الديمقراطية في مجتمع متخلف
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
في غياب الوعي، وانتشار الجهل، يصبح الرأي الآخر متهما، حتى يعي الناس أهمية الاختلاف والتنوع الفكري والثقافي والسياسي.
المجتمع الرافض للآخر مجتمع غير سوي يسوده التخلف والجهل، يسهل فيه غسل الدماغ، وتوجيه العامة بالإشاعة والمفبركات الإعلامية، حيث يتم التوجيه للعنف ضد الآخر، لما يخدم مشاريع ضيقة، في مخطط حرق الأخضر لانتشار التصحر في الأرض والإنسان، حيث يتصدر المشهد كل ما هو سيئ.
ما ذنبنا نحن البشر في الحياة الرافضين أن نكون حيوانات تقودنا غرائزنا الفطرية، لا يمكن القبول بسلوكيات تدفع بالمجتمع لتتفكك ببطء، والوطن نحو الهاوية، يشعلون النيران فيه، ليعيشوا متسيدين فارضين مشروعهم سلوكياتهم وقناعاتهم المشوهة، تحت شعارات زائفة وهتافات خاوية من الجوهر.
نحن مخيرون نحدد نهايتنا كيفما نشاء، سمحنا للطائفية والمنطقة والعصبية أن تتحكم بعقولنا وتصبح هاجسنا الأول في علاقتنا مع الآخرين، فبالتأكيد ستغدو مجتمعاتنا جماعات مستقلة عن بعضها البعض منغلقة على نفسها، همها أفرادها متناسية الآخرين بسلوك وثقافة طائفية مناطقية،يوجدون لها المبرر ويهيئون البيئة، صار البعض اليوم سيدا يعيش وهم الاصطفاء الإلهي، ومناطقيا يعيش ازدراء الآخرين، لإنسانيته مكيال حسب المنطقة والعرق، ويمكن أن تعرض في مزاد للبيع والشراء لمن يدفع أكثر بمقاوله قذرة، كما يحدث اليوم للإنسانية التي برزت لتنقذ النظام السابق، وتدوس على كرامة البسطاء في نقاط دخول عدن، إنسانية بدعم قبلي تجد من يبرر لها ببجاحة من نفس الطوق، شريعة أنا الأقوى أنا أحكم! لذلك فإن الفكر التكفيري والرجعي والكهنوت سيجد ضالته المنشودة وبيئته الخصبة للنمو في هكذا مجتمعات.
لا نهتم بمسالة القيم والمصالح التي لا نختلف عليها في خطابتنا وشعاراتنا مثل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكل ينادي بها ويتغنى بها، قولا لا سلوك، لا موقف واضح من أعدائها، وهنا يأتي السؤال من هم أعداؤها؟       
إن أعداء الحرية والمساواة والعدالة هم أنفسهم أعداء الديمقراطية كما قال المفكر الفرنسي {وجاك ونسيار}: لا يكره الديمقراطية إلا من يكره الاشتراك في العيش مع الناس الذين يتساوون معه في الانتماء إلى الإنسانية. 
أي كل من لا يحب الديمقراطية الشعبية الحقيقية فهو أكبر عدو للدولة الحديثة، اقترنت الوحدة اليمنية بالديمقراطية، لكن أعداء الديمقراطية أفرغوا محتواها الشعبي الحقيقي؛ وذلك بنزع الطابع الإنساني عن المجتمع اليمني من خلال إثراء رجال السلطة ثراءً فاحشاً.
 وفي المقابل تدني المستوى المعيشي للغالبية العظمى من الشعب أدى إلى اختلال التوازن الاجتماعي بين طبقات المجتمع مما سبب كماً هائلاً من الأمراض والمشاكل الاجتماعية والسياسية من أزمة القيم الإنسانية وغياب الضمير الذي جعل البعض يمجد الفرد و ينهب ويدمر الوطن باسم الديمقراطية، وخلق النظام حينها أعواناً له من شياطين المصالح لإعادة إنتاج نفسه أكثر من مرة باسم الديمقراطية والشرعية، وهي شرعية الغلبة والقوة، أي شرعية الغاب، الشرعية التي جعلت البسطاء من الناس يلهثون بعد لقمة العيش دون أن يفكروا بمصالحهم الأساسية ومستقبلهم فأصبحوا أدوات بأيادي أعدائهم،حقدوا على الوحدة وحملوها كل عوراتهم، وأردوا تجريف المجتمع من أدوات التنمية السياسية والديمقراطية الأحزاب.  
يا سادة هؤلاء هم أعداء الديمقراطية، وبالتالي أعداء المجتمع المدني وأيضاً أعداء التحول والتغيير، الرافضين للدولة ومؤسساتها، فارضين أمراض خطيرة وفتاكة للقضاء على المجتمعات الديمقراطية، كلام فاضي وغير منطقي أن يكون زعيم قبلي يعتبر نفسه سيد القوم والبقية رعيته ويدّعي أنه ديمقراطي أو رجل دين يفتي بتحريم الديمقراطية ويكفر كل معارضيه، ولا يريد سوى الطاعة العمياء، ينادي بالدولة المدنية، أو زعيم حزب إيديولوجي أو تيار سياسي أو حقوقي لا يقبل الرأي الآخر ولا احترام حق الآخر ولا النقد وينادي بالحرية والمساواة والعدالة. 


في السبت 23 ديسمبر-كانون الأول 2017 11:03:06 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80859