الفرق بين العرب والغرب.. استغلال ضعف الآخر!!
د. أيوب الحمادي
د. أيوب الحمادي


عارفين ما هو الفرق بيننا والغرب؟ لو قلتم الصناعة سوف أقول هذه مش صعبة، لأن الفجوة الصناعية نقدر على تقليصها.
لو قلتم العلم، أيضا ليس هناك مشكلة فجامعاتهم مفتوحة لنا وعلومهم أيضا وجنوب شرق آسيا استفاد من ذلك.
طيب الثروات الطبيعية، أيضا غير صحيح، لأن كل ذلك مكدس تحت أقدامنا، لكن لم نستفد من ذلك؟ طيب هل الفرق الموقع الجغرافي؟ أيضا لا.. فالعرب لهم موقع مع منافذ على بحار ومحيطات العالم... طيب احتمال الكثافة السكانية وتقسيمها، أيضا هذا غير صحيح فنحن شعوب شابة ولدينا طاقات كبيرة بينما أوروبا قارة عجوزة.
طيب احترنا، فين الفرق وليش نحن في نهاية الأمم؟ السبب هو نحن، فالله يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".. طيب هل ممكن توضح ما تقصد؟
كم شجلس أشرح، بس من وجهة نظري أبدأ من نفسي منذ كنت صغيراً في اليمن وأقارن لك أين الخلل فينا كعرب بشكل مبسط للعامة والباقي عليك تكمل أنت وتستنبط ما تريد.
عندما كنت صغيراً في اليمن كنت أسمع في الإعلام والدواوين ومن خطبائنا كل جمعة وبعد كل صلاة وأساتذتنا في المدرسة بمناسبة وبدون مناسبة يفردون أكثر من نصف الخطبة أو الدرس أو النقاش لتوصيف الغرب "الكافر" بكل الأوصاف التي قد تخطر على بال.
كل ذلك شكل قناعات معينة عليهم لديّ.. لذلك كنت اريد الدراسة في مصر او سوريا بعد الثانوية، لكن كتب الله ان اكون من ضمن المبتعثين من التعليم العالي الى الغرب الكافر اي المانيا ومن الامم المتحدة الى روسيا طب بشري، فقلت المانيا اخف الضرر، لان روسيا كفار عرابيد لا يؤمنون بشيء، هكذا كان وقتنا وما رسم المجتمع لنا.
فرحت انني سوف انشر الفضيلة في ألمانيا، التي تعلمتها من صغري وأنقذ الغرب الكافر من تعاسة الحياة، التي يعيشون بها وأضمن الجنة برحمة الله وبصبرى في دعوتي كما قال لى أصحابي ومن عرفني وقتها.
عشت في الغرب "الكافر" أكثر من نصف عمري إلى الآن، تعمقت فيها تجربتي وتأصلت خبرتي، ليس في العلوم الطبيعية، وإنما الإنسانية، لكني لم أستطع أن أزرع هنا زهور ثقافتي ومنهجي المحمولة على عاتقي من المنطقة العربية أي "اليمن" كما كنت أريد من أول ليلة وكما كنت أتصور وأكرر أقول (كما كنت أتصور).
وبدلا من ذلك عشعشت غاباتهم الكثيفة في شخصيتى بتعاليمهم الحديثة وأفكارهم النيرة، والتي تُترجم من كل حلقات مجتمعهم إلى سلوكيات عملية دون ابتذال او تمثيل أو مَنّ.
وحتى لا أتهم أنني أحب الغرب أو أنتقد في بيئتنا العربية دون تقديم حلول أو خلاصة ما نحن فيه وكيفية الخروج منه، فأنا أحاول أن لا أطرح موضوعات إلا لمراجعة الذات.
فمثلا في الغرب رأيت الطفل لا يتربى على شعارات الفضيلة و لا الأفضلية المطلقة كمبدأ (ارفع رأسك أنت عربي يمني او سعودي، لك تاريخ عظيم او انت من خير البشر) كما تربيت وتعلمت انا.
لكنه بسلوكياته وأخلاقه يمتاز كثيرا عنا من دون مغالطة فكرية او كلمات جوفاء و التي تيقنت فيما بعد ان ليس لها أي أصل أو سند في ديننا.
فالطفل هنا حر لا يكذب ولا يكره ولا يحقد ولا يخاف ولا يتملعن مثل حالنا عندما كنا مثلهم.
في الغرب لا يحلم الطفل إلا أن يكون ناجحا وفعالا وسعيداً وفي أوطاننا نزرع الزعامة وثقافة حمل السلاح والتسلط والطبقية والمناطقية والاستشهاد دون ذلك في أطفالنا مع كل نسمة هواء.
وفي الغرب لا يعملون أي تمييز ما بين الطالب العربي والغربي في التعامل او حتى الرسوم في مدارسهم او جامعتهم ومرافقهم، وفي أوطاننا لا يسمح إلا لأبناء الوطن فقط في دخول الجامعات اما أبناء المقيمين ليس لهم الا ان يكتفوا بما حصلوا او ترك البلد كما هو حال الخليج العربي الغني بالمال.
في الغرب رأيت الإنسان لا يُعامل من قبل النظام على أساس جنسيته أو قوميته أو لونه أو دينه أو فقره أو غناه أو أسرته أو مكانتها بل على أساس آدميته قبل وبعد كل شيء. لذلك في دساتيرهم الكرامة الإنسانية لات مس وتحتها تمر كل القوانين، وأقول كل القوانين.
في الغرب رأيت الإنسان يحصل على حقوقه غير منقوصة كالرعاية الاجتماعية، حتى وإن كان يستغل النظام ويتملعن، او يحصل على إقامة دائمة بعد المكوث عدة سنوات متواصلة حتى ولو دخل الى هنا بأوراق مزورة او حتى بدون أوراق إثبات الهوية او هارب او لاجئ إنساني وليس سياسيا، بينما في بلادنا العربية والإسلامية وبالخصوص الخليج والمملكة يجدّد المقيم إقامته ولو مكث مئة سنة ولو هربنا نحن من الحرب عندهم وظللنا 200 سنة فلن يكون لنا اي حق في الإقامة ونحن جيران وأسرة واحدة من بداية الخليقة.

في الغرب لا يطرد من البلد من اشتغل 56 شهراً لأنه صار دافع ضرائب تعطيه الدولة حق الإقامة الدائمة حتى لو ظل بعدها على الرعاية الاجتماعية بقية حياته دون عمل، بينما في عالمنا قد يتم طرد مئات آلاف من أخواننا تحت قوانين مجحفة أو مواقف سياسية عاطفية كما حصل في السابق، حتى وإن عملوا 56 سنة والغريب الادعاء أننا أخوة في الدين والأرض والتاريخ المشترك بعد ذلك وسوف نجتمع في دينينا تحت راية واحدة بهكذا سلوك.
في الغرب تمارس كإنسان سلفي أو إخوان او كافر او مرتد او حتى جني حريتك في ممارسات معتقدك وتعيش بجانب غيرك مما ذكرت جار له باحترام، وفي أوطاننا أفكارنا وقلوبنا ضيقة لا ترغب بالنقاش مع كل جديد او غريب حتى لا نقع في المحظور ويقام الحد لمن خالفنا ونقتل لمجرد الاختلاف المذهبي والمناطقي والسياسي ونبرر سلوكنا الشاذ ضد غيرنا.
في الغرب لا يختزل دور المرأة في النكاح والإنجاب وفرض الوصايا عليها في كل شيئ، وإنما هي نصف المجتمع بدون مغالاة وقيادة الدولة تحتهن تعمل بانسجام غريب.
