استقبال رمضان ببطون خاوية

سرق الحوثيون سعادة المواطنين وفرحتهم بالشهر الكريم أربع سنوات متتالية

2019-04-24 02:05:56 أخبار اليوم/تقرير


أسواق العاصمة صنعاء خالية على غير المعتاد، فالوضع الاقتصادي ألقى بظلاله على مختلف شرائح المجتمع..
تكرم الحوثيون بإعلان صرف نصف راتب للموظفين لا يكفي تسديد الإيجارات المتراكمة منذ أشهر..
الشماخ: القدرة الشرائية في اليمن تراجعت إلى أدنى مستوياتها في الفترة الأخيرة
الاقتصاد الرسمي في اليمن ذهب وتلاشى، وظهر للسطح الاقتصاد الخفي (السوق السوداء)

مَن يتنقّل في شوارع وأسواق صنعاء, ويقف على الحالة المعيشية للناس قبيل رمضان, سيتجاوز- بلا شك- ما يعيه عن مفاهيم الحرب والسلام، ذلك أن الوضع الإنساني المعيشي هناك يفوق أي تصور.. فمعاناة الناس في رمضان ستكون أبشع بكثير، فالأسعار ارتفعت بمجرد قدوم رمضان وسترتفع أكثر، وفي ظل استمرار إيقاف صرف الرواتب فإن رمضان يمثل معاناة إضافية لبلد تعيش في ظل أزمة ضمير المليشيات في علاقتها بحياة الناس.
أين أذهب بالنصف الراتب:
تحدثني (أمة السلام)- مدرسة في إحدى مدارس صنعاء- عن استقبالها لشهر رمضان بابتسامة تخفي خلفها الكثير من الألم والحزن قائلة:
منذ خمسة أشهر ونحن بلا راتب- أقصد نصف راتب- كبرت المعاناة وزادت الأوجاع، وبمناسبة رمضان أعلن الحوثيون أنهم سيسلمونا نصف راتب فقط.. نصف راتب لخمسة أشهر، لا الحكومة الشرعية سلمت الرواتب كما وعدت, ولا الحوثييون في صنعاء يهتمون بالمعاناة التي يعيشها المواطن.
وأضافت بسخرية: نصف راتب سأسدد به الإيجارات المتراكمة علينا منذ اشهر.
نصف راتب سأشتري به المواد الغذائية الأساسية, من طحين ورز وسكر.
نصف راتب سأشتري به الغاز, وأسدد الديون التي علينا لصاحب البقالة, والذي ما أن يعلم أننا استلمنا المرتب, حتى يقف لنا باب البيت ليأخذ نصف الراتب.
بالله عليك.. أين سأذهب بالنصف الراتب هذا؟
ذهب الحوثيون بفرحة قدوم رمضان:

 


ما أن يقترب حلول شهر رمضان الفضيل، حتى ينهمك سكان اليمن عامة وسكان صنعاء خاصة, بالبحث عن احتياجاتهم من المواد الغذائية الأساسية الخاصة بهذا الشهر الجليل, لكن الملاحظ هذه السنة قلة الازدحام على الأسواق, هذه الظاهرة التي ترافق دخول رمضان عادة, بالتزامن مع ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية, مع استمرار في انقطاع الرواتب الذي حد من قدرة المواطنين على شراء متطلبات الشهر, ما جعل الفرحة باستقبال هذا الشهر غير مكتملة لدى الكثير من سكان العاصمة صنعاء.
وعن هذا الوضع تؤكد لي (أم أحمد) أن الفرحة بقدوم رمضان ذهب بها الحوثيون, وأصبح رمضان- بالنسبة لها- يشكل عبئاً ثقيلاً، كونها ستكون بحاجة لتوفير حاجيات لأسرتها أكثر من المعتاد.
وتضيف قائلة:
إنني امرأة اأرملة ولدي ستة أبناء, بالكاد أستطيع إطعامهم في الأيام العادية, في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع راتب زوجي المتوفى, ومع قدوم رمضان أمهلني صاحب البيت عدة أيام لدفع الإيجارات المتراكمة, مالم سيقوم بطردي أنا وأولادي من البيت.. من أين سآتي بالإيجار وأنا لا أجد ريالاً واحداً في بيتي؟
تدهور اقتصادي:


يكاد يكون شهر رمضان لهذا العام- في المناطق المسيطرة عليها المليشيات الحوثية- الأقلّ حيوية مقارنة بما سبقه, مردّ ذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية لمعظم اليمنيين، الذي حملهم على الاكتفاء بالحدّ الأدنى من متطلبات هذا الشهر، في ظل ارتفاع الأسعار وتوقف الرواتب وتراجع القدرات الشرائية، لتحتلّ الاحتياجات الغذائية الأساسية من قمح ودقيق وأرز وسكر، رأس سلّم الأولويات، مقابل تخلّي السواد الأعظم عن بقية المنتجات المرتبطة بشهر الصوم.
في سياق ذلك، يوضح الخبير الاقتصادي/ أحمد الشماخ، أن الأسعار في اليمن تفاوتت نسبة الزيادة فيها، فهناك ما بلغت نسبة الزيادة فيها إلى500% مثل سلع المواد الأساسية كالغذاء والدواء.
وأرجع أسباب هذه الزيادة الكبيرة إلى الازدواج الجمركي، وفرض السلطات المحلية في جميع أنحاء اليمن، الإتاوات التي تزيد في كل فترة على السلع الوطنية والمستوردة وحتى المهربة.
وبيَّن (الشماخ) أن القدرة الشرائية في اليمن تراجعت إلى أدنى مستوياتها في الفترة الأخيرة، بسبب فصل الكثير من الموظفين في القطاعين العام والخاص، والذي أدى- بطبيعة الحال- إلى وصول نسبة مستوى البطالة والفقر إلى 85%، مؤكداً أنه- في ظل سوء الأوضاع المعيشية والإنسانية التي تمر بها اليمن- استفاد من هذه الأزمة الفاسدون، وتحمل المواطن اليمني البسيط جميع الأعباء.
وقال إن “الاقتصاد الرسمي في اليمن ذهب وتلاشى، وظهر للسطح الاقتصاد الخفي (السوق السوداء)، وما يتحكم في الاقتصاد اليوم سوق المشتقات النفطية، وسوق أسعار الصرف، والاقتصاد الحالي غير أخلاقي؛ كون قوانين العرض والطلب لا تحكمه.
منشغلون عن روحانية الشهر الكريم:


يحل الضيف العزيز على صنعاء ومعاناة الناس مستمرة، ولا حيلة لسكانها سوى الصبر.. بهذه العبارات بذأت أم إبراهيم حديثها معنا.. وأضافت: يعود رمضان للمرة الرابعة, وما زال الناس منشغلون عن روحانية الشهر الكريم, بتدبير أمور المعيشة, وانتظار الخدمات الأساسية.
على حد سواء يعاني المواطن (المرأة والرجل) باختلاف الفئات العمرية، من ضغوط كثيرة, غير أن للمرأة أعباء إضافية تتمثل في عملية التدبير المنزلي, ومحاولة لم شمل العائلة على فطور شهي, بأقل التكاليف.
وأضافت: ومع اقتراب شهر رمضان, ومواجهة انقطاع الرواتب, وتذكري بأنني بحاجة لشراء المواد الغذائية التي سوف تحتاجها أسرتي في شهر رمضان, أشعر بأن كابوساً يكتم أنفاسي, ويضيف عبئاً كبيراً يضاف إلى الأعباء الجمة التي تؤرق حياة جميع الأسر التي تعيش في مناطق سيطرة المليشيات الإجرامية.
ارتفاع الضرائب وراء غلاء المواد الغذائية:
تجولت في بعض شوارع العاصمة صنعاء، وزرت الكثير من الأسواق والأماكن التي دائما ما كانت تختنق بالازدحام، وجدتها شبه ميتة، فمعظم المحلات- التي كانت ترتص أمامها طوابير طويلة من البشر، خصوصا محلات بيع المواد الغذائية- لم يعد فيها غير الباعة فقط, وعندما سألت (أبو عبدالملك)- أحد مالكي محلات بيع المواد الغذائية- عن السبب وراء عدم إقبال الناس على الشراء, والسبب في رفع التجار لأسعار المواد الغذائية أجابني قائلاً:
السبب- بلا شك- انقطاع المرتبات, أما عن سبب رفعنا للمواد الغذائية فهذا يعود إلى ارتفاع الضرائب الإضافية غير القانونية, التي تقوم بفرضها جماعة الحوثيين علينا, والإتاوات التي يتم فرضها في نقاط التفتيش الأمنية على حاويات التجار القادمة من الميناء, بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية للحوثيين في نقاط التفتيش, والتي بدورها تؤدي إلى تأخر البضاعة لفترات طويلة قبل دخولها صنعاء.
وجبات مفقودة:
يقول الباحث(عبدالكريم غانم): رمضان هذا العام هناك صعوبات في مواجهته, فلهذا الشهر الكريم طقوس اجتماعية كثيرة عادة ما تتهيأ له الأسر اليمنية, والذي يتكون من العديد من المأكولات, هذه الأشياء ستفتقد في هذا الشهر, بالإضافة إلى أزمة الغاز، إلى جانب الأزمة الأعظم وهي قطع المرتبات، في ظل انعدام تام لمصادر دخل الأسرة, مما يجعل من معيشة الناس صعبة خلال هذه السنة.
ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، هناك سبعة ملايين يمني ويمنية مهددون بخطر المجاعة إن لم تتوقف الحرب، ونصف اليمنيين غير قادرين على شراء المواد الغذائية الأساسية، مما أدى إلى تدهورً كبيرً في الحالة المعيشية, بحسب تقارير منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة الفاو.
للأسف.. للعام الرابع على التوالي يحل شهر رمضان علينا، دون وجود أفق لإنهاء هذه الحرب, التي أرهقت كاهل جميع اليمنيين بدون استثناء.
اختفاء مظاهر الفرحة:
يمشى الناس في شوارع العاصمة كسكارى، يحدثون أنفسهم، ولا ينبسون ببنت شفة، المعاناة ظاهرة على وجوههم، يتلفتون ذات اليمين وذات الشمال، لعل بارق أمل يأتي من هنا أو هناك يخفف معاناتهم، وينصفهم مما حلّ بهم من ظلم وهوان، ومتاجرة بتلك الآلام التي ستتحول يوما ما إلى قنبلة تنفجر في وجه سلطة الانقلاب، لتلقي بها إلى مزبلة التاريخ، وتتحول هذه المعاناة إلى مجرد ذكرى فحسب.
(سميرة) معلمة تحدثني بحرقة قائلة: يأتي علينا رمضان هذه السنة والسنين الثلاث السابقة وبيوتنا فارغة من الاحتياجات الأساسية، حتى التغذية المدرسية التي كانوا وعدونا بها عبر (برنامج الغذاء العالمي).. وقفها مدير مكتب التربية، بحجة أن عدد المدرسين كثير, رغم أنه هو وشلته يأخذون 500 حصة كل شهر, كما أفاد موظف المنظمة دون وجه حق, تحت مسمى حق المكتب والوزارة.
وأضافت: يأتي علينا شهر رمضان هذه السنة وسط أزمات معيشية خانقة واختفاء لمظاهر الفرحة، فلا مرتبات صرفت ولا خدمات وفرت, بالإضافة إلى ارتفاع في المواد الغذائية.
يا أختي نحن ميتون, ومحاصرون بالحرب والبطالة والفقر, وتهددنا قذائف من السماء وأخرى من الأرض.
غربة قاسية داخل الوطن:
قد يكون رمضان هذا العام هو أشد أشهر رمضان قسوةً على الناس, من حيث شدة المعاناة الاقتصادية والمعيشية, في ظل استمرار الحرب، وانتشار أمراض قاتلة، تحولت معهما الحياة إلى مغامرة يقضي فيها يوميًّا الكثيرون, فقرًا وعوزًا وقهرًا ومرضًا.
(عبدالعزيز) يعمل في بيع الأحذية بأحد أرصفة صنعاء، لم يستطع مغادرة صنعاء لرؤية أسرته في القرية للعام الثالث على التوالي.
يقول: هذا هو ثالث رمضان أقضيه بعيدًا عن أولادي, لأن ما أجنيه بالكاد أرسل منه مصاريف لأولادي، وأعيش منه في صنعاء، وأعجز عن توفير نفقات السفر منه، وكذا توفير الصرفة هناك بدون عمل لمدة أسبوع، خصوصًا وأن البضائع التي لديّ بالدائن.
وعلى الرغم من أثقال الحزن التي يترنح تحتها (عبدالعزيز))، إلا أنه يحاول- ككل اليمنيين- أن يعيش ويتعايش مع أجواء اقتراب شهر رمضان, بأقل قدر ممكن يشعر معه بخصوصية الشهر، مكتفيًا- كما أخبرني- بمكالمة هاتفيه يسمع فيها أصوات طفليه، ويتحدث إلى (أم العيال)، التي يقول إنها تُنهي معظم المكالمات وهي تبكي رأفة لحاله، وتذمرًا من حال البلاد التي أوصلت الناس لِأنْ يعيشوا غربة قاسية داخل وطنهم، وربما أقسى بكثير من الغربة خارج الوطن.
‏‫‬‬

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد