هل ستنجح إيران وحلفاؤها في إخراج القوات الأميركية من العراق؟
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
 

عقب قيام واشنطن باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق/ قاسم سليماني ورفاقه بقصف موكبه قرب مطار بغداد في الثالث من يناير كانون الثاني الجاري وهي العملية التي رأت فيها الحكومة العراقية والفصائل المسلحة الموالية لإيران انتهاكاً للسيادة العراقية وخرقاً للاتفاقيات العسكرية والأمنية الموقعة مع واشنطن، سعت إيران للرد على عملية الاغتيال الأميركية التي طالت أهم قائد عسكري إيراني، بمصفوفة من الأهداف، من أبرزها تحرك إيران وعبر حلفائها في العراق لإخراج القوات الأميركية من العراق، حيث صوت البرلمان العراقي في الخامس من يناير كانون الثاني الماضي على قرار يطالب الحكومة بإنهاء التواجد العسكري الأجنبي على أراضي البلاد، وتقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن ضد الولايات المتحدة لـ” انتهاكها سيادة العراق” وإلغاء طلب المساعدة المقدمة من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وعقب هذا التصويت الذي جاء بالتزامن مع حملة إعلامية مكثفة وممنهجة عن مخاطر بقاء القوات الأميركية في العراق، هدد زعيم التيار الصدري في العراق السيد مقتدى الصدر بـ" تصرف أكبر" حال لم يتخذ البرلمان بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة وغلق السفارة الأميركية "سفارة الشر" والقواعد الأميركية بالبلاد فورًا".

كما دعا الصدر "قوى المقاومة الوطنية" و"الفصائل العراقية المقاومة والفصائل خارج العراق إلى اجتماع عاجل لتشكيل ما سمَاه "أفواج المقاومة الدولية".

ومن الواضح- في حديث الصدر ودعوته للفصائل العراقية والمقاومة الدولية- التهديد ببدء مرحلة من العمل المسلح الذي يستهدف القواعد الأميركية في العراق بعد أن قام البرلمان بتجريدها من شرعية وجودها في العراق وهذا التهديد من قبل الصدر يتزامن مع حملة إعلامية إيرانية وعراقية ضد القوات الأميركية وقواعدها في العراق والمنطقة وهي رسالة لواشنطن بأن عليها الانسحاب من العراق، ما لم فإن الفصائل المسلحة الموالية ستشن حربا على ووجودكم ولذا فإن واشنطن وقواتها تواجه مأزقا كبيرا في العراق رغم أن عملية سحب قواتها لن تتم على المدى القريب إلا بتسوية بين البلدين لأن "قانون الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة ‏والعراق، وقانون اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعمل القوات الأميركية في العراق ” ينص على أنه يجب أن توافق لجنة أميركية عراقية مشتركة على جميع العمليات العسكرية ويجوز لأي من الطرفين إنهاء الاتفاق بعد مرور سنة واحدة من استلام أحدهما إخطارا خطيا في هذا الشأن.

  • تخبط أميركي أميركي بخصوص الانسحاب من العراق

أثار تصويت البرلمان العراقي على قرار إنهاء التواجد العسكري الأجنبي في العراق ردود أفعال أميركية متخبطة في البداية ثم رافضة للانسحاب بعد ذلك ففي البداية نشرت وكالة الصحافة الفرنسية موافقة مبدئية على سحب القوات الأميركية من العراق تضمنتها رسالة قائد قوة المهمات الأميركية في العراق العميد/ وليام سيلي إلى قيادة العمليات المشتركة ورد فيها إن “قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ستقوم بإعادة تمركز خلال الأيام والأسابيع المقبلة”.

بعد نشر تلك الرسالة نفى رئيس الأركان الأميركي الجنرال/ مارك ميلي، صحة تلك الرسالة واصفة إياها بأنها “ مسودة غير موقع عليها وما كان ينبغي نشرها ” ليأتي بعد ذلك تصريح وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، نافيا الأمر جملة وتفصيلا ليتوحد الموقف الأميركي بعد ذلك برفض الانسحاب من العراق حيث قال مُتحدث باسم الخارجية الأميركية مورغان أورغتوس الأحد 5 يناير كانون الثاني الجاري إن "الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل إزاء الإجراء الذي اتخذ اليوم في مجلس النواب العراقي".

