاستهلاك الغبي، نحضن به مستبدا يتشكل فينا فكرا وتوجها ومشروعا، ومستبدا يلبس عباءة الطهارة والوطنية، يكشر بأنيابه بمجرد أن تعارضه وترفض وصايته حينها أنت عميل خائن وإرهابي داعشي، ويا ويلك من حقارته، هذه نهاية من يفرط بوطن ولا يحميه لا يمكن أن يؤتمن لاستعادته .
وهناك من يقول الوطن غالي، قد نموت، قد نخدع قد نستغل وقد نهزم، لكننا لن نستسلم فالوطن يعيش فينا يستحق التضحية، سنحميه وستسقط كل الأقنعة وسيكتشف الشعب حقيقة ما يدور وسينتصر للوطن ويستعيده من براثن النفاق والتخلف والجهل والارتهان والمصالح والمشاريع الصغيرة .


في الأربعاء 11 أكتوبر-تشرين الأول 2017 05:57:13 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80578