الصحافة الأميركية إذ تمنح القاتل منبراً للوعظ
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه


أنا صحفي يمني فقدت عملي وأجبرت على العيش خارج بلدي بسبب تعرضي للاستهداف المباشر من جماعة الانقلابيين الحوثيين المدعومة من إيران وكذلك الحال مع مئات الصحفيين في اليمن.
مساء يوم 26 مارس عام 2015 وبعد ساعات من قيام مقاتلات التحالف الذي يقوده السعودية بشن غارات جوية على مواقع في صنعاء قام مسلحون من جماعة محمد علي الحوثي قاموا باقتحام مكتبي والسيطرة على مؤسسة المصدر للإعلام واحتجزوا زملائي لعدة ساعات واتهموهم بالعمالة وهددوهم بالقتل، من يومها لم أتمكن أنا وأكثر من أربعين صحفياً وإدارياً كنا نعمل معاً من العودة إلى مكتبنا وتم مصادرة كل محتوياته.
قبل أن تجتاح مليشيات الحوثي صنعاء وتسيطر على مؤسسات الدولة بالقوة وتطرد الرئيس والحكومة كان لنا في اليمن صحافة ورقية يومية ومواقع إخبارية على الإنترنت وقنوات فضائية كما هو الحال في بقية العالم، لكن الحوثيين تعاملوا مع هذه المهنة كخطيئة ودمروا كل مقومات الصحافة في اليمن.
جماعة الحوثيين قتلت بشكل مباشر الصحفيين عبدالله قابل وحسين العيزري حيث وضعتهما في مخزن سلاح كانت تدرك أنه هدف لمقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية وقتلت بعدهما أكثر من عشرة صحفيين بالقنص المباشر وحوالي عشرة آخرين قتلوا بقذائف وألغام استهدفتهم وهم يغطون الحرب، ولذا فقد بدا مفاجئاً لي ولمئات الصحفيين في اليمن أن تنشر صحيفة الواشنطن بوست مقالاً لواحد من أكبر المجرمين بحق الصحافة والصحفيين في اليمن وهي الصحيفة التي تدرك ماذا يعنيه أن تفتح صفحاتها لأحد المتهمين بقتل الصحفيين.
تقارير المنظمات الدولية صنفت جماعة (أنصار الله) الحوثيين عدو للصحافة بالدرجة الثانية بعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحملتها المسؤولية عن مقتل واعتقال وتعذيب صحفيين في اليمن، وبالتالي فإن مزايدة محمد علي الحوثي بإدانة مقتل الصحفي جمال خاشقجي لا يعدو كونه استغلالاً وتوظيفاً سيئاً لمقتل صحفي دفع حياته ثمناً لتعبيره عن رأيه بحرية.
العالم كله يعلم أنه لا يزال اثنا عشر صحفياً من أصدقائنا وزملائنا الصحفيين اليمنيين بينهم الزميل توفيق المنصوري وهو أحد العاملين سابقاً في مؤسسة المصدر في سجون الجماعة دون أن تجري لهم حتى محاكمات شكلية أو توجه لهم أي تهم.
يبدو العالم كاذباً ومزايداً وهو يتعاطى مع قضايا الحريات والحقوق بهذا الشكل ويجردها من كونها قيمة حقيقية ويحولها إلى أداة للمزايدة، فمع إدانتنا واستيائنا لمقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلا أن التغاضي عن مقتل صحفيين آخرين بل واستضافة أحد المتهمين بالقتل ليكتب مقالاً في الواشنطن بوست ويزايد بهذه القضية يكشف حتى للبسطاء أن هناك ازدواجية في التعامل مع قضايا الحقوق.. ندرك أن القتلة والمجرمين يحظون بدعم وتشجيع من نوع خاص من قبل الأنظمة الحاكمة بغرض ابتزاز أطراف أخرى والحصول على مزيد من الأموال من خلال صفقات الأسلحة إلا أن الأمر يبدو أبشع حين تمارس الصحافة المحترمة هذا الدور وتشجع القتلة.
نرفض الحرب ونرفض استهداف المدنيين ونشجع إحلال السلام في اليمن لكن ذلك لن يأتي إلا إذا وجد القتلة رفضاً قوياً من الجميع، وكما دفع خاشقجي حياته ثمناً لإيمانه بحقه في التعبير عن رأيه بحرية فقد دفع زملاؤنا الصحفيون في اليمن حياتهم ثمناً لرفضهم هيمنة جماعة مسلحة على السلطة بالقوة واستمروا في كشف للجرائم التي ترتكبها المليشيات المسلحة في اليمن.
سنظل نرفع أصواتنا للدعوة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن على أسس عادلة وسليمة تحول دون اندلاع جولات جديدة من العنف مستقبلاً وتضمن تأسيس دولة قادرة على توفير الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لأطفال اليمن الذين يموتون اليوم قصفاً وجوعاً وخوفاً.


في الإثنين 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 03:03:19 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=81566