وتابع أورغتوس: "الولايات المتحدة تأمل في أن يعيد العراق النظر في قراره ونحُث الزعماء العراقيين بقوة على إعادة النظر في أهمية العلاقة الاقتصادية والأمنية المستمرة بين البلدين واستمرار وجود التحالف العالمي لهزيمة داعش".

وقال مُتحدث الخارجية الأميركية:" نعتقد أنه من مصالحنا المشتركة للولايات المتحدة والعراق مواصلة القتال ضد داعش معًا. لا تزال الإدارة (الأميركية) مُلتزمة بعراق يتمتع بالسيادة والاستقرار والازدهار".

من جانبه هدد الرئيس الأميركي ترامب بفرض عقوبات غير مسبوقة على العراق في حالة طرد القوات الأميركية من البلاد وقال ترامب- في محادثة مع الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء رحلة العودة إلى واشنطن من ولاية فلوريدا"- قال إن تكاليف الحفاظ على وجود القوات الأميركية في البلاد على مدى السنوات العديدة الماضية يجب أن يسددها العراق إذا اختارت البلاد إلغاء الاتفاقية التي تسمح لهم بالبقاء.

وأضاف ترامب "لدينا قاعدة جوية باهظة التكلفة للغاية، لقد كلف بنائؤها مليارات الدولارات قبل وقت طويل من وصولي للرئاسة".

  • لماذا ترفض واشنطن سحب قواتها من العراق؟

من المؤكد بأن واشنطن ترفض الانسحاب من العراق في هذه الظروف لأنها ترى في هذا الانسحاب هزيمة لها ونهاية لنفوذها في الخليج والشرق الأوسط وهي منطقة شديدة الحيوية ولواشنطن فيها مصالح كبيرة وحلفاء سيرون بأنها خذلتهم وتخلت عنهم إذا انسحبت في هذه الظروف ولذا تهدد واشنطن التي ما تزال ترسل جنود جدد لمنطقة الخليج لمواجهة التهديدات الإيرانية.

تريد واشنطن البقاء في العراق لفترة أطول ولذا رفضت قرار البرلمان العراقي وهددت بفرض عقوبات على العراق لمحاولة ابتزازه ماليا بالحديث بالتكاليف المالية الباهظة لهذه القواعد وضرورة دفعها ودفع تكاليف الحرب ضد داعش وتهديد العراق بحجب حسابه في البنك الفيدرالي الأميركي ومنعه من الوصول إليها إضافة إلى الحديث الأميركي عن حاجة الجيش العراقي للقوات الأميركية لمحاربة داعش ولتطوير قدراته الدفاعية واستكمال بناء المؤسسة الدفاعية العراقية حيث نشرت " مجلة فورين بوليسي مؤخرا " مقالا " للباحثين الأكاديميين مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بلال صعب والباحث المتخصص في الأمن القومي والسياسات الدفاعية في معهد الشرق الأوسط مايكل ملروي يشددان فيه بأنه " على واشنطن أن تكون مدركة للهدف الإيراني: إخراج أميركا من الأراضي العراقية لكن مهمة أميركا في العراق لم تنته بعد، وتخاطر الدولتان بخسارة كل شيء إن خرجت أميركا وهم مدينون لمن خسروا أرواحهم خلال القتال لتأمين العراق بأن يبنوا شراكة أمنية أكثر استدامة ".

من المؤكد بأن واشنطن تواجه مأزقا كبيرا في العراق وليس أمامها خيارات كثيرة ولا فرصة كبيرة للمناورة فإخراج جنودها من العراق ليس له إلا معنى واحد وهو هزيمتها وطردها مهانة من المنطقة كما أن إصرارها على البقاء سيجعلها في مواجهة مفتوحة مع الشعب العراق وخصوصا الفصائل المسلحة الموالية لإيران والتي لن تتوانى عن استهداف قواعدها بكل السبل والوسائل.

