ثقل الإرث على واقعنا
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
من أهم مقومات بناء الوطن الإنسان، وثقافته وفكره وسلوكه، ثقافة احترام النظام والقانون، ثقافة التعايش واحترام الآخر وقبوله كما هو لا كما يراد له أن يكون، نخبنا تدمّر هذه الثقافة في الوسط الاجتماعي، وتزرع ثقافة الكراهية للآخر في توليفة من عنصرين تكفير وتخوين، فإذا كان الديني يكفر فالسياسي يخون، وهما وجهان لعملة واحدة، وجميعهما يتغذى على التراث العب، تراث التكفير المتبادل، والإقصاء المتناوب، لنعبر عنه في مهاترات ومناكفات وصراعات جانبية و أحياناً في معارك دموية، وحروب طاحنة، وأحياناً أخرى في مناظرات عقيمة بين نخب ماضوية غير جديرة بتجاوز ماضيها تلوك تراث بالي تجاوزه الواقع والعصر، لا نرى غير مناكفات واتهامات وإشاعات وتشويه متبادل تتعاظم بسبه كرة الثلج.
نخب ماضيها يتطفل حاضرها بذهنية مصابة مجهدة من ضغط الإرث التاريخي والمذهبي بثقله وحمولته وسجالة، ثقل عصبوي طائفي مناطقي مقيت وأيدلوجي ممزق للحمة،مبدد كل الجهود والتطلعات لهذه الأمة المنكوبة، إذ ظل هذا الإرث الماضوي يمثل ساحة حرب، يلوك البعض ماسيه ومظالمه حتى لوث حاضره، متمسك بتراث بالي تجاوزته المرحلة والعصر، البعض كئيب وكأب واقعنا في حالة من التشاؤم الغير صحي، والشكوك والتوجس وترديد الاسطوانة المشروخة عن العدو الذي يتربص بهم، تكرر ممل كحالة مرضية مزعجة، عكر صفو المرحلة، صانعا فوضى من الشيطنة للآخر، رعب وتوجس من الشركاء كفاشل لا يريد أحداً أن يشاركه وطناً، شيطن وتشيطن، وكثير من الشياطين يمثلون دور الملائكة ببراعة، واقع صعب شتت جهود الخيرين وعكر صفو الحياة وأعاق مسار التحول ومجرى حركة التاريخ المتغير.
هذا واقعنا للأسف في هذه الأرض المبارك والمدينة المعطاة عدن كمركز تجاري وميناء حر، أوقفوا حالها، وصاروا لها كلقمة الخانوق في الحنجرة، واقع طارد للاستثمار المحلي قبل الخارجي وتجار البلد الواحد، هذا القلب النابض الذي كان يغذي البلد والمنطقة، اليوم يتغذى من مناطق أقل شأناً منه، بيئة طاردة للحياة والاقتصاد والسياسة.
تلك السياسة الإقصائية، الرافضة للآخر، للتنوع، لقبول المختلف، ذلك الحضن القاتل لكل رأي مخالف والكل من يقول كلمة حق، ويحلل وجهة نظر صار متهم، وتكال إليه كل التهم، وكثير منهم اليوم مهدد بعد تحريض وشحن ضده وما أكثر الجهلة الذي يصدقون المواقع المزورة والإشاعات والإعلام المعادي، ويرددونها بترحاب مبتهلين في تشويه الصورة للآخر ورسم مؤشر سيئ للمستقبل الذي ينتظرنا، سياسة تزيد من تمزق المجتمع والشروخ الوطنية والاجتماعية.
كل يوم ونحن نبتعد عن بعض خدمه لأعدائنا، كل يوم نزداد تخلف وانحطاط، كل يوم وتتمزق اللحمة ويتوسع الشرخ الاجتماعي والسياسي، والسؤال المهم أين العقلاء مما يحدث؟ أين التنوير وصوت العقل لوقف هذا العبث القائم؟ أين المجتمع المدني، هل استسلم للتخلف والسياسيين الغير واعين وغير مثقفين، سياسيو هذا الزمن الذي يعكوا الواقع عكاً لا يدركون حجم خطورة الشحن والتحريض، واستدعاء الماضي بكل صوره القذرة، وأننا في عصر تجاوز حكم اللون الفكر الواحد والايدولوجيا الشمولية،وان الأوطان اليوم تبنى بالديمقراطية والتعددية والتعايش والتنوع ، لتستوعب كل أبنائها بطوائفهم وأفكارهم وأيدلوجياتهم.


في الإثنين 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 05:10:18 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80730