في ذكرى ثورة 14 أكتوبر
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
أهمية الحدث فيما يتركه من أثر في الإنسان والتاريخ والحضارة، ثورة أكتوبر عظمتها فيما تركته فينا، بالنسبة لي وجيلي هي أسلوب ونمط حياة وفكر وثقافة، عشنا فصولها وعاصرنا أحداثها، كنا جزءا من مسرح عمليتها كأطفال نشاهد عن قرب تحركات الفدائيين، ومطاردات الانجليز لهم، نتابع بقلق مجريات الأمور، بل نشاهد الدماء وهي تنزف من الجرحى أثناء الإسعافات، لازالت ذكرى الحذاء التي تلقيتها من والدي لأحد زملائه الجرحى عبده حبشي وفيها الدماء راسخة في الوجدان، وذكريات أخرى منها، كدنا أنا وزملائي أن نكون ضحايا بقايا معركة بين الفدائيين والانجليز ومخلفاتهم في مقبرة المعلا، قنبلة كادت أن تنفجر فينا لولا ستر الله والفدائي با حبيب.. مشاهدات مثيرة ومرعبة لانتشار الانجليز وتمركزهم على المساكن المرتفعة والجبال، واقتحامهم منزلنا ومنازل جيراننا بحثاً عن فدائيين وجرحى وشهداء، خاصة عندما تنفذ عملية فدائية، رمي قنبلة يدوية على مدرعة أو تجمع جنود أو لبلكون شقة من شقق الشارع الرئيس، هذا الشارع الذي كنا نذهب متلصصين لنشاهد أطفال الانجليز، وأروع اللحظات المثيرة لسماع خطاب الزعيم/ جمال عبد الناصر، جمع غفير من الشيوخ والشباب حول المذياع ويسود الهدوء والصمت الرهيب، ويا ويل لو سمع نخس، لا ترى غير الباكورة تهوى فوق رأسك من أحدهم، كنا مجبرين أن نستمع ثم تشبعنا، حتى صرنا من رواد تلك الحلقات متلهفين لسماع الخطابات، كم هي لحظات مليئة بالثورية والروح الوطنية والقومية العربية، تربينا عليها، ونقشت فينا قيمها ومبادئها وثقافتها وروحها الثورية وعظمتها الوطنية والقومية، لازلنا ولا زالت عدن تتذكر أشرف البشر من مناضلي الثورة الذين روت دماؤهم أرضنا المباركة، عشنا مثقلين بالحلم حتى شخنا وشاخ الزمن وتغيرت معالمه، عادوا وعدنا لنصحح مسار ثورتنا، ولأزال المخاض وثورة مستمرة.
مرحى بالذكرى الرابعة بعد الخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، والوطن جرح غائر بحاجة لتعافي، وشرخ اجتماعي ووطني بحاجة لترميم، ومجتمع مقهور بائس مظلوم بحاجة لإنصاف ذكرى عطرة لثورة حررت الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني والحكم الانجلو سلاطيني ووحدت 22سلطنة ومشيخة وإمارة في دولة اليمن الجنوبية الشعبية ثم الديمقراطية، لها إنجازاتها وإخفاقاتها، أضرها التعصب لم تخل من قبح السياسة وظلم من يعارضها بحجة صون مرحلة الثورة الوطنية.
احتفلنا ورقصنا ونشدنا لهذه الثورة نصف قرن وأربع سنوات من النصف الأخر، وكتب عنها الأدباء ووصفها الشعراء بأجمل العبارات، مرحلة مخاض ثوري لازالت قائمة، الثورة فعل مستمر حتى يتحقق الهدف، تمر بمراحل تصل لقمة النشوة الثورية، وتنتكس في لحظة،مرحلة عشناها وسمعنا طبول الحرب فيها، وعشنا نشوة النصر للمنتصر، وألم الهزيمة للمهزوم، تمتع البعض في نعيم السلطة والثروة، وحرم البعض حتى من العيش على ارض الوطن، مات غريبا مغتربا، ثورة نصيبها كنصيب الثورات العربية، شوه صورتها الاستبداد محاولا قتلها في نفوس الجماهير، بتر أهدافها، كم هي اليوم في ذكراها حزينة، وبعض أصوات النشاز تنادي بعودة الماضي الذي رفضته و وجدت لتغييره، حزينة وهي ترى من يشوه تاريخها و يغير من جوهرها، كهنوت الماضي يبعث في الحاضر يتمحور مع المراحل والمنعطفات التاريخية، كأصنام ومشاريع نصبت العداء لهذه الثورة وتحيك حولها المؤامرات منذ زمن.
الاحتفال ليس صخبا بل لإعادة مشهد الثورة تأكيد على مطالبها، وتحقيق أهدافها وقيمها، معيدين لها الاعتبار، مع كل تضحية وبسالة للثوار الشرفاء والأحرار بفعلها الثوري المستمر، مع بذل أحرار وشرفاء الوطن لأرواحهم والغالي والنفيس من أجلها حتى اليوم، ثورة فبراير هي امتدادها وقوافل شهداء خمسين عاما لتدعيم قيمها وأهدافها على الأرض، لتقوية أركان الجمهورية، تعيش خفاقة لنعيش بكرامة، ستبقى مهما قتلوا من أخيارنا وشرفانا وأحرارنا فالأرض ولادة والوطن غني بهم،لن نسمح بأن تكون ذكرى شيئاً آخر !. 
 والثورة مستمرة وراسخة.. حتى تكتمل أهدافها ولن نحيد عنها قيد أنملة مهما كانت الظروف وشدة العواصف.


في الخميس 12 أكتوبر-تشرين الأول 2017 03:43:04 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80579