هناك قلق أميركي كبير من مواصلة البرلمان والحكومة العراقية لجهودهم في إخراج القوات الأميركية من العراق وإنهاء شرعية وجودها ولذا ستبذل واشنطن جهودا كبيرة للحيلولة دون نجاح هذه الجهود في إخراج قواتها في العراق ومحاصرتها ودفعها للانسحاب بيد ان نجاح واشنطن في الحيلولة دون إخراج قواتها من العراق تبدو ضئيلة جدا.

  • قرار في البرلمان وتحرك في الشارع

من المؤكد أن هذا التصويت الذي تم في البرلمان العراقي سيتبعه تحرك في الشارع وضغوط كبيرة على الحكومة قد تؤدي في النهاية لإخراج القوات الأميركية من العراق أو على الأقل إنهاء شرعية وجودها واعتبارها قوات احتلال وعرضة لهجمات حلفاء إيران.

هناك إجماع على أن خروج القوات الأميركية من العراق إن تحقق سيعد انتصارا كبيرا لإيران وحلفاؤها في العراق وفي المنطقة بشكل عام حيث ستخلو الساحة العراقية لإيران وحلفاؤها خاصة في ظل غياب أي مشروع عربي في العراق وغموض في مستقبل الانتفاضة الشعبية العراقية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها في ظل هذا الوضع المتوتر في العراق ولذا فإن قيادات النظام الإيراني تولي عملية إخراج القوات الأميركية من العراق أهمية كبيرة وتعتبرها أهم من إطلاقها لعشرات الصواريخ على قواعد أميركا في المنطقة وأهم من قتلها للعشرات من الجنود الأميركيين انتقاما لاغتيال سليماني وذلك لأن إيران تنظر لعملية الرد على اغتيال واشنطن لسليماني بصفتها معركة طويلة في المنطقة وأن نجاح حلفاء طهران في العراق في الضغط على الحكومة لإخراج القوات الأميركية من العراق وهو ما قد مقدمة لانسحاب القوات الأميركية من المنطقة ككل وسحب واشنطن لقواعدها في المنطقة سيشجع بقية الشعوب والدول على السير على نهج العراق في طرد القواعد الأميركية وإخراج قواتها وهو تطور كبير سيصب لصالح طهران وحلفاؤها ويضاعف من تأثيرهم ودورهم في المنطقة رغم أن البعض من الباحثين يعتبرون وجود القواعد الأميركية في العراق هو لصالح إيران التي كانت إلى قبل عملية اغتيال واشنطن للجنرال قاسم سليماني ورفاقه ترى بأن هذه القوات صارت تحت مرمى قواتها وشبه أسيرة بأيدي الفصائل المسلحة الموالية لها حيث كانت ورقة ضغط بيد إيران وحلفائها ضد واشنطن وليس العكس.

* هل ستنج إيران وحلفاؤها في طرد القوات الأميركية؟

نجاح إيران وحلفائها في العراق في إخراج القوات الأميركية من العراق مرهون بعدة عوامل أهمها:

1ــ جدية الحكومة العراقية في التحرك لإخراج القوات الأميركية وسحب الشرعية عنها وخلق إجماع وطني يؤيد هذه القرارات.

2ــ مدى قدرة الحكومة العراقية على تحمل الضغوط الأميركية والتهديدات وتجاوز آثارها في حال تم تنفيذها فعلا.

3ــ مدى قدرة إيران وحلفاؤها على تجييش الشارع العراقي ضد القوات الأميركية ووجودها في العراق وتحرك الشارع العراقي بمسيرات حاشدة وبزخم كبير يعكس وجود إرادة شعبية لإخراج هذه القوات من العراق.

4ــ جدية الفصائل المسلحة الموالية لإيران في استهداف القواعد الأميركية ومدى قدرتها على إحداث تهديدات حقيقية تجبر واشنطن على سحب قواتها من العراق.

5ــ تصعيد الحكومة العراقية ضد القوات الأميركية إقليميا ودوليا وإحراج واشنطن ونزع الشرعية عن قواتها في العراق في المحافل الدولية.

6ــ قدرة الحكومة العراقية على التفاوض مع واشنطن على إخراج هذه القوات أو سحبها على دفعها وضمن آلية مزمنة وبما يحفظ لواشنطن ماء وجهها ويضمن مصالحها في العراق.

7ــ حدوث انفراج في العلاقات الإيرانية الأميركية وقبول طهران بالجلوس إلى طاولة مفاوضات جديدة حول ملفها النووي ونفوذ إيران في المنطقة وبما يؤدي لرفع جزئي أو كامل للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران وهذا ما يستبعده الكثير من الباحثين والمتابعين خلال الفترة الراهنة وعلى المدى القريب ولكن يظل وارد الحدوث ففي عالم السياسية لا توجد مستحيلات وعداوة دائمة وإنما توجد مصالح ومتغيرات ووجود انفراج في العلاقات المتأزمة بين واشنطن وطهران سينعكس على الوضع في العراق وسيجمد التصعيد العراقي ضد القوات الأميركية في العراق.

8 ــ مدى قدرة واشنطن على إقناع الكتل الكردية والسنية والقيادات العراقية والشخصيات المؤثرة بضرورة بقاء قواتها في العراق لإحداث توازن في الساحة العراقية التي تتقاسم واشنطن وطهران النفوذ فيها.

9 ــ إدراك الحكومة العراقية لمدى خطورة التهديدات الأميركية على حاضر ومستقبل في حال أصرت على إخراج القوات الأميركية من العراق وأولها هذه التهديدات العقوبات الأميركية التي هدد ترامب بفرضها على العراق في حال الإصرار على إخراج القوات الأميركية وقدرة هذه العقوبات على شل الاقتصاد العراقي المتدهور.

10 ــ مدى أهمية الأوراق التي تمتلكها واشنطن للضغط على الحكومة العراقية لضمان بقائها في العراق مثل التهديد بدعم الأكراد ضد الحكومة المركزية في بغداد ودعم تطلعاتهم للانفصال عن العراق وخلق فوضى وفتنة طائفية بين السنة والشيعة وضرب الوحدة الوطنية العراقية وغيرها من الأوراق التي بدأت واشنطن تلوح باستخدامها في حال الإصرار على إخراج قواتها من العراق.

11 ــ مدى رغبة الرئاسة والحكومة العراقية بإبعاد العراق والنأي به عن أي صراع إقليمي أو دولي وبخاصة الصراع الأميركي الإيراني.

12 ــ مدى جدية واشنطن في تنفيذ تهديداتها وابتزاز العراق ماليا وسياسيا وحشد الرأي العام العراقي والإقليمي والدولي ضد هذا القرار.

وختاماً فإن من حق العراق حكومة وشعباً إخراج القوات الأميركية من أرضه طالما قد انتهكت بنود الاتفاقية الموقعة بين بغداد وواشنطن خاصة وأن القوات الأميركية في العراق هي في كل الظروف والأحوال قوات احتلال وإن حاولت شرعنة وجودها باتفاقات عسكرية وأمنية كما أن أبناء العراق لم ينسوا أن هذه القوات قد ارتكبت كوارث وجرائم بحق أبناء العراق منذ الاحتلال الأميركي الغاشم في 2003م وحتى اليوم ولكن ما مدى قدرة الحكومة العراقية على مواجهة واشنطن وعقوباتها في حال أصرت على بقاء قواتها في العراق ونفذت تهديداتها وخاصة في ظل هذه الفوضى السياسية والتوتر الأمني والانتفاضة الشعبية في العراق.

البعض من العراقيين قبل غيرهم يرون بأن تحرك البرلمان والحكومة العراقية وكذلك بعض الفصائل العراقية يأتي بتوجيهات إيرانية ولمصلحة إيران وليس من باب الغيرة على السيادة العراقية فالسيادة العراقية مستباحة على أيدي الأميركيين والإيرانيين منذ عام 2003م وحتى اليوم وإخراج القوات الأميركية هو هدف لإيران وحلفائها منذ سنوات وشكلت عملية اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني/ قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهم في العراق الفرصة التاريخية للعمل على إخراج القوات الأميركية من العراق وأما مدى نجاح إيران وحلفاؤها بإخراج القوات الأميركية من العراق فهذا ما سيظهر خلال الفترة القادمة.

  • باحث في الشأن الإيراني

في الثلاثاء 14 يناير-كانون الثاني 2020 07:43:07 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=83142