عدن.. والهجوم على للعقل
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان


يتعرض العقل العربي لهجوم شرس من قبل أعدائه، هجوم لصالح الجهل بإدراكهم- جيداً- أن الجاهل عدو نفسه، وبالتالي عدو مجتمعه ووطنه، وضحية سهلة للاستقطاب والتغرير، وبيع الذمم وتخدير الضمير، ليتحول لأداة مدمرة لوطنه وأمته.
حدث في العراق، ونحن مجتمعات لا نستفيد من الدروس والعبر، ومن السهل أن يتكرر السيناريو في دول عربية أخرى ومنها بلدي اليمن، تختار المناطق بعناية، مناطق العقل التي تنير وتوعّي المجتمع، اليوم تتعرض عدن لهجوم شرس للعقل فيها، هجوم يستهدف تصحّر واقعها من كل مصادر للعقل، ليجهل الجهل فيها مسيطراً، يرسّخ التقسيم والتناحر، لجعلها ساحة لتنفيذ سيناريو تدمير، ويتحرك فيه المخرجون بحرية، وتنثر الأموال لشراء الذمم وتهيئة الواقع ليكون صالحاً لتنفيذ المخطط والسيناريو المطلوب، الذي بالضرورة لا يخدم الوطن ولا الأمة.
المشكلة تكمن في الجهلة الذين لا يقرؤون، وإن قرأوا لا يستوعبون، هم أدوات الحرث لزراعة بذور الشر، يؤدي أدوارهم على اعتقاد أنها صواب لا يدركون خطورة تبعات ما يقومون به، فإذا به أداة ظلم وقهر واضطهاد، ضحية علاقة منطقية لمتلازمة، مفادها أن الظلم هو سبب خراب الأمم (ابن خلدون).
كما يؤكد ابن خلدون (يبدأ العمران متى أيقنوا الناس خطورة الظالمين عندما يستولون على ثمار الأمة وجهودها).
الظالمون، هم المفسدون في الأرض، هم المكونات التي أنشأت بأسس خبيثة لتكون مشكلة تنتج مشاكل وأزمات وتؤجج صراعات، وتزيد من حجم التراكمات، لا يمكن أن تكون حلاً، تقوم على الصلف والانتقام والتحدي، تعزز الفرقة والخلافات، وترسخ المناطقية والطائفية والتمايز بالحق الإلهي أو العرقي السلالي، تبنى تكتلاتها في معظمها على أسس مناطقية أكثر مما هي إنسانية، هم الباحثون عن مبرراتهم في سياسة الماضي وعفن وتراكمات ذلك الماضي، منغمسون فيه بل ملطخون بمزابله.
فئة كهذه تكون في مواجهة المعمرين في الأرض، والذين يفلحونها ويزرعون فيها الخير وقيمه ومبادئه النبيلة، في مواجهة دعاة الوعي وتنوير العقول، ودعاة التعايش وقبول الآخر كما هو لا كما يراد له أن يكون، دعاة الحرية، لا يدركون معنى أن الناس خلقوا أحراراً، أحراراً في اختياراتهم ومواقفهم ورؤاهم وتوجهاتهم، أحراراً وفق القوانين والنظم والأعراف المعمولة لضبط إيقاع الحياة، الحرية التي لا تعيق ولا تقيد حرية الآخرين، والحر مترفع عن الصغائر وأنانية الذات، حرية تصنع استقلالا ذاتيا وعاما وتنهض بالمجتمع.
ماضينا وسخ وملعون وفاسد، وتحتوي مزابله بعدد لا يحصى من المبررات، يمكن للمنقب فيه أن يجد ألف مبرر ومبرر ليمارس الظلم والتعسف والقهر على الآخرين، ويبدأ البحث عن ارتباطات عرقية، مناطقية، طائفية، ايدلوجية، ليشفي غليله الانتقامي، وهو يعلم جيداً أنه ينتقم من ناس لا علاقة لهم بما حدث، بل هم كانوا معه في نفس المظلومية، وفي الأخير تتضح الصورة الحقيقية للهدف، هو التسلط والهيمنة على الآخرين، بمسميات منمقة وشعارات براقة حرية استقلال، مبنية على أسس غير إنسانية من قيم ومبادئ.
جهل أنشأت له مكونات أمنية تحمية وسياسية تنفذه على الأرض، يتربع سلطتها جهلة ومتخلفون، بل فاسدون وأنانيون، من السهل أن تحركهم الأموال والأوهام، الترديد الببغاوي للشعارات، لا توافق في الأعمال على الأرض، يحدثوننا عن التصالح والتسامح في مفارقة عجيبة، وأنفسهم لم تتصالح بعد مع الواقع المعاش.
كان متوقع أن يحدث صلف وعنجهية هذه المكونات وما يتبعها من قوى عسكرية وأمنية إلى انفجار شعبي رافض لسلوكيات وسياسات التصفية الجسدية خارج إطار القوانين والقضاء العادل.
ضاق الناس بهم ذرعاً مما يمكرون، لم يعد لديهم ما يقدمونه من مبررات وأكاذيب وشائعات، اليوم تعروا وصاروا في مواجهة حقيقة مع الناس.
يقتل اليوم الشهود والعقل الديمقراطي والداعية الوسطي والصوت الحر والفكر المتنور والنفس الحرة والمتحررة، يقتل الأبرياء، بينما يحتمي المجرمون والفاسدون والباسطون واللصوص.
رحم الله الشهداء الذين سقطوا ضحايا هذا الصلف، عوض الله الضحايا في مالهم وروحهم وجسدهم وعرضهم وكرامتهم، رحم الله شهيد الغدر، الشاهد في جريمة اغتصاب الشاب رأفت دنبع وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون..


في الثلاثاء 05 مارس - آذار 2019 08:05:05 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=82137