في الغرب تستطع الزواج من من تريد حتى لو كانت بنت المستشارة الألمانية إن كان هناك توافق دون ان يقف القانون ضد هذه الرغبة، ويمكن أيضا لو أنت فقير فتح بيت والحفاظ على كرامتك مهما كان معتقدك حتى وان كنت معدما، وتستطع تأثيث شقة يتحملها مكتب الرعاية الاجتماعية بما انك قانوني اي دافع ضرائب من قبل وإقامتك 5 سنوات قانونية، بينما في المملكة على سبيل الذكر كموطن الرسالة وفيها مقدساتنا وقبر نبينا ومحرك المنطقة الإسلامية ينتظر الإنسان لمدة 3 سنوات تقريبا وقبلها يجب ان يكون لديه عمل وإقامة سارية المفعول للحصول على إذن لزواج مواطنة، غلبانة، فقيرة، أرملة او مطلقة ولم اقل بنت شيخ او امير هذا وهو يماني من نفس الثقافة والأرض فما بالكم بهندي او صومالي مسلم والذين قد ينتظرون قرنا من الزمان.
والمشكلة أن في الغرب زوجتك تعطيك طريقا قانونيا للجنسية والإقامة وأطفالك يحملون جنسية البلد بعكس الخليج والمملكة ارض الإسلام، حيث يصبح زواجك دون فائدة قانونية تذكر غير انك تنام مع الكفيل بسرير واحد.
في الغرب يحصل المقيم على الجنسية بعد 6 إلى 7 سنوات متواصلة ان تكلم لغة البلاد وألمّ بقليل من المعلومات العامة حول نظام الدولة وتقسيمها و4 مواد من الدستور كل على بعض لا تتجاوز 14 صفحة وفي موطن الإسلام والخليج الإسلامية لا يُمنح الجنسية للعربي حتى وإن ولد فيها وحفظ القرآن بالقراءات السبع التي حددها ابن مجاهد، والإنجيل والتوراة وتاريخ الجزيرة العربية من هبوط آدم عليه السلام مرورا بقبائلها وصعاليكها حتى يومنا فما بالكم بالهندي المسلم، هذا وهي مناطق تفتقر للسكان كثروة.
في الغرب يسعون دون تهاون إلى استقطاب وتوطين وتجنيس كل كفاءة تخدم شعوبهم والانسانية جمعاء، ونخبنا وقادتنا تحارب أبناءنا ومغتربينا وكوادرنا العربية إما بانتقاصهم في الوظيفة او المواطنة او إقصائهم من الوظيفة القيادية او تطفيشهم او جعل المواطن الذي إمكانيته محدودة مديرا عليهم بحكم انه فقط مواطن وأنت وافد.
في الغرب عقولهم النيرة تدير مؤسسات الدولة وقطاعات الإنتاج، وفي أوطاننا جهال القوم وعسكر وشيوخ الوطن وبلاطجة السياسة والدين متمترسون في كل مفصل في الدولة الى ان يسلموها الى المهدي المنتظر -كما سمعنا- حتى ولو نظرنا إلى حالنا في الدول الفقيرة.. وفي الغرب لا تجد كفيلاً غربياً يبتزّ مقيما عربيا او هنديا او صينيا يتاجر به او يطلب منه شيئا دون وجه حق ولا تسمع كلاما جارحا.
وفي عالمنا طفل صغير أو كبير في الخليج يكفي ليقول لك اسكت وإلاّ أرجعك بلدك، أنا مواطن وأنت مقيم تحتاج تتعلم كيف تخاطب المواطن تاج راسك وكأن بيديهم صكوك من رب العالمين بتوزيع الأرزاق.
وحتى لو نظرنا لإخواننا في المناطق اليمنية الجنوبية وتعاملهم مع أبناء المناطق الشمالية هذا ونحن فقراء ننتظر دعم الخارج لنا بسلات غذاء. في الغرب قد تجد امرأة تعمل كخادمة حدد لها النظام عدد الساعات والإيجار العادل دون انتقاص كرامتها ووضوح الشروط والواجبات، وفي عالمنا تعمل مثل هذه الإنسانة لمدة 18 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع بـ 200 يورو كما هو حال اخوتنا في الخليج مثلا ناهيكم عن الاستغلال وما خفي كان أعظم كما نسمع هنا وهناك.
في الغرب نطرد وزيرا لأنه اشترى لابنه تذكرة طيران بتخفيضه كوزير بقيمة لا تتجاوز 300 يورو، وفي أوطاننا ابن الوزير هو الوزير القادم وأبوه لا يرى للمناقصات الا ابنه وأخاه وحتى يفسح المجال لنفسه ولابنه لا يكل في تطفيش واتهام وتخوين أهل الكفاءات وحتى لو نظرتم ليس فقط للخليج والعرب وإنما الشرعية اليمنية الفقيرة والمشتتة التي لم تترك وظيفة الا وأعطتها أبناءهم وأقرباءهم.

في الغرب الإنسان المعاق والفاشل يُدعم حتى ينجح ويبدع، وفي بلادنا المريض والمعاق نسترزق بهم على أبواب المساجد والمصالح والإشارات.
في الغرب تخلصوا من رجال الدين والإقطاعيين والفاشلين من إدارات مصائر الناس منذ العصور الوسطى، وفي أوطاننا العربية ننشئ لهم إمبراطوريات بصكوك ربانية ولوائح دستورية واستحقاقات مرحلية.
في الغرب لا وقت الا للعمل وبناء المصانع والإنتاج، ونحن لا نملك لا مصانع تتحرك ولا طاقات تفكر ولا حتى خطاب عقلاني ولا سلوك إنساني، ولا سياسة واضحة، و لا أحلام مشروعة غير العمالة والارتزاق، ولا حتى صرف صحي يسترنا من بقايا الأمطار وانتشار الأمراض والأوبئة.
في الغرب يتعامل النظام بالإسلام النقي معك رغم كفرهم بالحساب والمعتقدات الدينية، وفي بلادنا العربية المختلفة أصحاب السلطة والفضيلة المطلقة تتعامل بمناهج الكفر والإقصاء والتطفيش للآخر والعنصرية والطرد حتى وإن كنت من نفس الوطن، برغم إيمانهم بالآخرة، والغريب أننا ندعي الحق المطلق والجنة لنا.
في الغرب الدولة تدفع مرتبا للطفل ويزيد مرتبات الأطفال كلما زاد عددهم في الأسرة حتى ولو كنت جديدا على هذا البلد او طالبا او موظفا، اي الدولة تدعم بالأسرة مع الأطفال مهما كانت جنسيتها ومعتقدها وتسهل استمرار الأسرة وحتى رسوم الدولة تنخفض للأسرة مع الأطفال والضرائب وتزيد لهم الرعاية الاجتماعية وحتى رسوم استئجار الكتب تنخفض الى النصف للأسرة مع الأطفال وأيضا رسوم الحضانات للأطفال حتى لا يشكل ذلك ثقلا على رب الأسرة، بينما في المملكة لن يستطيع الأجنبي العربي ينام وهو يعلم انه سوف يدفع رسوم كل شهر لم يفرضها احد في الارض كلها على أسرة مقيم بهذا الحجم تكسر ظهره.. لا ادري أين أقف بالسرد الذي لن ينتهي ولكني اكتفي.
وبناءً على السرد السابق فيتضح لنا أن الفرق بيننا وبينهم هو السلوك الإنساني، الذي يجسده القانون تحت حماية الكرامة الانسانية من المساس بها او استغلالها.
يتضح لنا أيضا من السرد أن قوة المجتمع وتماسكه وتفوقه وأحلام إنتاج الدولة المدنية الحديثة القوية التي تتجسد فيها الفضيلة كصفة ربانية لنا كمسلمين قبل أن نتحدث عن القانون يكون نتيجة تقييم سلوكيتنا اولا وأخيراً، يكون نتيجة استمرار التأثير الثقافي والتسامح والتعايش، وليس نتيجة استغلال ضعف الآخر أو احتياجه ومصادرة كرامته بصور مختلفة وبحجج مختلفة نابعة عن المنهج الديني المذهبي أو الفقر الاقتصادي أو الاستغلال الإنساني أو السياسي أو المناطقي أو العسكري.
البشر ترتقي بقوانينها وسلوكها ونحن نسقط بقوانيننا وسلوكنا وممارستنا وأخلاقنا كل يوم أكثر!!!!!


في الأربعاء 09 يناير-كانون الثاني 2019 05:47:17 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=81872