القضية سرقة وطن وليست سرقة أعضاء فقط

2009-08-29 03:46:01

محمد أبو علان

خلال ثلاثة أسابيع من الحرب المدمرة على قطاع غزة سرق الاحتلال الإسرائيلي حياة ما يقارب "1450" شهيدا فلسطينيا، منهم حوالي "417" طفلا و"108" نساء، و"120" مُسنا و"14" مسعفا، وخلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية سرق حياة أكثر من ستة آلاف شهيد، ناهيك عن مئات المجازر طوال سنوات الاحتلال الذي تجاوز عمره الستة عقود من الزمان.

هذه المجازر الإسرائيلية رغم حداثتها إلا أن الوقائع على الأرض تقول إنها باتت تاريخا، والسبب انشغال القيادة السياسية في شقي الوطن بتثبيت أركان الحكم والسيادة ولا وقت لديها لمتابعة الاحتلال وجرائمه بغير الإدانات والشجب والاستنكار، في الوقت الذي باتت المقاومة والرد على جرائم الاحتلال شعارات تستخدمها فصائل "المقاومة" لأغراض داخلية فقط.

ولكن مع صدور تقرير صحيفة "أفتون بلاديت" السويدية حول سرقة جيش الاحتلال الإسرائيلي للأعضاء البشرية من شهداء فلسطينيين، قامت الدنيا ولم تقعد بعد، الضجة المثارة تعطي الانطباع للوهلة الأولى أن هذه الجريمة هي الوحيدة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني على مدار ستة عقود..

كلامي هذا لا يهدف للتقليل من قيمة التحقيق السويدي، أو القول بأن الاحتلال لم يقترف مثل هذه الجريمة أسوةً بعشرات ألوف الجرائم والمجازر الأخرى التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني بكل فئاته من شيوخ ونساء وأطفال، ولكن السؤال: لماذا ننتظر حتى تأتينا صحيفة أجنبية أو صحفي غربي لنتلقف ما يقول عن قصص وأحداث عشناها نحن الفلسطينيين على جلود أطفالنا وآبائنا وإخوتنا ونسائنا؟ وتعامل البعض منا معها وكأنها اكتشاف جديد لنوع آخر من جرائم الاحتلال، بمعنى آخر، الصحفي السويدي لم يأت بجديد في هذا المجال وإنما عاد وذكرنا نحن قبل غيرنا بوجود مثل هذه الجرائم.. قد يقول البعض إن أهمية القضية تعود لكونها جاءت في تحقيق صحفي سويدي، مما يعني أن تأثيرها وردة الفعل عليها ستكون أكثر وأكبر على اعتبار أن السياسيين والإعلاميين العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص باتوا يعانون من فقدان الوزن السياسي والإعلامي خارج إقطاعياتهم وإماراتهم، إسلامية كانت أم ملحدة، وهنا قد نتفق مع من يسوق هذا المبرر، ولكن أهمية هذا التحقيق السويدي ستذهب أدراج الرياح لغياب الاهتمام الرسمي الفلسطيني والعربي بمثل هذه الجريمة، والهبة الفلسطينية المرحبة بهذا التحقيق هي هبة نخبوية ستختفي بعد أيام في دهاليز الانقسام الفلسطيني وزواريب الحوار.

إلا أن النقطة الأهم في هذا المجال والذي يحاول الكل تجنبها هي: أين الإعلام الرسمي الفلسطيني من جرائم الاحتلال التي لا تعد ولا تحصى؟، أين الإعلام الفلسطيني المحلي من العمل على كشف وتوثيق جرائم الاحتلال بشكل دائم ومستمر وليس بشكل موسمي ويتعامل مع ردات فعل فقط ساعة الحدث؟ أين كُتاب الأعمدة وكُتاب المقالات اليومية من هذه الجرائم، يصرفون جل وقتهم وجهودهم الإعلامية في قضايا وتحليلات سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع؟ والسؤال الأكبر: لماذا كل هذه الجهات الإعلامية ومن بها لا وزن لهم خارج وسائل إعلامهم رغم حجم الدعم الحكومي لبعضهم، والدعم الأوروبي للبعض الآخر، أم أن البقاء خارج دائرة التأثير هو شرط الدعم والتمويل في الحالتين؟... فإحدى الجرائم التي نمر عليها، وتمر عليها حتى الجهات الرسمية والشعبية مرور الكرام موضوع استخدام السجناء الفلسطينيين كحقل تجارب للعقاقير الطبية التي تنتجها مختبرات دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الحديث عن هذا الموضوع بقي في إطار أحاديث إعلامية وسياسية دون البحث عن دلالات واضحة وقاطعة في هذا المجال، فلماذا لم نقرأ تقريرا أو تحقيقا صحفيا أو طبيا من جهات فلسطينية حول هذا الموضوع؟.

وهناك من سبق الصحفي السويدي بسنوات في توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي بشتى صنوفها وألوانها وأشكالها والتي فاقت بشاعتها مسألة سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، فالصحفي الفلسطيني محمد دراغمة وثق "90" قصة في كتاب سماه "حقول الموت".. فتجد من بين القصص امرأة تلد في العراء ويقطع الزوج الحبل السري بحجرين، ومسن يرمي الجنود ولده بالرصاص أمام عينيه، وعائلات أبيدت بأكملها وبقيت أياما تحت ركام منازلها...

ظاهرة سرقة الأعضاء البشرية، وحتى الاتجار بالبشر هي صفة من صفات المجتمع الإسرائيلي المزروع بالعنصرية تجاه بعضه البعض، فكيف نتوقع أن يكون سلوكه تجاه مجتمعات "الغويم" من غير اليهود؟... في نهاية الأمر القضية أكبر بكثير من قضية سرقة أعضاء بشرية، القضية سرقة أرض وحياة شعب بأكمله تعداده تجاوز العشرة ملايين، أكثر من نصفهم لاجئون، والمجازر وجرائم القتل ضد الشيوخ والأطفال والنساء التي ترتكب بدم بارد تفوق بشاعتها سرقة أعضاء بشرية.

 




 

 

 

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد