الديمقراطية كضابط للشراكة
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان

نحتاج أن نرتقي في اختلافاتنا.. لسنا أعداء بل شركاء، والشراكة تضبطها قيم ومبادئ وعقد اجتماعي (دستور), وتستقيم بالديمقراطية.
نختلف نعم.. والاختلاف ثراء وتنوع جميل إذا انضبط بالقيم والمبادئ الديمقراطية، تهتز هذه الشراكة إذا فقدنا هذا الانضباط .
اليوم نسمع عن الديمقراطية وتأييدها في الخطابات والشعارات والبيانات والأثير، وفي نفس الوقت تنتهك سلوكاً وثقافة على الارض.. انتهاكات تجد في المقابل تخاذلاً من قبل النخب في التصدي لها، تجعلنا نعيد الثقة في كثير ممن نعوّل عليهم بالمستقبل.
مستقبل لا عودة للخلف، النظر للأمام تاركين خلفنا الماضي ومآسيه وتعصباته وصراعاته السلبية المدمرة، تغيير لواقع أفضل، متجاوزين أحقادنا وضغائننا، وكل ما يدمّر نسيجنا من كره وعنصرية، ونستعيد إنجازات الهامش الديمقراطي ونطوّره ونعيد ترميم أدواته السياسية، بما يلبي تطلعاتنا.
واقع اليوم ينم عن شعور أن للبعض مستقبلاً آخر، لا علاقة له بمستقبلنا، مستقبل تصفية الحسابات والانتقام، بالعودة كثيراً للخلف والحلم بالماضي أكثر من المستقبل.
لن نرتقي كأمة ما لم نرتق ديمقراطياً، ونرسخ القيم الديمقراطية فينا كثقافة وسلوك واختيار لا رجعة عنه، وأي شرعية شعبية لا تستقيم دون ديمقراطية.
البديل للديمقراطية هو العنف لفرض أمر واقع على الآخرين وشرعية الغلبة، الذي فيها الآخر مكسور الإرادة والسيادة، وبالتالي أصحاب هذه الشرعية لا يختلفون عن الطغاة والمستبدين، في ممارساتهم وانتهاكاتهم، وهذا ما يحدث اليوم في بلدي.
مليشيا في الشمال والجنوب تنتهك كرامة وآدمية الإنسان، تقتل وتغتصب وتبسط وتسطو..., وتضيق ذرعاً بالرأي الآخر، تغيب الحقائق باستهداف الصحفيين وتصفيتهم جسدياً، والأسف أن نجد مواقف مخيبة للآمال، في تبرير هذه الانتهاكات أو الصمت المعيب تجاهها، في تجاوز معيب للديمقراطية كقيم ومبادئ، وما كانوا ينهون عنه اليوم يمارسونه واقعاً، في عار عظيم عليهم وعلى قضيتنا العادلة، يشكلون خطراً على المستقبل.
نصاب اليوم في أزمة ثقافية وحوار عقيم مع مثقف، لا يدرك جوهر المشكلة ويهتم بالنتائج، لا يدرك جور القهر والظلم والتعسف، بل يجيد استغلال نتائجهما للشحن المناطقي والطائفي والعنصري، يبرر للقتلة بفرز الضحايا مناطقيا، واتهام الاحتجاجات والرأي الآخر بقوالب التهم الجاهزة (اخوان وإصلاح).
هنا الأزمة اليوم، أزمة وعي بالمفاهيم، كثير من مثقفينا، يرفض قبول تكتل الإسلاميين كحزب منظم ومنضبط بالدستور والقوانين، كيان سياسي تستطيع أن تخاطبه وتتعامل معه كأداة تنمية سياسية لها وعليها، المطلوب فقط أن ترتقي لمستوى التحديات والتطلعات، شعبيته هي مكانته في المجتمع، في مفارقة عجيبة بتقبل هؤلاء المثقفين تكتلات إسلامية طائفية يغلب عليها الغلو والتعصب والتزمت، وتسيطر عليها ثارات الماضي والحق الإلهي والصفوي وما شابه ذلك، من مكونات صراع أبدي ترسخ الجهل والتخلف وتعيق التغيير ونهضة الأمة.
ثقافة بدأت تترسخ شيئاً فشيئاً، رفض الأحزاب السياسية كأدوات وأفكار سياسية لممارسة الديمقراطية وتنميتها، وقبول البديل السيئ تكتلات عصبوية.
للديمقراطية أدواتها الحزبية، تتطور بتطورها، وما نحتاجه اليوم أن ترتقي تلك الأحزاب لمستوى التحدي وتطلعات الناس ديمقراطيا، والشعب هو الحكم، والبقاء للأفضل، في نظام وثقافة ديمقراطية، تفرض المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية، وترسخ إرادة الشعب في كلمة الفصل، وترفض العنف وتلفظ أدوات وتكتلات الصراع العصبوي، طائفي مناطقي سلالي، وكل ما لا يستقيم والديمقراطية والمستقبل الذي ننشد.


في الأربعاء 10 إبريل-نيسان 2019 02:54:11 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=82300